الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

تركيا، الغرب يعاقبها وبوتين يحولها إلى مركزٍ دولي للغاز الروسي…بقلم م. ميشيل كلاغاصي

من خلال ربط علاقاتها الخارجية بسياسات الولايات المتحدة الأمريكية , لم تفوت الدول الغربية الفرص لفَرضِ المزيد من العقوبات على تركيا , سواء كان ذلك يتعلق بنشاط عملياتها الإستكشافية النفطية والغازية أو أعمال الحفر في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط ، أو بسبب حصولها على أنظمة صواريخ أرض – جو الروسية ، وبكل ما يتعلق بتقاربها مع روسيا , في سعي حثيث إلى تضييق الخناق على الرئيس التركي رجب طيب إردوغان , ولتضخيم حجم تأثير التيارات التركية المعارضة التي تسير في الركب الامريكي , في وقتٍ تقترب فيه الإنتخابات الرئاسية التركية أكثر فأكثر.
وقد ساهم السعي التركي للحصول على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي , في تأجيج الإستياء الأوروبي , وبإظهار مدى تعفن “القيم” والشعارات “الديمقراطية” التي يرفعها وينادي بها الأوروبيين , وينكرون على تركيا حقوقها بإختيار طريقها وعلاقاتها ومصيرها .
وفي هذا الصدد , يحاول الأوروبيون المساهمة في كبح حماسة أنقرة واستقلال سياساتها عن واشنطن وبروكسل ، فقد وسّع الإتحاد الأوروبي عقوباته ضد المسؤولين ورجال الأعمال الأتراك ، ومنع بعضهم من دخول الإتحاد الأوروبي , وجمّد الأصول الأوروبية للبعض الاّخر , وسط الدعوات الألمانية لمراجعة دور أنقرة في الشؤون الأوروبية ، ولتحليل السياسة التركية في ليبيا وسوريا وشرق البحر المتوسط وناغورنو كاراباخ ,
وابدى الإئتلاف الحاكم في ألمانيا حماسةً خاصة , للدفاع رؤى ومصالح الولايات المتحدة في تركيا , لفرض “تدابير إقتصادية على تركيا” , على إعتبار أن تعميق أنقرة لتعاونها مع روسيا والصين عبر منظمة شنغهاي للتعاون , هو أمر “غير مقبول” به من قبل حلفاء تركيا الغربيين في الناتو , ناهيك عن المزاعم وإتهام تركيا بعرقلة جهود الناتو في مراقبة حظر الأسلحة المفروض على ليبيا ، وحفر آبار النفط والغاز في المنطقة الإقتصادية الخالصة لليونان.
كما تضمنت عقوبات الإتحاد الأوروبي الجديدة على تركيا , رفض منح تأشيرات الشنغن للمواطنين الأتراك , وتأخير بعضها الاّخر , من خلال تشديد الإجراءات وتعقيد الثبوتيات , وسط إتهام وزير الخارجية التركي الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة , “بتعمد تعقيد وتأخير” هذه الإجراءات.. كذلك القيود التي فرضتها الدول الغربية مؤخراً على قطاع الطيران المدني الجوي الروسي – التركي , بما ألحق بالسياحة التركية أضراراً جسيمة , ناهيك عن زيادة الضغوط الأمريكية – الأوروبية على البنوك التركية التي تدعم نظام الدفع “مير” الروسي , الذي ترى فيه واشنطن وسيلةً تساعد روسيا على التهرب من العقوبات المالية المفروضة عليها.
مهما تكن علاقة أنقرة بواشنطن وبروكسل , وعلاقتها المعقدة مع روسيا , يبدو أن الرئيس فلاديمير بوتين يرى ضرورة الحفاظ وتعميق علاقات بلاده بأنقرة , والتي من شأنها تسريع تدهور وتفكك الغرب , وإعادة توجيه المجتمع الدولي نحو علاقة دولية عادلة متعددة الأقطاب , على حساب الولايات المتحدة وحلفائها , ولم يوقف سعيه لإستمالة تركيا , واقتناص الفرص لجعل أرجحتها تصب في صالح بلاده أولاً وتركيا بالدرجة الثانية.
ومع تزايد الضغوط والعقوبات الغربية على تركيا , وبهدف تدمير وتعطيل الإمدادات الروسية من الغاز, التي يقاتل الأمريكيين والإوروبيين لإيقافها والإستغناء عنها , وجد الرئيس بوتين الفرصة ليفاجئ الأتراك والأصدقاء والأعداء , بإعلانه في 12 تشرين الأول/أوكتوبر , اقتراحه لإنشاء مركزٍ دولي للغاز في تركيا , خصوصاً بعد الهجمات الإرهابية والإعتداء على أنابيب نورد ستريم 1و2 في بحر البلطيق , بعدما ثبت أن خطوط الأنابيب البحرية “ليست اّمنة” .
من الواضح أن موسكو تنظر إلى مشروع “المركز التركي للغاز” من الناحية الأمنية , ومن خلال مقارنة نفوذها في بحر البلطيق بالبحر الأسود , والسيطرة العسكرية والإستخبارية الروسية والتركية , بالإضافة لسيطرة أنقرة المباشرة على حركة وتحركات ومرور السفن العسكرية عبر مضيقي البوسفور والدردنيل.
حتى الاّن , يبدو أن أوروبا تعيش صدمات عديدة , لم تكن تتوقعها قبل أن تقرر مواجهة موسكو والرئيس بوتين , ورفضها الحصول على الغاز الروسي ومحاولاتها الإستغناء عنه , وقضت على نفسها بعدما قرر الرئيس بوتين اعتماد تركيا كمركز للغاز الروسي , عوضاً عن ألمانيا والنمسا , وبولندا التي لا زالت تحلم به , ولم يخطر ببالها أن تقوم روسيا وتركيا بتقسيم أوروبا إلى شطرين , وبفسح المجال أمام إيران الحليف الإستراتيجي لكلا البلدين بمساعدة روسيا على حل مشاكل منطقة القوقاز على ضخامة رقعة إتساعها وامتدادها .
لقد شكل إقتراح الرئيس الروسي مفاجئةً حقيقية لتركيا , وسارع الرئيس التركي لتوجيه حكومته بالعمل الفوري والإنتهاء من تمديد شبكة الأنابيب اللازمة , بأسرع وقتٍ ممكن , ومن المرجح وفق الإعلام التركي , أن تتم إقامة هذا المركز في مقاطعة تراقيا التركية , التي تقع في الجزء الأوروبي من تركيا , وعلى الحدود اليونانية والبلغارية , في خطوةٍ من شأنها إقناع الدول الأوروبية ، الراغبة بتخفيض اعتمادها على موسكو , بشراء الغاز من مركز الغاز الجديد في تركيا.. في وقتٍ يبدو فيه من السهولة بمكان بالنسبة لروسيا استكمال بناء الخطوط الواصلة إلى تركيا , فالبنى التحتية البرية للمشروع تم إنشاؤها منذ العام 2014 , ومن الممكن استكمال البنى التحتية البحرية الضرورية في غضون عام أو عامين.
وفي هذا الصدد , وبمجرد الإعلان عن المشروع الجديد , سارعت تركيا لكسب الوقت وجلب الإستثمارات , واستغلال “قمة إسطنبول الإقتصادية” , التي ستعقد يومي 8 و9 كانون الأول /ديسمبر, والدعوة لعقد لقاءٍ يجمع وزير الطاقة الروسي بنظيره الألماني , وبدعوة الشركات الأجنبية وبالتأكيد الشركات الروسية أيضاً , حيث يرى وزير الطاقة الروسي نيكولاي شولغينوف إن: “عقود الغاز طويلة الأجل هي أحد الحلول لجذب استثمارات في مشروعات الغاز” ، وبأنها تمثّل “إحدى دعائم استقرار سوق الغاز العالمية”.
يبدو أن الذكاء الروسي تفوق على الخبث الأمريكي الأوروبي , وتحمل بعض الإزعاج والأذى التركي المحدود لروسيا , وتعاطى مع العلاقة الجدلية مع أنقرة , وحولها إلى شراكة تتجذر موثوقيتها شيئاً فشيئاً , بالإعتماد على المصالح الإقتصادية والجيوسياسية , والتي لا بد أن يستفيد منها كلا الطرفين , وخصوصاً الجانب التركي , وهو الذي يعيش أزماته الاقتصادية , وهمومه الداخلية وتعقيداتها , ومدى تأثيرها على نتائج الإنتخابات الرئاسية لصالح الرئيس رجب طيب إردوغان , الذي يأمل بالنجاة والفوز بها , وأن يحالفه الحظ بالمزيد من تعثر واشنطن وبروكسل , للحد من العراقيل والمفاجئات والألاعيب التي قد يلجأؤون إليها لإقصائه وإسقاطه عبر الإنتخابات.
في حين تتوقع موسكو , استمرار تراجع مهاجميها والمعتدين على أمنها القومي , وخطوطها الحمراء , وتراجع إقتصادياتهم , الأمر الذي سيؤثر على ثقل وهيمنة ألمانيا على الإتحاد الأوروبي , الذي سيعاني بدوره من تراجع حجوم إعاناته التي تمنحه القدرة على فرض إملاءاته على دول الإتحاد الأقل إنتاجاً والأكثر عوزاً , في ظل العواصف الإقتصادية المتوقعة والقادمة , وسطوة “سيدٍ” أمريكي بات يستخدم السوط أكثر من الجزرة.

 

شاهد أيضاً

72 ساعة لولادة الشيطان الجديد.. أمريكا بلا مساحيق التجميل…بقلم م. ميشال كلاغاصي

ساعات قليلة تفصل العالم عن متابعة الحدث الكبير, ألا وهو الإنتخابات الرئاسية الأمريكية, و”العرس الديمقراطي” …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024