تونس؛ تطهير مؤسسات الدولة.. الممرّ الإجباري لتطهير البلاد !!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

ما يحدث في تونس لا علاقة له من قريب أو بعيد بالديمقراطيّة والحريات وحقوق الإنسان والممارسات السياسية و المعارضة النزيهة ، وإنّما هو ضرب من اللؤم والإسفاف والإستهتار والفساد وقلة الحياء.. إمتهن و أتقن العديد من المشعوذين السياسيين الرقص على حبال الإثارة والإستفزاز و الكذب و النفاق و تزييف الحقائق. إنّ محاولات هؤلاء للعودة إلى السلطة عبر وضع العراقيل والسعي لإعادة تدوير الشعارات البائسة لن تعود عليهم إلاّ بالمزيد من العزلة.. و لا يخفى على أحد أن هناك أيادي خبيثة خفية و هناك مؤامرة مكتملة الجوانب تحاول جر البلاد نحو الفوضى، وجر البلاد إلى الهاوية وتطبيق مخططات الخراب التي نُفذت في دول أخرى..

منذ ثورة 17 ديسمبر 2010 ، استفادت لوبيات الفساد من تراجع قبضة الدولة أمنيا، وخاصة من نظام برلماني معقد يحصر دور الأحزاب في المعارك السياسية، لتتصرف تلك اللوبيات بحرية تامة في لعب الأدوار التي كانت تتولاها الدولة، ولذلك نشطت التجارة الموازية والتهريب و تغلغل ما يسمّى بالدولة العميقة في مفاصل الدولة ، وفي الوقت الذي تغرق فيه البلاد في الديون بسبب عجزها عن تحصيل الضرائب وفرض القانون، باتت طبقة جديدة من رجال المال والأعمال تصعد بسرعة لتتحدى الدولة وتجذب إليها عناصر فاعلة في أجهزتها و في مؤسساتها ، وباتوا الآن يتولون بشكل أو بآخر التغطية على تمدد الطبقة الفاسدة ورعاية نفوذها الذي خرج من دائرة الشك إلى قوة منافسة تمتلك مشروعية في مزاحمة الدولة وافتكاك أدوارها.

مكافحة الفساد و التصدي للوبيات المتمعّشة من شبكاته يعد من أهم المطالب التي تجد صدى شعبيا واسعا ولكن هذه الحرب لا يمكن ربحها فقط من خلال الشعارات التي ترفع أو الارتجال في أخذ القرارات التي يمكن أن تكون نتائجها عكسية، بل تتطلب قبل كل شيء وضع إستراتيجية واضحة تتضمن الأهداف المرحلية والنهائية لهذه الحرب لأنها ستكون حرب كسر عظام مع لوبيات تمترست وراء أذرع متشابكة لحماية مصالحها من تمويل مالي كبير ونفوذ سياسي يخترق المؤسسات ووفرت لنفسها حاضنة إعلامية متمثلة في قنوات تلفزية و مواقع إلكترونية تدافع عن مصالحها و تكون أداة ضغط و ابتزاز للسلطة الحاكمة.. لا يخفى على أحد اليوم في تونس أن الفساد أصبح يمثل اقتصاداً كاملاً ونسيجاً مهيكلاً استطاع عبر السنوات منذ العهد البائد وسنوات ما بعد الثورة أن يُكوِّن شبكة أفقية عابرة ومخترقة للمؤسسات السياسية كالبرلمان والأحزاب والإدارات العمومية فأصبحنا أمام اقتصاد منظّم متعثّر ويعاني صعوبات كبيرة نتيجة الأزمة الاقتصادية مقابل اقتصاد الفساد والتهريب في سرعته القصوى ليُشكّل معضلة سرطانية تهدّد كيان الدولة.. و هذه الكيانات المتنفّذة لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام أي تحرك تجاهها بل ستحاول بشتى الطرق تعطيل هذا المسار عبر تسميم المناخ الاجتماعي العام كتعطيل الاستثمارات في القطاعات التي تسيطر عليها أو بإثارة أزمات التزويد بالمواد الأساسية الحسّاسة عن طريق الاحتكار والمضاربة أو استعمال الأذرع الإعلامية لهذه اللوبيات لتجييش الشارع وصنع نوع من عدم الاستقرار السياسي لأنه المناخ الوحيد الذي يمكّنها من الإفلات من العقاب و لتأجيج الأوضاع الإجتماعية لغايات سياسية.. والهدف الأخطر من كل ذلك هو تيئيس الناس في التغيير، وإقناعهم بأن الرئيس قيس سعيّد مثله ومثل غيره لا يقدرون على فعل شيء، وأن الشعارات شيء والواقع شيء آخر تماما،
وخطورة هذا التمشي ليس فقط إسقاط صورة الرئيس قيس سعيّد كرجل وطني نظيف باحث عن الإنقاذ و الإصلاح و التغيير ومتمسك بالحرب على الفساد ومواجهتها في العلن، بل إسقاط فكرة التغيير من أصلها، ودفع الناس إلى ترك الشأن العام والانغلاق على أزماتها المعيشية والرضاء بما هو قائم وفسح المجال أمام اللوبيات لإعادة هندسة المشهد وفق مصالحها..

تطهير البلاد من أخطبوط الفساد السياسي هو الكفيل بتجاوز الأزمة السياسية فهذه العناصر هي من تعمل على تعفين الوضع ولا يمكن بناء حياة سياسية سليمة وهذه العناصر تتحرك في المشهد فهي مستعدة لكل ما من شأنه ضمان استمرار مصالحها ومصالح مشغليها في الخارج، فالمحاسبة هي الممر الإجباري لإغلاق قوس العشريّة السوداء نهائياً ، إذْ يتطلب من الحكومة الكثير من الجرأة والحنكة والشجاعة والصبر والمناورة لتطبيق القانون ولا شيء غير القانون لاجتثاث أذرع اللوبيات وزعماء المافيا والفساد، كما يتطلب منها الإلمام بكل الملفات واللجوء إلى عقد مجالس وزارية مضيقة لإقرار المشاريع ومتابعة انجازها، هذه المرحلة تمهّد للمراحل التي تليها وهي تبدأ بتطهير كلّ المؤسسات و المنشآت و الإدارة العموميّة ممّن ثبت ارتباطهم باللوبيات و المافيا السياسية ومراجعة قائمات الذين تمّ انتدابهم بعد 2011 على أسس أخرى غير النزاهة والكفاءة ونكران الذات، كما أنه لا يمكن الحديث عن إصلاح في وجود اللوبيات القطاعية التي ترهن قرار الدولة لمصلحتها بدل أن تكون القطاعات عناصر قوة في نجاح الدولة وخططها خاصة حين تكون هذه الدولة في حالة أزمة حادة وتريد تجميع عناصر قوتها للنهوض من جديد وتعبئة مواردها الداخلية لإظهار أنها قادرة على الإيفاء بتعهداتها للمانحين الأجانب سواء كدول أو كمؤسسات مالية دولية.

إن تونس اليوم في مفترق طرق وهي بين خيارين: خيار تطبيق القانون للخروج من المأزق أو خيار التراخي و الإرتجال الذي قد يؤدي بالبلاد إلى عواقب وخيمة، لا شك أن الخيار الأول يتطلب كثيرا من الجرأة والشجاعة من طرف الحكومة وكثيرا من التضحية والصبر والمؤازرة من طرف الشعب لإنقاذ البلاد و تفكيك أذرع اللوبيات، تونس بلد يزخر بالطاقات وهي قادرة على تدارك أمرها، كل ما يلزمنا هوّ تطبيق القانون.

 

شاهد أيضاً

القضية الفلسطينية.. بين الصمت والتآمر والتضليل!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

يرى كثيرون ان أصل الشرور في الشرق الاوسط في المائة سنة الاخيرة هو (اغتصاب فلسطين) …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024