يُعد جورج كينان من أخطر المفكرين للإمبريالية الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية ومن أهم المخططين لها، ففي 24 شباط 1948 أعد كينان وثيقة سرية للإدارة الأميركية قال فيها: يجب ألا نخدع أنفسنا ونقول إننا نريد التعامل مع العالم بإيثار وإحسان.. ونعرض أهدافاً غير حقيقية مثل حقوق الإنسان وزيادة مستوى المعيشة للشعوب ونشر الديموقراطية لأننا في الحقيقة نريد السيطرة على المواد الخام وحمايتها لمصالحنا.
تاريخ الولايات المتحدة يؤكد تماماً استمرار تطلعها لتحقيق هذا الهدف بكل وسائل الحروب الوحشية والضغوط والحصار وتمكنت من السيطرة على معظم مصادر النفط وممراته في العالم، فمنظمة «أوبك» التي تضم 15 دولة نفطية أصبحت جميعها باستثناء إيران والجزائر وفنزويلا تحت سيطرة القرار الأميركي بهذا القدر أو ذاك، لأن العراق ما زال يكافح من أجل إنهاء السيطرة الأميركية والتصدي لها.. كما كانت ليبيا خارج هذه السيطرة حتى عام 2011.
وبموجب الأرقام الدولية يوجد لدى دول أوبك 72% من نفط العالم وهي تنتج 42% من النفط المصدر حسب أرقام عام 2018، فالغزو الأميركي- الغربي للعراق عام 2003 كان هدفه مزدوجاً: السيطرة على نفطه، وعلى ممرات النفط في الخليج.. وهزيمة واشنطن في إيران عام 1979 وسقوط عميلها الشاه أفقدها صوابها حتى الآن من دون أن تكون في مقدورها استعادة سيطرتها عليها، بل إن أحد أهم أسباب الحرب الإرهابية على سورية هو السيطرة على مصادر ثرواتها الاحتياطية من نفط وغاز ومواد خام ومنعها من التحول إلى ممر آمن للنفط من آسيا إلى البحر المتوسط وأوروبا، مستقل عن الهيمنة الأميركية.
لكن سياسة الهيمنة الأميركية الإمبريالية على مصادر المواد الخام وممراتها بدأت تواجه تآكلاً في قدرة أميركا على فرض سياستها هذه لأن عدداً من القوى الإقليمية مثل إيران والعراق وسورية والقوتين العظميين روسيا والصين بدأت تشكل منظومة دولية قادرة على منع الولايات المتحدة من تحقيق أهدافها في هذا الموضوع، وقادرة على تشجيع دول أخرى في قارة آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية للتعاون مع هذه المنظومة العالمية المناهضة للهيمنة الأميركية والاستناد إلى التحالف معها لحماية مصادر ثرواتها واستقلال قرارها في الأسواق العالمية..
ولذلك، أصبحت هذه المنظومة التي تضم داخلها منظمة شانغهاي (التي تضم ثماني دول في مقدمتها روسيا والصين والهند وأربع دول تنتظر قبول عضويتها ومنها إيران وست دول أخرى بصفة مراقب وهي تمثل أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية تقريباً) كما تضم منظمة دول «بريكس».. (بريكس) مع (شانغهاي) تشكلان قاعدة لنظام عالمي جديد لمصلحة شعوبهما ومصلحة العالم، وبما يؤدي إلى تفتيت قدرة الولايات المتحدة على تنفيذ مخطط جورج كينان الإمبريالي المستمر منذ 70 عاماً.
ولا شك في أن وجود سورية وحلفائها في المنطقة في هذه المنظومة الإقليمية والعالمية يشكل إحدى الضمانات الأساسية في حماية ثروات سورية الطبيعية الثمينة واستثمارها على نحو مستقل عن كل أشكال الابتزاز والنهب الإمبريالي الأميركي.
ولهذا السبب لا أحد يتوقع أن تتوقف عمليات وسياسات التصدي للهيمنة الأميركية في منطقتنا وإحباط أهدافها، والكل يرى أن الإدارة الأميركية تستخدم أسلوب فرض أشد العقوبات والحصار على إيران وسورية، وها هي تهدد بعقوبات ضد العراق ولبنان والجزائر، وهذا يعني في واقع الأمر أنها عجزت عن استخدام وسائل الغزو العسكري المباشر والحروب ضد هذه الدول وهو ما يعده خبراء العلوم الحربية واستراتيجياتها «منتصف الطريق» إلى الانتصار الحاسم على قوة كبرى مثل الولايات المتحدة.. فوزارة الدفاع الأميركية أشارت في مناسبات عدة وأثناء توترات حادة مع سياساتها في المنطقة إلى أن أي حرب تخوضها الولايات المتحدة في هذه الظروف لن تكون في مصلحتها، لأنها ستكون حرباً لا يضمن الجيش الأميركي تحقيق الانتصار فيها بل إن الثمن الذي قد يدفعه فيها سيؤدي إلى تراجع كبير في مكانتها وقدرتها على الردع والتهديد وخسارة لمواقع نفوذ في المنطقة.
ولذلك يحاول الكيان الصهيوني- الخاسر الأكبر من تراجع القوة الأميركية في المنطقة – زيادة المبالغة في تهديداته ضد دول محور المقاومة وهو الذي لم يعد في مقدوره شن حرب شاملة على أي طرف من أطرافها، ولهذا السبب بدأ بعض المفكرين السياسيين في تل أبيب بالاعتراف بأن الزمن لم يعد يعمل لمصلحة واشنطن وتل أبيب في المنطقة، وهذا ما يؤكد أن المستقبل المزدهر لسورية وحلفائها هو العنوان الذي يفرض نفسه على كل أعداء سورية في المنطقة والعالم.