حرب العاشر من رمضان او حرب 6 اكتوبر, جهز لها عبد الناصر بعيد هزيمته في 67 والتي قضت على معظم السلاح الجوي, فكانت حرب الاستنزاف التي اثخنت كاهل العدو, بعد وفاته المفاجئة والتي ظلت لغزا محيرا الى اليوم.
وباعتلاء نائب الرئيس (السادات)سدة الحكم, تواصلت الاستعدادات للحرب, وساهم الحكام العرب كل حسب قدرته العسكرية والاقتصادية في خوض المعركة لاسترداد الاراضي المغتصبة ولأول مرة يستخدم النفط كسلاح واثبت فاعليته, ودفع الملك فيصل ثمن ذلك الموقف الجريء الذي يحسب له, وفقد حياته في حادث اسري مفجع.
لكن الحرب وللأسف لم تكن للتحرير كما كان يريدها كبار ضباط الجيش المصري ومن خلفه الشعب المصري والجماهير العربية, بل كان هدف القيادة السياسية المصرية هو تحريك المياه الراكدة والتطبيع مع كيان العدو بمجرد ارجاع سيناء الى حضن الوطن وان كانت على مراحل وإبقائها منزوعة السلاح.
لقد احدثت التحركات المشبوهة للقيادة السياسية ارباكا للقيادة العسكرية المنتشية بالانتصارات التي حققتها في الايام الاولى للحرب وخاصة العبور الى سيناء وتدمير خط بارليف, فكانت ثغرة الدفرسوار ومحاصرة الجيش الثالث ومفاوضات الكيلومتر 101 والتي نتج عنها اتفاق منفرد مع العدو, وعدم التنسيق مع الجبهة الشمالية (سوريا), ما جعل العدو يوجّه كافة قدراته العسكرية شمالا بعد ان ضمن خنوع الادارة المصرية ورغبتها في الاستسلام.
المواقف السياسية المذلة للنظام المصري, نتج عنه شق الصف العربي والتفريط بالقضية الفلسطينية والذهاب الى التطبيع المباشر دون تحقيق ادنى متطلبات قيام الدولة الفلسطينية حيث تمزق اوصالها من خلال انشاء مستوطنات عشوائية متناثرة تجعل حل الدولتين اشبه بالمستحيل. وهرولة معظم القادة العرب للتطبيع مع العدو وإبرام اتفاقيات في مختلف المجالات برعاية امريكية.
لقد كانت مصر رائدة التحرر العربي والإفريقي وساهمت في تنمية قدرات العرب البشرية من خلال ارسال آلاف المدرسين لتعليم الجيل الجديد مختلف انواع العلوم, كما انها عملت على توطيد العلاقات مع افريقيا ومحاربة النفوذ الصهيوني بها من خلال قطع كافة العلاقات معه, ما جعل دور الكيان ينحصر في بعض الدول.
مع مرور الوقت اصبحت سيناء مرتعا خصبا للإرهابيين ولا يزالون يقومون بعمليات (جهادية) تثخن كاهل الجيش المصري. أصبحت مصر محاصرة في قوت ابنائها من خلال سد النهضة الاثيوبي المدعوم صهيونيا وخفض نصيب مصر من مياه نهر النيل وقد تصاب بالجفاف. بل وصل بها الامر الى تزويد كيان العدو بغاز الطهي بابخس الاثمان.
ندرك جميعا ان العرب بدون مصر اصبحوا تائهين تذروهم الرياح وتلقي بهم في اماكن تكون عليهم وبالا,وان مصر بدون المساندة العربية لها اصبحت لقمة سائغة في افواه الاعداء. انها السياسات الرعناء التي انتهجها السادات بخنوعه الكامل لإرادة الغرب وإيمانه بان امريكا تملك اوراق حل مشكلة الشرق الاوسط بنسبة 99.99% ,واليوم يحصد العرب وفي مقدمتهم مصر خيبات الامل وأصبحوا مدعاة للسخرية,يمتطيهم من يشاء,يحاربهم الاعداء بأبنائهم الذين لم يحسنوا تعليمهم, وقد انفقوا المليارات من العملة الصعبة في مشاريع ليست انتاجية او خدمية, فاتجه هؤلاء الابناء الى تعلم الافكار الدينية المتطرفة, يقتلون بني جلدتهم وكأنهم خراف,حيث يهللون ويكبرون .
نترحم اليوم على من سقطوا دفاعا عن عرض وشرف الامة العربية واسترداد هيبتها فلهم المجد والخلود, ونلعن من كان سببا في ايصالنا الى هذه الاوضاع المزرية, حكامنا الذين زرعهم العدو في مختلف مؤسساتنا, فأجهضوا كل محاولات التقدم والبناء.