الثلاثاء , 24 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

بدأ العد التنازلي للهيمنة الأمريكية؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

بعد ظهور إتحاد الجمهوريات السوفييتية كقوّة منافسة لأمريكا والغرب، خصوصا بعد مساهمتها الفعالة في إسقاط النّازية في ألمانيا، وتمركزها في النصف الشرقي من بلاد الرايخ، بدأت الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي المعادي للإشتراكية، والشرقي المناهض لإمبريالية  الغربية، التي لم تنته إلا بتفكّك الإتحاد السوفييتي إلى جمهوريات، ولا شكّ فإنّان لأمريكا ودول الغرب دور كبير في ذلك التفكيك، الذي تمّ بجهود استخبارية متواصلة، فتح فيه مجال لاستدراج عدد من تلك الدّول، لتنضوي بشكل أو بآخر تحت ولاية الغرب، وتبعيّته السياسية والعسكرية، طمعا فيما أيدي دوله من محفّزات، وخصوصا زعيمته أمريكا.

لم تقف أطماع الغرب بأحلافه السياسية والعسكرية ودوائره المالية، عند تفكيك الإتحاد السوفييتي، واستدراج عدد من دول المعسكر الإشتراكي لتنظمّ إليه، أو تسمح له باتفاقيات بناء قواعد عسكرية على أراضيها – بل ذهب بعيدا في أطماعه- وسياسات هيمنته على دول العالم، بادية في مواقفه العدائية لها ولشعوبها الحرّة، الرافضة لمنظومته الإستكبارية، والمقاومة لمخططاته في اخضاعها بالترغيب الخادع، والتهديد العسكري، والعقوبات الاقتصادية القاسية، كما هي شأنه بإيران الاسلامية والصين الشعبية وكوريا الشمالية.

من لا يعرف أوكرانيا وما تمثّله في الميزان الاقتصادي في العالم والأمني بالنسبة لروسيا، يجب عليه أن يعود إلى الاطّلاع على مخزونها الزراعي والصناعي، وموقعها الإستراتيجي الحساس، بالنسبة لدولة كبرى مثل روسيا المستهدفة من الغرب، من أجل احتوائها اقتصاديا، وحصارها بالقواعد العسكرية، لشلّ أيّ عمل عسكري قد تقوم به القوات الروسية، ضد دول الغرب وحلفائه، وقد تكون للغرب حسابات حرب خاطفة تشنها جيوش الناتو من أراض هي أقرب ما تكون عن العاصمة موسكو بمسافة 480 كلم.(1)

لقد نجحت أمريكا وحفاؤها في استدراج الأوكرانيين في انتخابات بلادهم الرئاسية، بترشيح فولوديمير زيلنسكي Volodymyr Zelensky (2)هذا الكوميدي الصهيوني، الذي اتخذت من شعبيّته دول الحلف الأطلسي، ليصل إلى هرم السلطة الأوكرانية بالدعم المالي الخارجي، من باب الديمقراطية المزيّفة التي تنشرها تلك القوى، للحفاظ على مصالحها في تلك الدّول، وابقاء هيمنتها قائمة هناك، وخصوصا ما يسعى إليه حلف الناتو من ضمّ أوكرانيا إلى حلف الناتو، وبالتالي تركيز قواعد عسكرية استراتيجية جنوبي الحدود الروسية، مما من شأنه أن يشكّل تهديدا مباشرا للفيدرالية الروسية، وهو مسعى أمريكي غربي خطّط له من قبل، وهو في طور التنفيذ منذ سنوات، والتقدّم فيه جارٍ على قدم وساق.

إنّ من لم يكن متابعا للأحداث الجارية في أوكرانيا، منذ أن وضعت القوات الروسية يدها على شبه جزيرة القرم وقامت بضمها إليها سنة 2014  حتى أن موقع البي بي سي bbc ذكر أن (ضم شبه جزيرة القرم إلى السيادة الروسية كان أسلس عملية غزو في التاريخ الحديث إذ انتهت قبل أن يدرك العالم الخارجي أنها قد بدأت.)(3)، يعتقد أن المبررات التي استعملها حلف الناتو، ذراع أمريكا في العالم، بتغلغله في أوكرانيا، ليتخذ منها قاعدة متاخمة للحدود الروسية، ومهدّدة لأمنها بصورة خطيرة، متجاهلا تحذيرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، بأن وجود هذا الحلف قريبا من أراضيه، خط أحمر لا يمكن السكوت عنه، ويبدو أن حماقة الرئيس الأوكراني واستنصاره بدول الغرب واحتماؤه بهم، أوصلته إلى تحدّي الدّب الروسي، معتقدا أن أمريكا ودول حلف الناتو، سوف تسرع لنجدته في حال حصول مواجهة عسكرية مع روسيا.

ما لم يكن متوقّعا حصوله حسابيا وقع، وقلب حسابات زيلنسكي ومعه الغرب، فقد اتخذ الرئيس بوتن قراره الحاسم بغزو أوكرانيا، وهو أقلّ ضررا من تمادي أوكرانيا في سياستها الإستفزازية تجاه بلاده، بخطوات الرئيس الأوكراني المتسارعة للإنتماء لحلف النّاتو،

ما تميزت به أوكرانيا يتجاوز موقعها الإستراتيجي العسكري، ليفتح بابا على إمكانياتها الإقتصادية والزراعية، ومدخراتها الحيوية من الطاقة، كالنفط والغاز، ومناجم اليورانيوم، والمنغنيز، والغرافيت، والحديد، والفحم الحجري، وملح البوتاس (4) كما تُعدّ اوكرانيا السادسة عالميا في انتاج الذّرة، ب49 مليون طن سنويا، والسابع في القمح ب27 مليون طن، وهي مصنّفة من أكبر عشرة منتجين لبنجر السكر، وفول الصويا، والشعير، واللفت، وعباد الشمس.(5)
الصراع في وأكرانيا متعدد الأوجه، إذا كسبته روسيا سيكون له تأثير استراتيجي وحيوي، فعسكريا سيجعلها في مأمن من تمركز النّاتو على حدودها الجنوبية، وما سيشكل وجوده من خطر كبير عليها، ومن شأنه حيويّا أن يبقي أوكرانيا  مصدرا لاستكمال اي نقص لمنتجاتها الزراعية بلا تكاليف شحن، أما في صورة ما اذا لو نجحت أمريكا وحلفائها في الناتو في كسب هذه المعركة الغير مباشرة، وهي فرضية مستبعد ة جدّا لحد اليوم، ولن تتراجع روسيا عمّا عزمت عليه، وإذا ما غُلِبت أو خُدعت ولم يبق لها من حلّ تفاوضي أو عسكري، فلن يبعُدَ عنها

الزرّ النوويّ.

صراع أمريكي بالوسائط استهدف روسيا في خاصرتها الجنوبية، وليست أوروبا وصيفتها في إبقائها قطبا وحيدا متحكما في دول العالم، سوى أداة ضغط محكومة بخطوط حمراء، أوّلها احتياجها الكبير للغاز الروسي، فلا تستطيع أن تمضي بعيدا في معاداة أو مواجهة روسيا، وبإمكاننا القول بأن باب البلاء قد فتحته أمريكا وحلفائها على أنفسهم، وطالما أنه قد انفتح وانكشفت به النوايا السيئة للغرب، فإنّ لمن أقدمت أمريكا على معاداتهم وهي في أرذل عمرها، سيشكلون قوّة رهيبة، ليس بمقدورها تفكيكها، ولو اجتمع العالم باسره معها، فيكفي أن نحوصل ما يجري، بأنّه بداية نهاية هيمنة القطب الواحد، والمشهد قابل للتطوّر والتوسّع في حال الإصرار على مواصلة الحماقة الغربيّة.

خلاصته أن الغرب لا أمان له، وهذا درس معتبر لمن ما زال يثق في دوله، ويقدم لهم خدمات جليلة على حساب مبادء شعبه، فهل من معتبر؟

المراجع

1 – كم تبعد أوكرانيا عن روسيا https://mhtwyat.com/

2 – فولوديمير زيلنسكي https://ar.wikipedia.org/wiki/

3 – ضم روسيا لشبه جزيرة القرم خطة مفصلة وسرية وناجحة

https://www.bbc.com/arabic/worldnews/2014/03/140319_russia_crimea_annexation_analysis

4 – ما هي الموارد الطبيعية الرئيسية لأوكرانيا؟

https://ar.history-hub.com/ma-hy-almoard-altbyaay-alryysy-laokranya

5 – ما هي اشهر المحاصيل الأوكرانية https://tijaratuna.com/

شاهد أيضاً

غزة وأوكرانيا ما بين التفاوض والحرب الكبرى .. هل ينتصر العقلاء ؟…بقلم م. ميشيل كلاغاصي*

شهد الربع الأول من القرن الحالي جملة أحداث ومعارك وحروب, بعدما انفرد الغرب بقيادة الولايات …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024