بقلم : مريم المقداد – تونس |
بين العقل والجهل مقدار ما يحمله الإنسان من الاخلاق والمعرفة ترجمان حصيلة زمن من التربية ونحت شخصيته التي تعكس نتاج العوامل الوراثية والمكتسبة المؤثرة في سلوكه وتصرفاته، وبين الحكمة والحماقة تتجلى أهمية المعرفة والتربية في صناعة الانسان وتكوينه روحيا ومعرفيا وتميزه عن باقي المخلوقات بما وهبه الله تعالى من نعمة العقل الذي خصه به وبه كرمه . وهذا التكريم الإلهي أهله أن يستخلفه في الأرضوالقيام بما أوكله من مهمة الاستخلاف وفق سننه التي قام عليها الوجود.
وفي مقابل نعمة العقل ومزاياه في اكتشاف العلوم والمعارف وتأطير الانسان في عالم انسانيته الفطرية التي جبلها الله تعالى عليها ، يأتي الجهل بجنوده العناد والتكبر والحرص في تقويض ملكة العقل وتجميد آفاقه طيشا ورعونة واستكبارا نتيجة الفراغ الروحي ، والفقر العقلي ، وفقدان الهدفية في الحياة.
وتعد العقيدة السمة البارزة بل الأساس في بناء الانسان فكريا وروحيا واجتماعيا ، تحرره من اغلال العبودية لأهواء النفس المؤدية إلى الانحطاط والتسافل إلى مرتبة الحيوانية ( أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) الاعراف 176، وتحرره من الاستعباد والاستبداد ، وتخرجه من ظلمات الوهم والخرافة إلى نور العلم واليقين .والعقل هو المحرر والموجه باعتباره دعامة الدين كما اشار إلى ذلك النبي الخاتم صلى الله عليه وآله ( لكل شيء دعامة ودعامة الدين العقل ).
ومما لا شك فيه أن خطاب الرئيس الفرنسي ورد سماحة القائد الولي آية الله الخامنائ دام ظله على خلفية الرسوم المسيئة لرمز الاسلام الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله ينصبان في خانة الحكمة والحماقة ، فالمتتبع للخطابين وما تلاه من الردود المستنكرة والمتعاطفة يتبين له البون الشاسع بين العالم والجاهل، وبين الذي ملأ ايمانا إلى مشاشه، يسعى نوره بين يديه،وبين الأجوف المنفلت من عقال الحقد ، المرتضع من ثدي الالحاد ، الممقوت من قبل ابناء جنسه، يتخبط عنصرية بغيضة أدخلته في متاهات الفتنة الهاوية به إلى مزبلة التاريخ كأسلافه .
ذئب الأليزيه كعادته أطلع رأسه من مغرزه تكبرابفتنة أشد من سابقتها مستفزا مشاعر المسلمين بأن دينهم يعيش أزمة وأنه يشكل خطرا على الجمهورية الفرنسية ومبادئها ، هذا الذي يدعي في العلم فلسفة لا يفرق بين الاسلام المحمدي كدين خاتم ارتضاه الله تعالى للإنسانية جمعاء وبين الاسلام السياسي المتطرف وليد مختبرات أوكار الجوسسة الغربية لضرب وحدة الأمة الإسلامية ، متصنعا الخوف والقلقعلى الهوية الفرنسية ، مستثمرا الاسلامفوبيا في خطته الانتخابية بعد تدني أسهمه أمام التصاعد الصاروخي لليمين واليمين المتطرف .
خطاب ينم عن مدى الحقد الاعمى، وكشف جهل ماكرون وغباءه في تطاوله على الاسلام ومقدساته الذيساهمت فيه الأمة الاسلامية بخنوعها وتشرذمها، انحرافا عن الحق وقيمه السماوية انحراف الغنم القاصية عن القطيع .
ويأتي رد سماحة القائد الولي آية الله الخامنائ دام ظله شافيا للغليل ، رد العالم الفقيه المتبصر بعلل العالم المتنافض ،الحكيم في مواجهة مخططات الاستكبار المعادية للاسلام والمسلمين ، واتسم الرد بالعقلانية والحكمة حيث توجه إلى العالم الاسلامي محذرا من تداعيات الانتهاكات الغربية للاسلام ورمزه داعيا إلى ضرورة وحدة الصف والكلمة في مجابهة خطر الطائفية الاستكبارية التي ما فتئت تزرع هنا وهناك من الأمة الاسلامية بأيادي أمريكية صهيونية .
واعتبر سماحته أن تأييد ماكرون للرسوم المسيئة للرسول الاعظم صلى الله عليه واله محل استهجان ومقت وموضع اهانة مشاعر المسلمين الفرنسيين الذين انتخبوه .
وفي توجيه الخطاب إلى الشباب الفرنسي على مواقع التواصل الاجتماعي رسالة بالغة الأهمية حيث حظيت باهتمام واسع ولقت صدى طيبا لدى الغالبية رغم الرقابة الشديدة والجائرة عليهفحجب من بعض المواقع الافتراضية ، وهذا التصرف في حد ذاته دلالة على تأثير رسالته الصادقة التي وقرت في القلوب الفطرية وستغير مواقف الغربيين ضد انظمتهم المستبدة التي صنعت الارهاب وأوجدته في العالم الاسلامي الذي كان ضحيته الأولى لعقود ولا زال .
بين الخطابين تجلت الحكمة الخامنائية الداعية إلى الوحدة والاندماج ونبذ التمايز مذهبيا وعرقيا مؤكدا على أن هذه الأمة أمة واحدة يسودها السلام والتعاون، في مقابل الحماقة الماكرونية التي لا تجلب لصاحبها إلا الهوان في الدنيا ، وهو في الآخرة من الخاسرين .