السبت , 23 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

ثأر الأحرار شاهد تطوّر المقاومة الفلسطينية…بقلم محمد الرصافي المقداد

ما كانت قضية فلسطين لتنجح فيما وصالته إلى حد اليوم، لو بقيت محصورة في إطارها العربي الضيق، وما كان الفلسطينيون ليحقّقوا كل هذه الإنجازات والقدرات التي أظهروها في مقارعة العدو الصهيوني، لو بقوا في انتظار مبادرات الحكومات العربية التي استبعدت أسلوب المقاومة المسلّحة، لتتعلّق آمالها بوعود أمريكا والغرب الزائفة، في إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، عبر مراحل مفاوضات وتوافقات، وهي جميعها وعود كاذبة.

حركات مقاومة بلغت حدّا مُمَيّزا من التقدّم العسكري، بتحقيق إنجازات وقدرات عسكرية، أصبحت حقيقة لم تعُد خافية على أحد، تُرى بالأعين وتتناقلها الألسن، ولم يعُد هناك مجال لإنكارها حتى من الأعداء أنفسهم، ويدركون تماما أنّ وراء هذه التحولات الجذرية في التعاطي مع القضيّة، متعهّدا لها منذ 44 سنة، هذا المتعهّد بادر منذ استلامه القضية، إلى تبنّيها على أساس أنّها قضية شعبه المركزية، لا مجال للتخاذل فيها تحت أيّ ظرف من الظروف.

تسع سنوات كانت كافية من عمر الإمام الخميني رضوان الله عليه، لينقل القضية الفلسطينية من مجال السلبيّة والتواكل والإنتظار العقيم، إلى مجال العمل الإيجابي عمل المقاومة، الذي دخل معترك المواجهة والتصدّي للعدو الصهيوني، من باب العقيدة وتحت راية الإسلام، بعد فشل الدعاوى القومية واليسار في تقديم شيء للمقاومين الفلسطينيين، فأسقطوها من حساباتهم، كشعارات أخذت وقتها قبل انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وبعد سقوط مسارات التسوية وحلّ الدولتين، الذين طالما نادى بها زعماء العرب في المنتديات الأممية، وما استتبعه من قيام السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع، هذا الجهاز التنفيذي العقيم، سخّر أجهزته في خدمة استخبارات الكيان الغاصب، مبرهنا في كل مرّة عمالة لم يسبقهم إليها أحد من الفلسطينيين.

لم يرحل الإمام الخميني رضوان الله عليه من هذه الدنيا، إلّا بعدما وضعت دولته مخطط مقاومة العدو الصهيوني المحتلّ، على سكّة العمل الإنمائي والتطويري له، موصيا ببذل ما وسع الإيرانيين من جهود وقدرات وتسخيرها، لأجل دعم حركات مقاومة الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان، وتطوير وسائلها العسكرية واللوجستية، حتى تكون في مستوى التصدّي لعربدة هذا العدو البغيض، الذي لا يتورع في استهداف الفلسطينيين العزّل أطفالا كانوا أم نساء، والأمر قابل للتطور أكثر في هذه المواجهة المصيرية.

ومع استلام الإمام القائد الخامنئي دفة قيادة هذا المحور المبارك، بدأت مرحلة جديدة في حياة الأمةّ الإسلامية عموما، وفي حياة الشعب الفلسطيني خصوصا، في تعاطيهم مع الكيان الصهيوني، على أساس أنه غدّة سرطانية خبيثة، يجب اجتثاثها من أرض فلسطين، وإبعاد أذاها عن المنطقة ككلّ، فتأسست حركات المقاومة الإسلامية، وبمرور الزمن أصبحت  أكثر تطورا في الصراع القائم، من الوسائل البداية البسيطة التي واجه بها الشعب الفلسطيني عدوّه، وكان ذلك تعبيرا منه على مدى شجاعته وجرأته، في مواجهاته المتكررة أثناء انتفاضاته التي كان يقوم بها شبابه، في مواجهة أعمال تهويد الأراضي الفلسطينية بالقوة العسكرية الصهيونية الغاشمة، المدججة بأحدث الأسلحة، حجارة الإرادة مقابل الدبابات والسيارات المدرعة والرصاص الحيّ، ومع ما كان يقدّمه هذا الشعب من شهداء على طرق تحرير أرضه، تحت أنظار حكومات عربية منقسمة إلى قسمين، مجموعة مطبّعة مع العدوّ بلا حياء، قد أسقطت القضية الفلسطينية من حساباتها، وأحد أكبر الأمثلة التي نشاهدها ملك المغرب الذي كان ابوه رئيس لجنة القدس ينتهي إليه دور التطبيع، مقابل أن ترضى أمريكا عليه، فتسانده في قضية الصحراء الغربية، دول لا ترى حرجا فيما أقدمت عليه من عمل مشين، ودول عربية أخرى تنتظر دورها راغبة أم راهبة، قد عميت على كل الانتهاكات المرتكبة بحق أشقائهم الفلسطينيين، قد اتخذوا مسارا تخاذليّا قرروا فيه التخلّي عن مناصرة قضيتهم العادلة نهائيا.

انتقال القضية الفلسطينية من التعويل على الأنظمة العربية، إلى الفلسطينيين أنفسهم، ليقرروا مصير قضيتهم بأنفسهم، تعتبر إنجازا بحدّ ذاته، في اعتماد أبناء فلسطين على ذواتهم، في استعادة حقوقهم المشروعة على أرضهم، وتجاربهم السابقة في التعويل على غيرهم أثبتت عُقْمها، خصوصا الدّول العربية التي اختارت المضيّ في خطّ العمالة للقوى الكبرى، الداعمة للكيان الصهيوني.

الدور الهام الذي قام به اللواء الشهيد قاسم سليماني رضوان الله عليه، لا يمكن أن ينساه الفلسطينيون، فقد كان الرّاعي الحقيقي لتطوّر وسائل حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وتحت إشرافه ظهرت الصواريخ البالستية من غزة، كسلاح استراتيجي رادع في التصدّي لأي عدوان صهيوني، وقد كان لتطوير فاعلياتها ومداياتها أثر هام في ميزان قوة الرّدع، التي أصبحت في حيازة المقاومين في القطاع المحاصر.

ما نشاهده اليوم بعد صليات الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية من قلعة الصمود غزّة، وصلت إلى الألف صاروخ بالستي(1)، من ارتباك واضطراب طارئ في صفوف الصهاينة، كشف مدى وهن البيت الصهيوني من الداخل، ومسارعة أعدادٍ منهم إلى ترتيب سفرهم من حيث جاؤوا، بقناعة أصبحت ثابتة في عقولهم، وترسّخت يوما بعد يوم، بأن الأمن الذي كانوا ينعمون به سابقا قد تلاشى اليوم، ولم تعد تنفعهم قبّة حديدية، ولا جدران الفصل العنصري، ولا حتى الدعم الأمريكي الغربي الغير محدود وضمانات حماية الكيان إذا أصبح يتهدّده خطر الزوال.

لقد شهدنا منذ سنوات تكافئ موازين الرّدع بين فصائل المقاومة والكيان الغاصب، كانت لعملية الثأر للأحرار التي اطلقت فيها سرايا القدس من غزة، عددا كبيرا من الصواريخ، بإتجاه المدن والمستوطنات بفلسطين المحتلة، ما يثلج صدور قوم مؤمنين بالمقاومة، وجدواها الأكيدة في تحرير فلسطين، وهو ما أثّر سلبا على معنويات المستوطنين، ليزداد رصيد الأمل بغد أفضل لمحور المقاومة، الذي يزداد بمرور الوقت قوّة وتمكّنا معادلة للقوة العسكرية الصهيونية، وهذا الفضل راجع لله أولا ناصر المستضعفين، وإلى صاحبة المشروع في رعاية فصائل المقاومة بكل ما يحتاجونه في مواجهة عدوّ عنصري شرس، لذلك لم يتأخر قادة الفصائل الفلسطينية عن تقديم  واجب شكر ايران قيادة وحكومة وشعبا على ما بذلوه من تضحيات من أجل تقديم العون الحقيقي لإخوانهم الفلسطينيين(2).

عادة هذا الكيان المحتل في استعمال أسلوب جبان باغتيال قادة المقاومة، أينما وجد إلى ذلك سبيلا، وفي ظنّه أنه أحسن صنعا، قد واصطدمت هذه المرّة بردّ صاعق، لم يكن يتوقّعه بالحجم الذي تمّ تنفيذه، لذلك سعى بكل سبيل، إلى وقف هذا السّيل من الصواريخ التي أربكت حياة مجتمعه، وهذه المرّة ليست كسابقاتها، قد خرج الكيان بمحصّل عدم جدوى الاغتيالات، وتداعياتها الخطيرة عليه، لكنّه مهما راجع حساباته، فحظوظه في البقاء محتلا معتديا، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من اليأس، عقدة التفوّق العسكري الصهيوني تلاشت من عقول الصهاينة ولم يعد لها وجود حتى في العقول العربية المنبطحة للغرب، قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية تعيش اليوم على وقع النصر القادم ورايته التي ستُرفع قريبا في قلب القدس .

المراجع

1 – حصاد خمسة أيّام من ثأر الأحرار https://www.raialyoum.com/

2 – بعد معركة ثأر الأحرار.. حماس تشكر إيران

https://www.alalam.ir/news/6617478/

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024