المشهد السياسي في تونس :
ضباب كثيف يخيم على المشهد السياسي الغريب بعد أن اختلط الحابل بالنابل وأصبح من الصعب تمييز المعارض مِنْ ، مَنْ هو في الحكم،و انتقلت تونس من مرحلة أزمة الحكم والحكومة الى مشارف أزمة وطنية كبرى(كورونا) وباتت خيارات الاطراف السياسية في تونس مفتوحة على احتمالات تتراوح بين الصحوة الوطنية التي تفتح الباب أمام تسوية سياسية و هدنة عاجلة ، وبين خيار الذهاب الى مواجهة الازمات و تداعياتها الوخيمة على الوطن و الشعب..
عانت البلاد الأزمة السياسية تلو الأزمة وذلك بسبب نظام سياسي وآخر انتخابي خلف الفوضى في البلاد وعدم استقرار الحكومات وسرعة انفراط الائتلافات الحاكمة. ولا يبدو أن لأحد القدرة على تغيير هذا الوضع المشؤوم في الوقت الراهن، رغم تسببه في كوارث بالجملة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي و لن يتحقق ذلك إلا بإتفاق جل الطيف السياسي وإلا سيؤدي إلى اشتعال بركان الغضب الشعبي في أي لحظة ،و رغم نجاح البلاد في انتقالها الديمقراطي إلا أن انتقالها الاقتصادي يمر ببطء شديد وهو ما يزيد تأزيم الوضع القائم في ظل الوضع الإجتماعي المتردي إضافة إلى الأزمة الوبائية الخطيرة و المتسارعة..
البلاد تمر بمنعطف خطير يقتضي استدراكه والتعاطي معه بكل جدية ومسؤولية وأمانة لأنه يمس مختلف القطاعات الإقتصادية والمالية و الإجتماعية و الصحية ويهدد حياة المواطنين وعيشهم وكراماتهم، والذي لم يعد من المستطاع تجاهله أو السكوت عنه ويستوجب المسارعة في معالجته ووضع كل الإمكانيات والموراد المتاحة لمجابهة هذه الجائحة الوبائية، و تتطلب مسؤولية جماعية وطنية تقع على عاتق كل من يقيم على أرض هذه الدولة لتدارك مخاطر هذا الوباء و ينبغي استنفار كل مقدرات الدولة وإمكاناتها لمعالجة هذا المأزق الوبائي دون تلكؤ ولا تأخير.. ينبغي البدء بمشوار جديد وسط مناخ سياسي مبني على الثقة المتبادلة وآلية مشتركة ناتجة عن تفاهمات مسؤولة وخالية من نوازع الكيد والانتقام و الإبتزاز السياسي الغير محمود العواقب.. في هذا الظرف الإستثنائي تهدئة المناخ السياسي في البلاد ضروري لتمكين الحكومة الجديدة من العمل والتركيز على الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والتحديات التي أوجدتها جائحة كورونا و تداعياتها الوخيمة على مختلف المستويات لأنه لا يمكن لأي حكومة أن تنجح في مناخ متوتر و كل الأطراف السياسية تتحمل المسؤولية للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة المتعفنة وإما انهيار خطير و سوف يغرق الجميع..
البلاد تعيش اليوم أزمة أخلاق سياسية، وأزمة مراهقة سياسية، و توافقا مغشوشا ومحاصصة مفضوحة، و البعض همهم الوحيد المناصب والنفوذ.. لابد ان تستخلص الطبقة السياسية الدروس من التجارب السابقة الفاشلة لأن تونس اليوم في أشد الحاجة إلى الاستقرار وإلى هدنة اجتماعية وسياسية والالتفاف حول الحكومة من أجل تحقيق برنامج إنقاذ وطني، يجب أن يعمل الجميع من أجل مصلحة واحدة وهي مصلحة الوطن ..
تعفن المشهد السياسي و الأزمات المتراكمة تحتم مراجعات عميقة ومن أهمها مراجعة النظام السياسي ومراجعة الدستور ومراجعة المجلة الانتخابية لنجنب البلاد في المستقبل ما عاشته في السنوات الاخيرة، نظرا و ان النظام السياسي الحالي هو برلماني معدل أثبت فشله و أنتج برلمانا هجينا أساسه البقايا وفرض منظومة حكم كانت عواقبها وخيمة على مختلف المستويات مما أثر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وفرض منطق الغنيمة والسطو على السلطة على حساب الدولة والوطن بالتحالفات المصلحية و التوافقات المغشوشة..
و أما الجانب الصحي و سيناريوهات المشهد الوبائي في ظل قرار العودة المدرسية، تتصاعد في الأثناء، مخاوف العائلات التونسية من سيناريو تفشي الفيروس في الأوساط التربوية خصوصا في المدارس والمعاهد التي تشهد كثافة كبيرة أو التي تفتقر إلى أبسط شروط العناية الصحية خصوصا المناطق الريفية ، و أرى ان وضع بعض المدارس لا يسمح بعودة مدرسية في موعدها بعد تفشي وباء كوورنا و يقتضي اليوم مراجعة هذا القرار في ظل بروتوكول صحي غير قابل للتطبيق نظرا لواقع بعض المدارس التي تفتقر لأبسط الضروريات خصوصا اذا كانت في المناطق المصنفة بالموبوءة، و أعتقد أن أبغض الحلال هو تأجيل العودة المدرسية بالنسبة للمناطق الموبوءة..وآمل شخصيا أن يتم تغليب الحماية الصحية على الضرورة التعليمية( عند الضرورة القصوى) حتى لا نسقط في مستنقع وبائي يصعب الخروج منه و الوقاية خير من العلاج..
البلاد في مرحلة حرجة جدا و لا تتحمل المزيد من الأزمات و ينبغي أن يعي كل السياسيين بالمسؤولية، و تضافر كل الجهود للخروج من الوضع المتردي الحالي وبعث أمل جديد للشعب التونسي…و للخروج من هذا المأزق الوبائي و السياسي الذي يهدد امن و إستقرار تونس يتطلب من كل الأطراف الفاعلة في الساحة الوطنية التحلي بالحكمة والرصانة و الحوار والتشاور لمعالجة المشاكل القائمة وتجنيب البلاد سيناريوهات لن تؤدي إِلا إلى مزيد تعكر الأوضاع وتأزمها..