بقلم عمر حلمي الغول
لا أضيف جديدا عندما أؤكد، على ان البشرية تفتقر للعدالة الإنسانية والسياسية والقانونية والإجتماعية والدينية. ولا أعتقد أني قدمت إسهاما علميا حين أكرر ما دعمته وقائع الحياة والتجربة التاريخية، من أن قيام دولة الإستعمار الإسرائيلية عام 1948 على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني كان جريمة العصر، وعار لطخ جبين البشرية كلها، وخاصة الأقطاب والدول الخارجة من وحول ومستنقعات الحرب العالمية 1939/ 1945، وسقطة وفضيحة مدوية بحق القادة والزعماء العرب الذين تخلوا آنذاك عن الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه السياسية. لإن نشوء وتأسيس دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، لم يحل المسألة اليهودية، ليس هذا فحسب، بل ان قيامها أنتج نكبة ومحرقة اشد بشاعة من محرقة هتلر والمانيا النازية، تمثلت بنكبة فلسطين وشعبها، التي مازالت حتى الآن تلقي بظلالها الكثيفة، ووحشيتهاعلى أطفال ونساء وشيوخ وشباب الشعب في الوطن والشتات على حد سواء.
هذة الدولة الإسبارطية المسلحة بأحدث وأكثر الأسلحة الفتاكة تطورا، والمسكونة بلوثة إستكمال المشروع الصهيوني الإحلالي والإجلائي على كل فلسطين التاريخية، وعلى ارض العرب “من النيل إلى الفرات” وفق شعار الحركة الصهيونية التاريخي، لم تكف يوما عن إرتكاب جرائم الحرب ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني، وستبقى تواصل بطشها وجرائمها ووحشيتها وفق خططها ومشاريعها المعدة بشكل مدروس ومنهجي. لإن أنظمة رأس المال في الغرب عموما وأميركا خصوصا، وفي روسيا الإتحادية وأوروبا الشرقية لم تتخذ ما يلزم من الإجراءات الرادعة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لكبح جرائمها وعنصريتها وإنتهاكاتها الخطيرة لإبسط حقوق الإنسان الفلسطيني، ومازالت تداهنها، وتتراخى أمام فجورها، وتغض الطرف عن إستهتارها بحقوق الإنسان والقانون الدولي، ليس هذا فحسب، بل أن إدارة ترامب تقود مباشرة حرب إسرائيل جنبا إلى جنب معها، وتغطي شمس عارها بغربال ممزق، أكثر مما هو ممزق.
نموذج صغير على غياب العدالة الإنسانية تجاه ما يجري في فلسطين، الخاضة للإستعمار منذ 1948، التي يدفع شعبها عموما وأطفالها ونساءها ثمنا عاليا من دمهم ولحمهم الحي يوميا، وتضاعف الثمن مع إحتلال دولة إسرائيل لكامل فلسطين التاريخية بالإضافة للجولان السورية وسيناء المصرية في الخامس من حزيران / يونيو 1967. ورغم توقيع منظمة التحرير إتفاقية أوسلو مع إسرائيل عام 1993، غير أن الدولة المارقة لم تتوقف عن مواصلة إستباحة وإنتهاك حقوق الشعب العربي الفلسطيني لا بل تعمق وتوسع وإزداد بشاعة.
ومع ذلك لم يسمح الأمين العام للأمم المتحدة، غوتيرش في جلسة مجلس الأمن المخصصة لبحث قضية الأطفال في حالات النزعات المسلحة ليلة الجمعة الموافق 2/8/2019 الماضي من إدراج إسرائيل ضمن قائمة العار وفقا للتقارير الأممية المرفوعة له ولمجلس الأمن، وخاصة تقارير (اليونيسف)، وممثلة الأمين العام للإطفال والنزعات المسلحة، فرجينياغامبا، التي تؤكد إنتهاك إسرائيل لحقوق الطفل والإنسان الفلسطيني عموما، وهو ما يستوجب وضعها في قائمة العار للعام 2018. وللتغطية على عدم شجاعته، وخضوعه للإبتزاز الأميركي، طالب ممثلته القيام بزيارة جديدة للمنطقة عموما وفلسطين المحتلة خصوصا للتحقق أكثر مما ورد في التقارير؟!
مع ان التقرير اشار بوضوح إلى ان عام 2018 سجل اعلى نسبة قتل وإصابة أطفال منذ 2014، إذ إستشهد 59 طفلا، وأصيب 2756 بجروح معظمها أثناء مسيرات العودة على الحدود الفاصلة بين قطاع غزة ودولة الإستعمار الإسرائيلية. كما أن تحقيقات الأمم المتحدة ذكرت أن هناك 203 من الأطفال الفلسطينيين يقبعون في السجون الإسرائيلية دون أحكام، ويوجد 87 طفلا محكوما حتى نهاية العام 2018. وهو ما يعني بوضوح إطلاق يد إسرائيل الطولى لمواصلة إستباحة الحق والدم الفلسطيني عموما والأطفال والنساء خصوصا، ووصفة للعنصرية والفاشية الصهيونية بإرتكاب مجازر وجرائم حرب ضد ابناء ومصالح الشعب العربي الفلسطيني، والإستمرار في إختراق القانون والمواثيق والمعاهدات الدولية، وإدارة الظهر لخيار السلام نهائيا، وهو ما تسوقه صفقة العصر الترامبية، وقانون “القومية الساس للدولة اليهودية”.
إرتهان غوتيرش للسطوة الأميركية خطيئة لا تغتفر، وسقطة غير مشروعة، ولا مفهومة، سوى انها تغطية على عار أميركا وإسرائيل، ومنح جيش الموت الإسرائيلي وقطعان المستعمرين الضوء الأخضر للإيغال أكثر فأكثر في الدم الفلسطيني، وتصفية السلام ودفنه في مقبرة اللاعدالة الإنسانية، والوقوف إلى جانب جرائم الحرب الإسرائيلية، والتصفيق لإعادة إنتاج إسبارطة بثوب صهيوني بشع لقتل روح أثينا الفلسطينية العربية.