#بقلمے : محمد البراهمي كاتب صحفي و ناشط سياسي |
في الحقيقة والواقع، لم تشهد تونس وربما العالم، سلطة وطبقة سياسية أوقح من هذه النخبة الفاشلة ، ومن الطبقة المُطبقة على خناق الشعب التونسي ، وتزداد بشاعة ووقاحة هذه الطبقة يوماً بعد يوم ،
المشهد السّياسي التونسي بين حُمَّى التنافس والجدل والاحتقانات داخل المؤسسة البرلمانية و الصراع بين رأسي السلطة التنفيذيّة نسيت او تناست القوى السّياسيّة أنها تعيش مرحلة حبلى بالتحديات و الإكراهات ألقت بظلالها على البلاد و تدفع بها إلى نفق مظلم، وهي بذلك ملزمة بتحمل عواقب أعمالها و ما ينجر عنها من تداعيات وخيمة على مختلف المستويات في ظل الظرف الإستثنائي الذي تمر به تونس وبالتالي على تلك القوى مسؤولية انقاذ البلاد بدل وضع العراقيل..
من يراقب الجدل السياسي يكتشف بسهولة ان القوى السّياسيّة تحدد موقفها من القضايا المطروحة للنقاش في ضوء مصالحها وأوضاعها الراهنة دون ان تحسب للمستقبل حسابه، فمن يقف في موقع الحكم يتجاهل فكرة أن يكون في يوم ما في موضع المعارضة والعكس صحيح أيضا حيث يتجاهل المعارضون إمكانية وجودهم في يوم ما في السلطة..
لو تدرك الاطراف المتناحرة حجم الأزمة الراهنة لتجاوزت خلافاتها بسهولة لأنه فعلا الوضع صعب للغاية يتطلب الحكمة و العقلانية و تغليب مصلحة الوطن و الإبتعاد عن الاتهامات والتشنيع التي تمارسها بعض القوى ضد خصومها مما يعمق الشقاق والاحتقان بين مكونات الشعب التونسي .هذه المعركة بعيدة كل البعد عن اهتمامات وتطلعات المواطن العادي الذي مازال ينتظر حلولا واضحة للوضع الاجتماعي المتردي لذلك فهي معركة سياسية برلمانية أملتها طموحات الفاعلين السياسيين تحت عناوين مختلفة، وانطلاقاً من عملية سياسية خاطئة مرتبطة أساساً بالحسابات والمصالح الضيّقة او حقد إيديولوجي او لحساب أجندات خارجية و بالتالي فإن انعكاسات هذه المعارك البعيدة عن مصلحة الشّعب والمقتصرة على المصالح السّياسيّة الضيّقة دون شك ستكون لها تداعيات واضحة على الشعب و البلاد ..لقد صبر هذا الشعب كثيرا على رموز الطبقة السّياسيّة وهم يتناوبون على العبث بمقدرات البلاد وبمصالح العباد و لم يعد هناك خيار أمام القوى السّياسيّة إما سياسات وحلول مبتكرة للخروج من عنق الزجاجة المتعفنة وإما انهيار خطير و سوف يغرق الجميع في دوامة العنف والفوضى.. لابد من وضع حد لهذه المناكفة السّياسيّة المملة التي تمارسها اطراف الأزمة وأتباعها تحت حجج واهية، ومطلوب الآن وبأسرع وقت مبادرات و إصلاحات جذرية ولينظر الجميع إلى الحقائق الاقتصادية المرعبة وليستخلصوا الدروس والعبر قبل فوات الأوان.
لقد كشفت الثورة العديد من المتسلِّقين إلى الكراسي السّياسيّة تحت أسماء الوطنية وحب الوطن، على حساب الشعب التونسي الزوّالي و لقد كشفت أقنعة كل خائن يلبس ثوب الوطنيّة ليتسلق كرسي السلطة ضارباً بعرض الحائط تطلعات و أحلام شعب ناضل من أجل الحريّة و الكرامة..
الأزمة السّياسيّة الغير مسبوقة في بلادنا، امتدت وطالت، وتشعبت الى درجة مخيفة، وكثر حولها المتداخلون والوسطاء، وأصبحت محل متابعة من العالم أجمع، ، واقع معقد الى درجة لا يمكن معها تصور حتى ما يمكن أن يحدث بين كل يوم وآخر وكل ساعة والتي تليها، في الحقيقة يصعب التنبؤ بمتى ستنتهي هذه الأزمة السّياسيّة .. ؟
سيناريوهات من شأنها الـتأزيم والتعطيل، ونرى أن بعض القوى السّياسيّة استسلمت للمناكفات السّياسيّة والصراعات. وكم كنا نتمنى أن يقنع هؤلاء بأن مسار الأحداث المتسارعة الإقليميّة و الدوليّة ، تستدعي من الجميع تغليب مصلحة الوطن، ووضع حد لهذه المناكفات العبثية، لاستدراك ما يمكن استدراكه من خسائر محتملة مالياً و إقتصادياً ، و أن تتخذ القوى الفاعلة سياسياً خطوات من شأنها أن تضع الاقتصاد على مسار النمو واستكمال مطالب وإنتظارات الشعب التي لاتزال حبر على ورق جراء إنشغال الطبقة السّياسيّة في صراعاتها تاركين الشعب في متاهة البحث عن من يحقق لهم الأهداف التي خرجوا من أجلها.. اليوم صار لزاماً على الطبقة السياسية ، أن تضع جانبا خلافاتها السّياسيّة والإديولوجيّة وخصوماتها الشّخصيّة، وتقف صفاً واحداً متضامنة في مواجهة هذه الآفة و الأزمة الإقتصادية الحادة التي قد تدفع بالبلاد إلى الإنهيار و الإفلاس ، ولقد بات ضرورياً الإلتفاف حول البلاد و تخليصها من الورطة و الانزلاقات على كل الأصعدة السّياسيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة والأخلاقية، و تخليص الوطن من امتداد الأيادي الخبيثة التي تسعى لزعزعة امن و إستقرار البلاد .. هل تتعض الطبقة السّياسيّة ممّا حصل و تحاول الإقتراب اكثر إلى الشعب الذي فقد ثقته في جل الأطراف المتناحرة و فشل النخبة السّياسيّة في حل مشاكلهم و البعض منهم يستغلون هذه الأحداث المؤلمة والكوارث وتوظيفها توظيفا سياسيا و التكالب على تصدر المشهد السياسي بإفتعال الأزمات و الركوب على احداثها..
لا شك و ان البلاد امام إكراهات و تحديات سياسية و ازمة إقتصادية خانقة،و اليوم تونس في أحوج الظروف من أي وقت مضى للتضامن و الحوار بين كل الأطراف على قاعدة تغليب المصلحة الوطنية والترفع عن الحسابات السّياسيّة الضيّقة وإيجاد حلول جذرية كفيلة بتفكيك عناصر الأزمة الراهنة واتخاذ القرارات الشجاعة والجريئة الكفيلة باعادة الأمل للشعب وتحصين المسار الدّيمقراطي وحماية الدولة من الأخطار المحدقة بها، و تغليب المصلحة العليا لتونس و شعبها.
في ظل التجاذب السياسي يظل الخوف على التجربة الديمقراطية مستمرا على خلفية المناخ السياسي المشحون و الصراع الأيديولوجي واستغلال بعض الأطراف الأجنبية للتجاذبات السّياسيّة والأيديولوجيّة الحادة بين أبناء البلد الواحد بهدف تمرير أجندتها التي تتمثل أساساً في تعطيل مسار الانتقال الديمقراطي و إغراق البلاد في فوضى عارمة لا تحمد عقباها.. إلى متى ستبقى البلاد رهينة التجاذبات العقيمة و التدخلات الخارجية..؟
في قراءة للمشهد السياسي الحالي و الأزمة السّياسيّة الراهنة و المعقدة في ظل الصراعات بين رأسي السلطة التنفيذيّة (الرئيس و رئيس الحكومة) التي خرجت إلى العلن.. و تصاعد حدة التوتر و سياسة لي الذراع بين طرفين كل منهما مخطئ ومحق في الوقت ذاته .. لكن لا أحد منهما يرغب في التراجع عن موقفه، لابد أن يدرك الجميع بأن البلاد تنزلق تدريجياً في منعطف خطير على جميع الأصعدة .. ولا تكاد تونس تستفيق من أزمة حتى تغرق في أخرى، فالأزمات سواء السّياسيّة أو الاقتصادية تتفاقم وتضغط على البلد. إلاّ أن ما تشهده تونس أخيراً من سجالات علنية بين الرئاسات الثلاث يُنذر بأزمة أكبر وأعمق..
أمام حالة الإستعصاء السياسي الغير مسبوقة في تاريخ تونس و أمام الجدل الدستوري حول التحوير الوزاري الذي خلَّف جدلاً سياسياً حاداً عمق أزمة الصراع بين رئاسة الحكومة والرئيس ، يبدو أنه لا خيار أمام المشيشي سوى التراجع خطوة إلى الوراء إما بسحب الوزراء الجدد أو بالتفاوض لإيجاد حلول سياسية بالأساس و قانونية في إطار الدستور التونسي ، ولا فائدة من سياسة الهروب إلى الأمام..