الجمعة , 29 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

تشومسكي: نقص اجهزة التنفس الصناعي يكشف قسوة الرأسمالية …ترجمة: د.احمد مغير

الكوفيد-19 او وباء الكورونا اخذ العالم بسرعة كالعاصفة، فمئات الآلاف مصابون (ربما أكثر من الحالات المؤكدة بأضعاف)، وقائمة القتلى تنمو بشكل كبير لفترة قد تطول، والاقتصاديات الرأسمالية وصلت إلى طريق مسدود، مع ركود عالمي يكاد يكون حتمياً.كان قد تم التنبؤ بهذا الوباء قبل وقت طويل من ظهوره، ولكن تم منع الإجراءات اللازمة للتحضير لمثل هذه الأزمة بسبب الضرورات القاسية للنظام الاقتصادي الذي “لا يوجد فيه أي ربح في منع كارثة في المستقبل”، قال نعوم تشومسكي في هذه المقابلة الحصرية لTruthout. تشومسكي هو أستاذ فخري في اللغويات في MITمعهد ماساشوتس للتكنولوجيا وأستاذ حائز على جائزة في جامعة أريزونا، ومؤلف أكثر من 120 كتابًا وآلاف المقالات والمقابلات. وفي المقابلة التالية، يناقش كيف أن الرأسمالية الليبرالية الجديدة نفسها تقف وراء الاستجابة الفاشلة للولايات المتحدة للوباء.

سي جي بوليكرونيو: نعوم، انتشر تفشي لمرض الفيروس التاجي الجديد او كورونا في معظم أنحاء العالم، حيث توجد في الولايات المتحدة الآن حالات إصابة أكثر من أي بلد آخر، بما في ذلك الصين، حيث نشأ الفيروس. هل هذه التطورات مفاجئة؟

نعوم تشومسكي: حجم الوباء مدهش، في الواقع صادم ، شكلا ومضمونا أن الولايات المتحدة لديها أسوأ سجل في الاستجابة للأزمات.وقد حذر العلماء من حدوث وباء منذ سنوات، وبإصرار منذ وباء السارس في عام 2003، الناجم أيضا عن فيروس كورونا، حيث تم تطوير لقاحات له ولكنها لم تتجاوز المستوى قبل السريري. هذا هو الوقت المناسب للبدء في وضع نظم للاستجابة السريعة استعدادا ً لتفشي المرض وتخصيص القدرة الاحتياطية اللازمة. وكان من الممكن أيضاً اتخاذ مبادرات لتطوير دفاعات وطرق علاج لاحتمال تكرارها مع فيروس مشابه. ولكن الفهم العلمي لا يكفي، يجب أن يكون هناك شخص ما لالتقاط الكرة واللعب بها. كانت إشارات السوق واضحة: لا يوجد أي ارباح في منع وقوع كارثة في المستقبل. كان يمكن للحكومة أن تتدخل، ولكن هذا ممنوع في العقيدة السائدة: “الحكومة هي المشكلة”، قال لنا ريغان بابتسامته المشرقة، مما يعني أن صنع القرار يجب أن يتم تسليمه بشكل كامل إلى عالم الأعمال، الذي يكرس للربح الخاص ويكون خاليا من تأثير أولئك الذين يهتمون بالصالح العام. وقد ضخت السنوات التي تلت ذلك جرعة من الوحشية الليبرالية الجديدة في النظام الرأسمالي غير المقيد وفي الشكل الملتوي من الأسواق التي يبنيها.

إن عمق المشكلة يكشف عنه بوضوح أحد أكثر الإخفاقات مأساوية وفتكاً: الافتقار إلى أجهزة التنفس الصناعي التي هي أحد التحديات الرئيسية في مواجهة الوباء. وتنبأت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بالمشكلة، وتعاقدت مع شركة صغيرة لإنتاج أجهزة تنفس جيدة غير مكلفة وسهلة الاستخدام، ولكن بعد ذلك تدخل المنطق الرأسمالي، فتم شراء الشركة من قبل شركة كبرى، كوفيديان، التي أبعدت المشروع، و في عام 2014، ومع عدم تسليم أجهزة التنفس الصناعي إلى الحكومة، قال المديرون التنفيذيون في كوفيديان للمسؤولين في وكالة الأبحاث الطبية الحيوية [الفيدرالية] إنهم يريدون الخروج من العقد، وفقا لثلاثة مسؤولين فيدراليين سابقين. واشتكى المديرون التنفيذيون من أنها لم تكن صفقة رابحة بما فيه الكفاية للشركة.”

ثم تدخل المنطق الليبرالي الجديد، الذي يملي أن الحكومة لم تستطع العمل على التغلب على الفشل الذريع في السوق، والذي يسبب الفوضى الآن. وكما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز بلطف، “إن الجهود المخصصة لإنشاء خزين جديد من أجهزة التتنفس الرخيصة وسهلة الاستخدام تسلط الضوء على مخاطر الاستعانة بالشركات الخاصة في مشاريع ذات آثار حاسمة على الصحة العامة ؛ وتركيزهم على تعظيم الأرباح لا يتسق دائما مع هدف الحكومة المتمثل في الاستعداد لأزمة مستقبلية”.

وإذا وضعنا جانباً شعارات الحكومة الحميدة وأهدافها الجديرة بالثناء، فإن التعليق صحيح بما فيه الكفاية. قد نضيف أن التركيز على تعظيم الأرباح هو أيضا “لا يتفق دائما” مع الأمل في “بقاء البشرية”، لاستعارة عبارة (مسربة) من جي بي مورغان تشيس، [أكبر بنك في الولايات المتحدة]، محذرا من أن “بقاء البشرية” في خطر أن بقيناعلى مسارنا الحالي ، بما في ذلك استثمارات البنك نفسه في الوقود الأحفوري. وهكذا، ألغت شيفرون مشروعا مربحًا للطاقة المستدامة لأن هناك المزيد من الأرباح التي يمكن تحقيقها في تدمير الحياة على الأرض. امتنعت إكسون موبيل عن القيام بذلك، لأنها لم تفتح مثل هذا المشروع في المقام الأول، بعد أن أجرت حسابات أكثر عقلانية للربحية.

وعن حق، وفقا ً للعقيدة الليبرالية الجديدة وكما أمرنا ميلتون فريدمان وغيره من شخصيات الليبرالية الجديدة البارزة، فإن مهمة مديري الشركات هي تحقيق أقصى قدر من الأرباح، وأي انحراف عن هذا الالتزام الأخلاقي من شأنه أن يحطم أسس “الحياة المتحضرة”. سيكون هناك انتعاش بعد أزمة وباء الكورونا، بتكلفة باهظة وربما مروعة، لا سيما بالنسبة للفقراء والأكثر تعرضا. ولكن لن يكون هناك انتعاش بعد ذوبان الصفائح الجليدية القطبية والعواقب المدمرة الأخرى للاحترار العالمي، وهنا أيضا، تنجم الكارثة عن فشل السوق – في هذه الحالة، ذات أبعاد تهز الأرض حقا.

وكانت الإدارة الحالية قد تلقت تحذيرا واضحا من احتمال حدوث جائحة، حيث تم اجراء محاكاة رفيعة المستوى للكارثة في تشرين اول/أكتوبر الماضي. كان رد فعل ترامب خلال السنوات التي قضاها في منصبه بالطريقة التي تعودنا عليها: من خلال وقف التمويل وتفكيك كل جزء ذي صلة من الحكومة والتنفيذ الدؤوب لتعليمات أسياده في الشركات بإلغاء اللوائح التي تعوق الأرباح بينما تنقذ الأرواح (وتقود السباق إلى هاوية الكارثة البيئية، وإلى حد كبير أكبر جريمة له )و في الواقع هي أكبر جريمة في التاريخ عندما ننظر في العواقب.

وبحلول أوائل كانون الثاني/يناير، لم يكن هناك شك في ما يحدث، وفي 31 كانون الأول/ديسمبر، أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية بانتشار أعراض شبيهة بذات الرئة وبمسببات غير معروفة. وفي 7 يناير/كانون الثاني، أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية بأن العلماء حددوا المصدر على أنه فيروس تاجي وقاموا بوضع تسلسل الجينوم الذي أتاحوه للعالم العلمي. خلال كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، كانت الاستخبارات الأمريكية تحاول جاهدة ايصال صوتها إلى أذن ترامب،لكنها فشلت. وأبلغ المسؤولون الصحافة أنهم “لم يتمكنوا من حمله على فعل أي شيء حيال ذلك. كان النظام يرمش بالضوء الأحمر”. ومع ذلك، لم يكن ترامب صامتاً وأصدر سلسلة من التصريحات الواثقة التي أبلغت الجمهور بأنها مجرد سعال؛ وأن كل شيء تحت السيطرة. وأنه حصل على 10 من 10 في معالجته للأزمة؛ انها ازمة خطيرة جدا لكنه كان يعرف بأنه وباء وقبل أي شخص آخر وبقية الأداء المؤسف معروف. هذه التقنية مصممة جيدا ، من خلال سيل من الأكاذيب السريعة بحيث يختفي مفهوم الحقيقة. ومهما حدث، فمن المؤكد أن ترامب سيُبرّر ذلك لأتباعه المخلصين .عند إطلاق بعض السهام عشوائياً، من المرجح أن يصيب بعضها الهدف.ولتتويج هذا السجل المثير للإعجاب، في 10 شباط/فبراير، عندما كان الفيروس يجتاح البلاد، أصدر البيت الأبيض مشروع ميزانيته السنوية، الذي شمل المزيد من التخفيضات الحادة في جميع الأجزاء الرئيسية المتعلقة بالصحة في الحكومة (في الواقع ،أي شيء تقريباً قد يساعد الناس) مع زيادة التمويل لما هو مهم حقا: الجيش والجدار.

أحد الآثار المترتبة على ذلك هو تأخر ومحدودية اختبار فحص الكورونا بشكل صادم، و أقل بكثير من بلدان اخرى، مما يجعل من المستحيل اجراء الاختبار والتتبع الناجح للاستراتيجيات التي حالت دون خروج الوباء عن نطاق السيطرة في المجتمعات الفاعلة. حتى أفضل المستشفيات تفتقر إلى المعدات الأساسية، الولايات المتحدة هي الآن المركز العالمي للأزمة.هذا يبزّر فقط سطح الحقد الترامبي، لكن لا يوجد مساحة للمزيد هنا.ومن المغري إلقاء اللوم على ترامب بسبب الاستجابة الكارثية للأزمة، ولكن إذا كنا نأمل في تجنب الكوارث في المستقبل، يجب أن ننظر إلى ما بعده. جاء ترامب إلى منصبه في مجتمع مريض، يعاني من 40 عاماً من الليبرالية الجديدة، مع جذور لا تزال أعمق.

كانت النسخة الليبرالية الجديدة للرأسمالية سارية المفعول منذ ريغان ومارغريت تاتشر، وبدأت قبل ذلك بوقت قصير. وينبغي ألا تكون هناك حاجة إلى تفصيل عواقب ذلك القاتمة. إن سخاء ريغان تجاه كبارالأغنياء له أهمية مباشرة اليوم مع حدوث عملية إنقاذ أخرى. رفع ريغان سريعا الحظر المفروض على الملاذات الضريبية وغيرها من الوسائل بغرض تحويل العبيء الضريبي إلى الجمهور، كما أذن بإعادة شراء الأسهم – وهو أداة لتضخيم قيم الأسهم وإثراء إدارة الشركات والأثرياء جداً (الذين يملكون معظم الأسهم) مع تقويض القدرة الإنتاجية للمؤسسة.

ولهذه التغييرات في السياسات عواقب هائلة، بعشرات تريليونات الدولارات. وعموماً، صُممت السياسة لتفيد أقلية صغيرة بينما تتخبط البقية. هذه الطريقة اوصلتنا إلى مجتمع حيث 0.1 في المئة من السكان لديهم 20 في المئة من الثروة والنصف السفلي لديهم صافي القيمة السلبية والعيش من راتب إلى راتب. وفي حين ازدهرت الأرباح وارتفعت رواتب الرؤساء التنفيذيين ارتفاعاً هائلاً، فقد ركدت الأجور الحقيقية. وكما يظهر الاقتصاديان إيمانويل سايز وغابرييل زوكمان في كتابهما ” انتصار الظلم”، فإن الضرائب ثابتة في الأساس في جميع فئات الدخل، باستثناء القمة، حيث تتراجع.

لطالما كان نظام الرعاية الصحية الهادف للربح في الولايات المتحدة يشكل فضيحة دولية، حيث بلغت النفقات على الفرد في هذا النظام ضعفها في المجتمعات المتقدمة الأخرى مع الحصول على بعض أسوأ النتائج. وضرب المذهب الليبرالي الجديد ضربة أخرى، حيث أدخل تدابير تجارية للكفاءة: الخدمة في الوقت المحدد دون وجود مصدات في النظام، أي تعطيل سينهار النظام. وينطبق الشيء نفسه إلى حد كبير على النظام الاقتصادي العالمي الهش الذي صيغ على مبادئ الليبرالية الجديدة. هذا هو العالم الذي ورثه ترامب، وهو هدف كبش الضرب. وبالنسبة للمعنيين بإعادة بناء مجتمع قابل للحياة من بين الحطام الذي ستتركه الأزمة الحالية، فمن الأفضل أن نعود إلى نداء فيجاي برشاد: “لن نعود إلى الوضع الاعتيادي، لأن الوضع الاعتيادي كان هو المشكلة “.

 

صحيفة المثقف

 

شاهد أيضاً

مؤتمر سان بطرسبرغ…والديكولونيالية المتجددة…بقلم حازم عواضى

في أواخر شهر جويلية المنقضي من السنة الجارية 2023 في سان بطرسبرغ الروسية إنعقد مؤتمر …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024