الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

تعبير آخر من تعابير المحبة والولاء للحسين(ع)…بقلم محمد الرصافي المقداد

شعرت بحركة لم تكن مألوفة حولها، فقد كان الهدوء وسكون الحركة حولها، إحساس لم يفارقها منذ ولدت، سكينة في داخلها وسكون حولها، لكن وضعها تغير اليوم، منذ أن قرر أهلها الإنضمام إلى مواكب خدمة زوار الإمام الحسين عليه السلام، خالطها شعور فرح وحزن في آن واحد، فرح بأنّ أهلها سيشاركون بقية الموالين لأل بيت النبي صلى الله عليه وآله، بما في مقدورهم من تعابير ولائية لأبي الأحرار، وسيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام، وحزن خيّم عليها بسبب كونها محدودة الحركة لا يمكنها أن تقوم بخدمة ما لمشاركة أهلها في ذكرى أربعين الحسين عليه السلام لم يكن عمرها يسمح لها بأن تفهم ما حصل قديما، سوى أن جريمة كبرى أرتكبها أعداء الإسلام المحمّدي  بحق صفوته، واقترفوا ما اقترفوه جنايات وظلم بحقهم، وما يحصل حديثا من صحوة إسلامية عارمة، لم تقف عند حدّ جغرافي أو عِرْقٍ بشري، هبّت جموعها من كل حدب وصوب، متقاطرين بكل السّبل والوسائل، لتتشكل منهم حشودٌ لا حصر لعددها واقعا، وما يقال في تعدادها عبر وسائل الإعلام، ليس سوى أرقام تقديرية لطوفان بشري، لو تُرِك لها المجال وأعطيت الحرية، والسماح لمن يرغب في المشاركة فيها، لشكّلت في زخمها حالة نادرة من حيث أعداد المشاركين، مدفوعة بقوّة إيمانية نادرة، أوجدها خامس أصحاب الكساء عليه السلام، في قلب كل مؤمن سلك طريق مولاة أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام.

جلست في خيمة أقامها أهلها، في نقطة ما على الطريق المؤدية الى كربلاء، لم تفكّر كثيرا فيما يمكنها عمله، فقد قال لها أهلها أنها لن تُعْدم أجرها معهم، فهي شريكتهم بمجرّد كونها بينهم، وما أقعدها عن خدمة زوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام سوى إعاقة البصر، لم تقنع بما قيل لها، ففي داخلها كانت هناك رغبة جامحة، تدفعها لتظهر ما في قلبها من مواساة لهذا البيت العظيم، الذي عاش خيرة أهله يوما مأساويا – لم يوجد له مثيل – في سبيل حفظ هذا الدين الخاتم، تحفّزت للقيام لكنها رأت أنه يتوجّب عليها قبل ذلك التعرّف على ما يمكنها فعله وتقديمه، تحسست بيديها الصغيرتين، بين أرجاء الخيمة، فوجدت علب الماء الصغيرة، خبرت مكان صناديقها، وأخذت منها بعض العلب، وخرجت تتحسس طريقها إلى موقف أهلها شاهدوها قادمة نحوهم، فاهتز شعورهم بالغبطة والفرح، كبّروا وهللوا وصلّوا على النبي وآله الأطهار عليهم الصلاة والسلام، أسرعوا إليها لكي لا تعثر أو تسقط، حملوها إلى حيث انتهى إليه موقفهم، في تقديم خدماتهم لضيوف الإمام الحسين عليه السلام وأوقفوها إلى جانبهم يرقبون حركتها.

لم تتوقف يداها من تقديم علب الماء، بعد مساعدة أهلها لها، كانت تشعر بأيدي من يأخذون منها الماء تُمرّر على رأسها، فتغْتبِطُ فرحا، صحيح أنها كفيفة بصر لكنّ بداخلها قبا مضيئا بنور الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، ذلك النور الذي يكتسي به قلب كل مؤمن بولاية هؤلاء الطيبين الطاهرين

من يتأمّل تقاسيم وجهها الصغير وعينيها المغمضتين، يرى فيها عزيمة ويقينا بما تقوم به، قلّما تجدها عند كبار القوم، ولو أن صدرها انفتح لمحيطها، لأضاء قلبها ظلمة الجاهلين والجاحدين لحقوق الامام الحسين عليه السلام عليهم، لقد أدركت بفطرتها ما يتوجّب عليها التعبير به، وقدّمت مع ملايين النماذج الولائية المتهافتة إلى كربلاء، كتهافت الفراش على السراج، والمتبارية في حب الحسين عليه السلام، نموذجا يجدد الحزن من هذا المثال، وما وقع في العاشر من المحرم سنة 61 هجرية كان عظيما لا يمكن تقديره واستيعابه، مهما بلغ في ذِكْرِه المحدّثون، وما هذه البنت الصغيرة فيمن له بعد نظر، سوى مثال ظاهر من السيدة رقية عليها السلام، قد صعقها كشف رأس أبيها الحسين عليه السلام، ففاضت روحها الطاهرة في مجلس الطاغية يزيد لعنه الله.

إن عددنا أمثلة أربعين الإمام الحسين عليه السلام، فلن نرسي على ساحل بحرها، أمثلة ليس لنا أن نرجّح بعضها على بعض، وليس لنا سوى أن نُكْبرَها جميعا دون استثناء، فرُبّ بنت قُبلت خدمتها، وفقير لا يملك قوت يومه باركه الملّكُ وهو لا يشعر أنّ ما قدّمه كفيل بفوزه، بواطن المظاهر المسيرة الحسينية ليست من اختصاص الناس، إنّها تقييمات إلهيّة ملكوتية، نقف عاجزين عن فكّ طلاسمها، لكننا في نفس الوقت ندرك في قرارة أنفسنا أنها عمل صالح سيرفعه الله سبحانه إليه، فطوبى لمن مشى في مواساة النبي واهل بيته عليهم السلام، وطوبى لمن قدّم شيئا لهؤلاء الذين جاؤوا ملبّين نداء أبي الأحرار، من أجل أن تبقى هذه الشعائر حيّة قائمة عربون ولاء ووفاء للإمام الحسين عليه السلام، ونهجه المقاوم للظلم والظالمين، قال تعالى: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) سورة البيّنة الآية 7

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024