المخططات الامريكية والصهيونية، لعرقلة تقدّم ونموّ الجمهورية الاسلامية الإيرانية، بلغت أوجها خلال العشرية الثانية من هذا القرن، فبعد تحريك القاعدة وطالبان، ضدّها على الحدود الشرقية من الجهة الباكستانية والافغانية، وفشل محاولاتهم لزعزعة الامن والاستقرار داخل إيران، واحباطها بيقظة وجهود قوى الجيش والامن والحرس الثوري، جاء دور داعش الأمريكية، ولم يكن مصيرها أحسن من سابقيها، إذ سرعان ما سقط مشروع الإرهاب الوهابي التكفيري في سوريا والعراق، قبل أن يصل الى الحدود الايرانية الغربية، وذلك بفضل الله تعالى ورعايته وعنايته بأوليائه، وبجهود جبّارة من أوفياء المشروع الاسلامي في إيران، الذين قدّموا دماءهم وخبراتهم وأسلحتهم وذخائرهم، من أجل مقاومة الإرهاب الوهابي التكفيري، المنتشر كالوباء بين الجهلة بالدين، والغافلين عن دوره في إحياء الأنفس، والمدعوم من طرف عملاء في المنطقة، جنّدوا أنفسهم خدمة لأعداء المشروع الاسلامي.
وبهذا الخصوص قال الامام الخامنئي: (إن العدو ومنذ بداية انتصار الثورة الإسلامية لم يألو جهدا للنيل منها، لكن وفي كل عام، وتزامنا مع احياء ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، نرى أن الحشود الهادرة، وفي مختلف الأجواء الجوية، تنطلق في مسيرات موحدة وتطلق شعارا واحدا.) (1)
سقوط داعش التي عولت عليها دوائر الإستكبار والصهيونية العالميين، كرأس حربة خطيرة من أجل ضرب إيران، وإنهاء مشروعها الكبير، المتمثّل في نظامها الإسلامي الذي قام بإرادة شعبية منقطعة النظير، وأثبت انتماءه للإسلام المحمديّ الأصيل، انتماء حقيقيا برهن عليها قولا وفعلا، وظهر مواقف سديدة ورشيدة يعتز بها كل مؤمن، يعتبر نموذجا حقيقيا للإسلام المحمّدي الأصيل، وعاملا أساسيا مقاوما لأعداء الأمّة الاسلامية، ودحر نفوذهما من البلاد الاسلامية بدأ من فلسطين، دفع بهؤلاء الأعداء المجتمعين، إلى الإنتقال الى البديل الثاني، المتمثل في الاختراق الداخلي، واستغلال الفرصة المتاحة لإشعال الساحة الداخلية، وكانت التمهيد له الاحتجاجات التي ظهرت على الساحة اللبنانية والعراقية، والتي ظهر جليّا، أنها موجّهة ومحرّكة ومدفوعة الثمن، لمن ينخرط فيها، وكان من بين الأهداف المعلنة فيهما، التطاول على قوى المقاومة ( إيران حزب الله والحشد الشعبي) واستهدافها معنويا بإطلاق شعارات معادية لها، من أجل الحط من شعبيتها ومعنوياتها.
وتأكيدا من سماحة الإمام الخامنئي على أن تنظيم داعش ما كان له ان يقوم لولا امريكا قال: (أن الأمريكيين فضلا عن تأسيسهم داعش، قدموا الدعم له، وربما تولت مؤسسات وحشية أمريكية مثل “بلاك ووتر” مهمة تدريبهم، على بعض الأساليب العنيفة والمتوحشة، إلا أن الحكومة الأمريكية ورغم كل هذه القساوة، تزعم في إعلامها الدولي، دعم حقوق الإنسان والمظلومين، وحقوق الحيوانات، حيث ينبغي فضحهم عبر تبيين هذه الحقائق(.(2)
زعزعة أمن واستقرار المنطقة، من ضمن الفوضى الخلاقة، التي دفعت اليها أمريكا شعوبا عربية، بعنوان ثورات الربيع العربي، وكان الهدف الغير معلن حينها، متمثلا في اسقاط النظام السوري، ليس من أجل الشعب السوري، وإنما من أجل انهاء محور مقاومة العدو الصهيوني في المنطقة، على الجهة الشمالية لفلسطين، وغلق ملف القضية الفلسطينية نهائيا، وترك المجال لعربدة الكيان الصهيوني، وهيمنته على الشرق الأوسط، بتأييد ومباركة ودعم أمريكي غير مشروط.
النظام الإسلامي في إيران كان يدرك جيدا، أنه في مواجهة عدوّ شرس فاقد للقيم الإنسانية، لا يقيم اعتبارا للعهود والمواثيق الدولية، قد جمع حوله داعمين له من أنظمة خليجية غبية، ترى فيه حاميا وصديقا لها، تخفي نقائصها العديدة في ظل وجوده، بينما عبّر ترامب عن تلك العلاقة – بأسلوب كشف حقارة ووضاعة الرّجل – بكونها مصلحية بحتة تخدم مصالح أمريكا، معتبرا تلك الدول، وفي مقدمتها النظام السعودي بأنها بقرة حلوب، يعمل على حلبها.
لذلك فإنه ومن خلال استقرائنا للتاريخ ما بعد الثورة الاسلامية الإيرانية، نرى أن النظام الاسلامي أخذ بعين الاعتبار، لكل ما يتعلّق بالعقبات التي سوف تواجهه من أعدائه، وقد حسب حسابا لكل صغيرة كبيرة قد يرمى بها، بسبب مواقفه من الاستكبار والصهيونية، وأهدافه المعلنة والداعية الى القضاء عليهما.
الثابت لحد الآن، استمرار النظام الاسلامي في ايران على نفس النهج الذي رسمه له المؤسس الامام الخميني، لم يتزحزح قيد أنملة عن مساره، ولا غيّر من أهدافه ولا من اعداده ولا حتى من خطابه، على نسق واحد وقوة تأسست على البر والتقوى والوفاء للإسلام وأهله، لم تخش يوما في الله لومة لائم معتمدة عليه وحده، وثبت لدى العالم ايضا، تخبط امريكا وحلفها المعادي للإسلام وأهله عموما، ولإيران الاسلامية خصوصا، ومن كان على بيّنة من امره، فإنه حتما سيكون الفائز في صراع مصيري، خبر قوم سلمان ميدانه، وسبروا غوره، وقد ارتفعت رايتهم فيه منتصرة قاهرة لأعدائها، والنصر المؤزر آت لا محالة على ايدي هؤلاء الشرفاء، وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم.
المصادر
1 – من خطاب سماحة الامام الخامنئي لدى استقباله جمعا من قادة وكوادر القوة الجوية بتاريخ 22 جمادى 1439)
2 – من خطاب سماحة الامام الخامنئي لدى استقباله جمعا من قادة وكوادر القوة الجوية بتاريخ 22 جمادى 1439)