الجمعة , 29 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

دور الحب في بناء الأنظمة السياسية…بقلم إبراهيم أبو عواد*

1

التناقضات الصارخة في المجتمع الإنساني لا يُمكن السيطرة عليها وتقليصها ، إلا بتكوين سياسات اجتماعية قائمة على الحُب والعدل والمُساواة ، واعتماد مبدأ الكفاءة والولاء للقِيَم والمبادئ ، وليس الولاء للأشخاص والكراسي. وهذا شعار جميل برَّاق، لكن تطبيقه على أرض الواقع صعب ، وليس مستحيلًا . وصعوبة تطبيقه نابعة من مراكز القوى في بِنية الأنظمة المُوجِّهة للفرد والجماعة والمجتمع . ومراكز القوى هي أركان الدولة العميقة التي تتحكَّم بمسار العلاقات المعنوية والمادية في المجتمع . وإذا أردنا تحليل مُكوِّنات المجتمع ، ينبغي الانطلاق من حقيقتَيْن راسخَتَيْن ، لكنهما غَير مُعْلَنَتَيْن . الحقيقة الأُولَى : إن هناك دَوْلَتَيْن في المجتمع الإنساني الواحد ، الدَّولة العميقة الباطنية ( الجَذر ) والدَّولة السَّطحية الظاهرية ( الأغصان ). والعلاقة بين هاتَيْن الدَّولتَيْن قائمة على المصلحة المشتركة والمنفعة المتبادلة واحتكار اللعبة السياسية بكل مزاياها ، وهذا هو سبب تحوُّل كثير مِن الأوطان إلى مشاريع تجارية استثمارية ، تعود بالنفع على الطبقة السياسية الحاكمة حصريًّا ، دُون أيِّ فائدة للمواطن العادي . وكُل نظام سياسي مُغلَق هو بالضرورة نظام استحواذي احتكاري ، يتعامل مع الشعب وَفق ثنائية الرهائن والغنائم . ومهما كان الوطنُ غنيًّا بالثروات والإمكانيات ، فلن يَشعر المواطن العادي بأيِّ فائدة ، لأن الشَّرنقة التي تُحيط بالوطن تمتص كُل الخَيرات ، ولا يبقى مِنها شيء للشعب الكادح . الحقيقة الثانية : إن السياسة في المجتمع الإنساني هي لُعبة الأغنياء ، وهذا يعني تحوُّل السياسة مِن وسيلة للحُكم الرشيد إلى غاية قائمة على الاستعباد والهيمنة ، وتحوُّل العلاقات الاجتماعية الخاضعة للبنى السياسية مِن ظاهرة أخلاقية نبيلة إلى نزعة مادية متوحشة ، وبالتالي يُصبح القادرون على الدَّفْع هُم القادرين على الكلام ، وهذا أمر في غاية الخطورة ، لأنَّه يستثني أصحابَ المواهب والكفاءات.

2

التَّشَظِّي في المجتمع الواحد ( وجود دَوْلَتَيْن تحتكران العمل السياسي القائم على المال ) ، لا يستمد شرعيته مِن قُوَّته الذاتية ، وإنما يستمد شرعيته من تحالف السُّلطة معَ الثَّروة ، أي : تحالف بِنية النظام السياسي مع رأس المال ، مِن أجل تحويل الوطن إلى بقرة حَلُوب لأصحاب النُّفوذ ، وتحويل الشعب إلى قطيع أغنام يُساق إلى الذبح في الوقت المُناسب ، لذلك ليس غريبًا أن يَقتل الطُّغَاةُ شُعوبَهم ، ويُدمِّروا أوطانَهم . بَل إنَّ هذا أمر مُتوقَّع في كُل زمان ومكان ، ولا يَدعو إلى العَجَب والدَّهشة. وكُل طاغية يَعلَم في قرارة نَفْسه أن وجوده غَير شَرعي ، وأنَّه لم يجئ وفق انتخابات حُرَّة ونزيهة ، وإنما جاء بحُكم الأمر الواقع ، وباعتباره مَالِكًا للمال والسلاح ، ومَدعومًا من القوى الخارجية ، ومُتحالفًا مع سماسرة الوحدة الوطنية المستعدين لاقتسام الغنائم. لذلك فإن كُل طاغية ، يعتنق سياسة القرابين ، حيث يتم التضحية بكل شيء ، من أجل بقاء الزعيم القائد الخالد الوحيد الأوحد على الكُرسي . ولكنَّ الكُرسي لا يَدُوم لأحد ، وحتى لَوْ دامَ الكُرسي للطاغية ، فإن الطاغية لَن يَدُوم له .

3

إنَّ الإنسان كائن عاطفي ، والنَّفْس الإنسانية مَجبولة على حُب مَن أحسنَ إلَيها ، ولا يُمكن لأيِّ حاكم أن يَقُود الوطنَ والشعبَ إلى بَر الأمان ، إلا إذا سيطرَ على قُلوب الشعب بالمحبة ، والأخلاق الفاضلة ، والتَّضحية من أجلهم . وهذه هي القُوَّة الناعمة التي تمتلك مَفعول السِّحْر . والحُبُّ وَحْدَه هو الذي يَمتلك قَلْبَ الإنسان . والسلاحُ له سُلطة على الجسد ، وليس له سُلطة على القَلْب . وهذا هو الأساس الفلسفي للسياسة ، ولكنَّ الكثيرين يَعتبرون هذا الكلام رومانسيًّا ، ولا يَصلُح إلا للأفلام العاطفية وقصص العُشَّاق . وهذا خطأ جسيم ، لأنَّ الحُب وَحْدَه هو القادر على بناء الوطن ونهضة الإنسان . وقُدرة الحُب على صناعة الحاضر والمستقبل تنبع من حقيقة مُفادها أن الحُب يُزيل الخَوف، وبالتالي يتحرَّر العقلُ، وينطلق إلى الإبداع ، لأن العقل الخائف مشلول غير قادر على التفكير والإبداع ، والحُب يَمنع الخيانة ، وبالتالي تتكرَّس الثقة بين الرئيس والمرؤوس ، والثقة أساس النهضة والتقدُّم . والحُب يُطهِّر القلوبَ مِن الحِقد والانتقام ، وبالتالي تختفي الصراعات بين أبناء الوطن الواحد، ويزول الصِّدام بين الحاكمين والمحكومين. والحُب يضمن الوَلاء الحقيقي، وهذا يعني تقديم النصيحة الصادقة ، والمَشُورة المُخلِصة . وكما قِيل : صَديقك مَن صَدَقَك لا مَن صَدَّقَك .

 

* كاتب من الأردن

شاهد أيضاً

مركزية الألم في شعر الرثاء… بقلم إبراهيم أبو عواد 

شِعْرُ الرِّثَاء لَيْسَ تَجميعًا عشوائيًّا لِصِفَاتِ المَيِّتِ وخصائصِه وذِكرياتِه وأحلامِه ، أوْ حُزْنًا عابرًا سَرْعَان …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024