“سيادة الأوطان من الثوابت التي لا يمكن المساس أو المتاجرة بها ، أو الأخذ والرد بشأنها ، أو المزايدة عليها على الإطلاق ، بمعنى أنها ليست خاضعة للرغبات والأمزجة والمصالح الشخصية والمكاسب والصفقات وتصفية الحسابات، ولا يحق لأي طرف كان، التفريط بها مهما كانت المبررات وتحت أي ظرف من الظروف ، فالتفريط بها لا يقل فداحة ووضاعة وجرما عن التفريط بالعرض والشرف والكرامة ، ولهذا تعد خطاً أحمر غير قابل للتجاوز مهما كان الثمن”..
تونس اليوم أمام معادلة في غاية الصعوبة، إذ أن هناك مشروعين، ، الأول قَدِمَ تحت حراب الأجنبي من أجل السلطة والمال على حساب التونسيين ، والآخر أبناء الوطن الذين قَدموا الغالي والنفيس من أجل خلاص البلاد والعباد من ظلم الأحزاب الفاسدة وميليشياتها الفوضوية.. وما نراه اليوم من التشدق المزيف لبعض السياسيين بالديمقراطية و بدستور 2014 الذي وُضع على أساس الترضيات و على المقاس ، يفضحه الكم الأكبر من سياسيي العملية السياسية ذاتها طيلة السنوات الماضية، وهم يتحدثون فيها بلا خجل عن استماتتهم على العودة إلى السلطة، ولو كلّف ذلك حرق البلاد والعباد وممارسة أقصى درجات الفوضى و الفتنة و التنكيل بالشّعب.. بات من الضروري العودة للإمساك بزمام الأمور مرة أخرى قبل فوات الأوان و الحذر من مؤامراتهم الخبيثة والمسمومة من خلال الصف الخلفي لأذرع اللاعبين في المشهد السياسي التونسي بمسميات براقة وثورية وليبرالية يزج بها هنا وهناك، والحذر كل الحذر من الفوضى والتحريض المتواصل،. حيث يتم خلف الستار الإخراج والإنتاج لسيناريو ماكر وخبيث من سيناريست طالما نجح بتقديم أبطال جدد بمهارة عالية في إتقان الأدوار، بالتالي يتم صناعة أرضية وقبول من المجتمع، وهنا تعود تونس لدوامة الفساد والتيه الذي لازمها منذ سنوات ، لأن إنتفاضة الخامس و العشرين من جويلية خرجت رافضة للكل ولن ترضى إلا بإسقاط الكل.. و الديمقراطية التي يتشدق بها البعض لا معنى لها إذا كانت الوطن بصدد الضياع والتفكك، وما تعيشه تونس دليل على خروق جسيمة في استيعاب المصطلحات وبناء الأنظمة، وبعد التجارب المريرة مع النخب السياسية الفاسدة، لم يعد هناك أي مجال لمزيد من التلاعب بمصائر الأجيال المقبلة…
تحاول حركة النهضة استغلال نقاط ضعف الشخصيات السياسية التي تسعى لتصدر المشهد في تونس وتطمح لتقلّد مناصب مهمة في السلطة و الحكم، عبر الإيهام بتوفير ممهّدات النجاح لها لاستغلالها في ضرب خصومها وتحقيق مصالحها الحزبية، وهو ما يجري الآن من خلال ما يعرف بـ “جبهة الخلاص “، و هي جبهة لإنقاذ النهضة و مكلّفة بمهمّة لدى الإخوان الذين يريدون العودة من الرماد بعد أن حرقوا جميع أوراقهم..و من الواضح للعيان، انّ حركة النهضة، أتمّت مهمتها في بث الفوضى والخراب في تونس، وأنّه لا يخفى على أحد أنّها تحالفت مع بعض المتسلقين من الشخصيات الانتهازية، والذين تم تضخيمهم في وسائل الإعلام، وهي تستغل أسماءهم تحت مسمى جبهة الخلاص؛ كمتاريس، في محاولة أخيرة للنجاة والمراوغة للبقاء في المشهد، و علينا إدراك أنّ جبهة الخلاص هي ذاتها حركة النهضة، وتلك المناورة تشبه تغيير “اللافتة”، مع الحفاظ على البنية الكاملة للتنظيم، وبالتالي، فإنّ جبهة الخلاص هي النهضة، والنهضة هي جبهة الخلاص.. و إنّ “زواج المتعة” الذي يجري الآن بين حركة الغنوشي و اليساري أحمد نجيب الشابي هو زواج غير شرعي لا يعبر إلاّ عن الإمعان في سياسة الهروب إلى الأمام و ما هي إلاّ رقصة الديك المذبوح ، و بمثابة تقارب مفضوح من أجل إعادة رسكلة نفايات سياسية تعفّنت و إنتهت صلاحيتها، و الإصرار على العبث السياسي من أجل العودة إلى حكم اللصوص و منطق اللاّ-دولة و الغنيمة.. يجرّ أحمد نجيب الشابي خلفه مسيرة سياسية لم يحقق فيها إنجازا واحدا، تتالت خسائر الرجل الذي يخفي وراء المبدئية الظاهرة توجهاً انتهازياً مقيتاً جعله ينتقل من تجربة أيديولوجية إلى أخرى بداعي الإستفادة من المستجدات في حين أنّه يبحث عن أقصر الطرق للسلطة، و قد إرتمى في أحضان الغنوشي لمغازلة حركة النهضة و يضع نفسه في الصفوف الأولى للدفاع عنها .. شطحات نجيب الشابي السياسي المنكود الحظ، فهو يمارس السياسة منذ خمسين عاما ، ومع ذلك لم يتعلّم منها شيئا، وكلّما تقدم به العمر زادت أخطاؤه وخسر من كانوا أصدقاءه، والأكثر من ذلك أنّه يتوهّم أشياء لا تحدث إلاّ في خياله…هذا الشعب يرفض كل وصاية من هؤلاء المتشدّقين بإسمه و الرّاكبين على إرادته و أنّ هذه المسرحيّات المفبركة و دموع التماسيح على مصلحة تونس انكشفت فيها ألاعيبهم و ظهر منها ما يكنّون فعلا ،نعم سقط القناع على هذه المعارضة الغوغائيّة الحاقدة و بالتالي فهي ساقطة سياسيا وشعبيا و حتى أخلاقيا.. لقد تعددت رقصاتهم لنهاية مرتقبة واحدة، تطوي تاريخهم المثقل برقصات النفاق والتضليل والكذب، بعد أن تأكدوا بأن أغلبية التونسيين ليسوا ضد حكمهم فقط، بل ضد بقائهم في المشهد السياسي.. و إنّ ما يحدث لم نجد له وصفاً سوى كونه محاولة بائسة للنفخ في صورة جثث سياسية متعفّنة فقدت كل مبررات وجودها لإعادتها إلى الحياة السياسية وهي رميم..
الحقيقة التي لا يختلف عليها إثنان هي أنّ تونس قد تعرضت إلى ظلم أبنائها من المحسوبين على المعارضة، بالقدر الذي تعرضت فيه إلى ظلم قوى خارجية، وقد تحالف عليها الطرفان، لكن غالبية التونسيين واثقون أن بلادهم تسير على الطريق الصحيح.. و كأن هؤلاء المتباكين على حقوق الإنسان و حرية التعبير في تونس والمحذرين من تحطيم المؤسسات الدستورية، لم يتعلموا من أبسط أبجديات الديمقراطيات الغربية ألاّ تستقوي المعارضة بقوى خارجية في هذه الظروف واستغلالها لصالح قوى أجنبية متربصة لها أذرعتها في الداخل، فهذا أمر غير مقبول بل ويرتقي إلى درجة الخيانة الموصوفة وما دور المعارضة في الديمقراطيات السائدة إلاّ النقد بقصد التقييم و التقويم وتقديم البدائل، أما الاستقواء بالأجنبي لأجل التخريب والتدمير و حتى التآمر ، فهذا لا يمكن قبوله إطلاقاً.. إن سياسة إيصال الأمور إلي حافة الهاوية سياسة دائما تكون محفوفة بالمخاطر لأنها وإن كانت ستؤذي بعض أفراد الشعب إلا أنها ستؤدي بالأساس إلي كراهية الناس لهذه الطُغمة السياسية الساقطة التي تسببت في هذه الكارثة، كراهية ستدوم طول العمر، وسيظل الناس يتذكرون كيف أن هذه الطُغمة السياسيّة الظالمة تسببت في انقسام التونسيين و انهيار بلادهم ، وفي النهاية ستكون خسارتهم أفدح بكثير من المكاسب التي يتوهمون أنهم سيحققونها، وليكن في معلوم هؤلاء، أنّ الرهان على الفوضى دائما ما كان رهانا خاسرا خاصة مع التونسيين الذين عرفهم التاريخ بأنهم شعب محب للحياة والبناء وليس التخريب والعنف.. هذه الطُغمة السياسيّة الساقطة تصف نفسها بأنها من المعارضة السياسيّة ، وراء جهات وآجندات خارجية، و من المفترض بالمعارضة السياسيّة ان تنتهج سبلا ديمقراطية، اما المعارضة التي تصف نفسها السياسيّة وترتبط بآجندات خارجية فلا يمكننا اعتبارها معارضة سياسية بل يمكن ان نعتبر الامر تآمرا على الدولة لاسيما إن كانت هذه الجهات مرتبطة بجهات أجنبية او أنها تمثل آجندة خارجية من اي دولة كانت، و هذا النوع من المعارضة هدّاماً وليس بناءاً على الاطلاق.. إنّ الشعب الكريم يدفع فاتورة فساد الطبقة السياسية من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار وان الشعب يفهم جيدا خفايا الأمور ويميز بين المطالب المشروعة وبين وضع العصا في العجلة كما أنه ايضا لن يتساهل مع أي فشل جديد ولن يغفر للمعارضة ووقوفها عند حساباتها الضيقة.. فهذا الوطن باق عزيزا أبيا محصنا بمقاومته وبإرادة الشعب التونسي الراسخة لدى كل ابنائه..