ايران باتت على بعد عدة ايام من العرس الانتخابي البرلماني الجديدة في دورته الحادية عشر , ويتنافس في الانتخابات 7148 مرشحا، بعدما أقر مجلس صيانة الدستور أحقيتهم في ذلك. ويخوض المرشحون المنافسة الانتخابية الشريفة لشغل 290 مقعدا، منها خمسة مقاعد للأقليات الدينية.
عندما نتحدث عن البرلمان الإيراني الحادي عشر فهذا يعني ان ايران نجحت في تحقيق الديمقراطية 10 مرات قبلها في انتخاب برلمان يمثل الشعب ضمن أطر إسلامية لم تمس بالمبادئ الإسلامية بل كانت نابعة من صميم تعاليم هذا الدين الحنيف ، ونجاح هذه التجربة لسنا نحن من نتحدث عنه فقط بل هناك الكثير من المقالات والتقارير الإعلامية التي تحدثت عن النموذج الديمقراطي الايراني كاستثناء في المنطقة التي لا تشهد معظم دولها عملية تبادل حقيقي للسلطة ويفتقر بعضها للبرلمانات اساسا ناهيك عن الدساتير المفصلة على مقاس العوائل الحاكمة ان وجدت بالأساس.
لا شك ان التجربة الديمقراطية في ايران كانت العنصر الأول في حفظ الاستقرار الداخلي في البلاد خلال العقود الاربعة الماضية وقد تجلى ذلك في استقرار ايران على الرغم من الكم الكبير من المؤامرات التي تعرضت لها، حيث استطاعت ايران تخطيها بحنكة القيادة الايرانية وتأييد القاعدة الشعبية التي تعتبر نفسها صاحبة القرار المتخذ من خلال عدد من الادوار الانتخابية حيث يشارك الايرانيون بانتخاب مجالس البلديات والبرلمان بالإضافة إلى الرئيس واعضاء مجلس خبراء القيادة الذين ينتخبون بدورهم قائد الثورة الاسلامية وبالتالي فإن الايرانيين يشاركون في اختيار كل هرمهم القيادي من القاعدة وصولا الى رأس الهرم وهذا ما يبرر الحضور الشعبي الكبير والواسع في ايران في كافة الساحات والميادين التي تتطلب حضوره للدفاع عن مبادئه وعن نظامه الاسلامي وقد شهدنا هذا الحضور مؤخرا في مراسم عزاء القائدين الملهمين الفريق قاسم سليماني والشهيد ابو مهدي المهندس ورفاقهما وكذلك في ذكرى انتصار الثورة.
وتتفرد هذه التجربة الديمقراطية الايرانية في ظل غياب اي تجربة مماثلة في المنطقة وخاصة الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي كالسعودية والامارات والبحرين حيث تحكم هناك عائلات نصبها الاستعمار الإنكليزي منذ بدايات القرن الماضي ولازالت تتوارث الحكم حتى يومنا هذا، في ظل تهميش تام لاي ارادة شعبية.
وفي النهاية ها هي ايران تسير في ركب الديمقراطية باتجاه التطور العلمي في كافة المجالات وهي ايضا بفضل نظامها الديمقراطي غير ملزمة بالدفع لاميركا او غيرها لحمايتها او للدفاع عنها وعن نظامها فالمدافع الأول عن هذا النظام هو القاعدة الشعبيةالعريضة التي انتخبته والتي هي اليوم تدلي باصواتها للكفاءات والطاقات والكوادر …
مايميز هذه الانتخابات هو ان الشعب يشعر بمسؤولياته في مواجهة الاكاذيب والافتراءات التي يعزف عليها الاعلام الاستكباري والاعلام الماجور حيث يحاول تصوير الوضع في ايران وكانه ذاهب للانهيار كما انه يفرز تمنيات كاذبة وحمقاء من قبيل رهانه على فك الارتباط بين الشعب وبين حكومته القديرة ونظامه الاسلامي , ورغم ان هذا الاعلام يصطدم في نهاية الامر بالاندكاك الشعبي بالنظام وبالحضور المليوني الا انه يكرر هذه الاسطوانة المشروخة مما افقده المصداقية لدى الراي العام الذي يرى بام عينه بان الشعب مع النظام وان الحضور الشعبي الواشع امام صناديق الاقتراع هو دليل واضح على فشل هذه المزاعم وهذه التمنيات وهذه الرهانات الخاسرة .
تأتي هذه الدورة من الانتخابات التشريعية في إيران في ظلّ معطيات داخلية وخارجية بالغة الأهمية، ما يجعلها تحمل طابعاً حساساً، إذ إنها أول انتخابات عامة تشهدها البلاد بعد دخول الصراع مع الولايات المتحدة مرحلة هي الأكثر خطورة على مدى الـ40 سنة الماضية، على خلفية احتدامه إثر انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو/أيار 2018، وما تبعه من حصار وحظر قاس وشمولي فرضته واشنطن على إيران. ولحقت الخطوة الأميركية جولات تصعيد متلاحقة بين الطرفين في المنطقة وساحات المواجهة المتعددة، بما في ذلك مياه الخليج الفارسي ، كادت أن تنتهي في حالاتٍ إلى مواجهة عسكرية.
وكانت لاستراتيجية الضغوط القصوى الأميركية على مدى 19 شهراً منذ الانسحاب من الاتفاق النووي، تداعيات كبيرة مما ضاعف من تماسك الشعب الايراني ودفعه للاعتماد على نفسه وقدراته وابداعه ، سياسياً واقتصادياً،حيث قدمت ايران نماذج من الصمود ونماذج من العمل الدؤوب لتحقيق الاكتفاء وافشال محاولات التركيع والقهر والعدوان .
مايميز هذه الانتخابات ايضا هو حضورالملف الاقتصادى بشكل ملحوظ حيث تدور حوله الخطط والمشاريع والشعارات لان ايران اليوم امام تحديات اقتصادية في الداخل وتحديات امنية في الخارج , ومن هنا وجدنا ان المبدئيين والاصلاحيين يتمحورون حول هذين التحديين من اجل مواجهة محاولات القوى الاستكبارية التي تسعى من اجل مصادرة القرار الوطني الايراني حيث تقول كل الاطراف المشاركة في العرس الانتخابي أن معركتهم في البرلمان ستكون اقتصادية، فيما رفع اخرون شعارات التصدي للاستكبار ورفع شعار التحدي وصناعة الصمود ,ويرى هؤلاء أن البرلمان الجديد ينبغى أن يتألف من الاقتصاديين والخبراء،لان المنازلة اليوم مع امريكا منازلة اقتصادية وامنية ولذلك جاء الحضور المليوني الشعبي للتاكيد على هذه القضية اساسا ومن اجل ان يشعر الجميع بان المطلوب هو الوحدة الوطنية وان قوة ايران في وحدتها وفي قرارها السيادي وفي تعزيز قدراتها الذاتية والدفاعية من اجل ان تكون بمستوى التحدي والامل والطموح .