الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

#سبعطاش ديسمبر..إمّا الدولة أو اللاّ-دولة!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

بدأ صراع الدولة واللاّدولة منذ أن شهدت تونس تغييرات جوهرية في المشهد السياسي بعد الخامس و العشرين من جويلية 2021 ، بعد عشريّة سوداء من الريع الحزبي والسياسي شهدنا فيها أشكالاً مختلفة ‏من الحكومات تمظهرت بمظاهر عديدة، منها دولة المكونات ودولة الأحزاب، وفي الغالب كانت ترتكز على ‏تقسيمات فئوية أدت إلى ضعف في منظومة الدولة المنشودة ، وصولاً إلى هذا المقطع الزمني ‏الذي سيكون نقطة التحول القادم في حسم هذا الصراع، فإمّا الدولة أو اللاّدولة، ومن هذه النقطة ستبدأ ملامح ‏الدولة بالتشكل..

لا يحتاج تشخيص الأزمات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية إلى كثير من التعمّق والبحث والتحليل، فجميع الأسباب باتت واضحة وصريحة، لكن المشكلة الرئيسية كانت ولا تزال في حلول تلك الأزمات التي خلّفتها العشريّة السّوداء .. مشكلتنا في تونس أنّ بناء الدولة طيلة السنوات العشر الماضية لم يكن في حالات عديدة غاية القوى السياسية أو الحزبية أو الاجتماعية، بقدر ما كان حاجة لبعضها للتسلّط و التعامل مع الدولة بعقلية الغنيمة، وبالتالي تم بناء منظومة “أنانية_ غنائمية” تستحوذ على كل شيء، في دولة لا تملك من يراقب ويحاسب في مؤسساتها ، وهذه كلها نتاج طبيعي أفرزتها وبلورتها وقادت إليها منظومات الفساد السلطوي التي لا تخضع لأي قانون، ولا تجد من يحاسبها أو يراقب أعمالها..مما جعل الدولة تبقى في دوامة من الفشل والشلل السياسي الحاد.. و بالتالي ؛ اليوم أم المعارك؛ محاسبة الفاسدين و تفكيك منظومة مافيا المال والسياسة التي تتحكم في مصير تونس هي الأولوية القصوى من أجل إنقاذ ما تبقى من الدولة.. لا رجوع إلى الوراء إلى منظومة الغنيمة و بيع الأوهام و الفشل الذّريع..

سببان رئيسيان خلف بناء الفساد و قوته وديمومته: الأول هو طبيعة النظام السياسي في تونس المرهون بيد احزاب مُكّوناتيّة اكثر ممّاهي وطنيّة ، عُرضة للتخنّدق و الاختراق والتوظيف الخارجي، والمحكوم بآلية قائمة على مبدأ “التراضي والتغاضي” في ممارسة السلطات وإدارة المصالح والمغانم الحزبية، فبدلاً من ان تكون السياسة ظاهرة تعيش في رحم الدولة وتعزّز مكانتها و قوتها، أصبحت السياسة ظاهرة تُنهك الدولة و تضعِفها، والسبب الثاني في استفحال الفساد، وتمكينه على الدولة هو التعامل مع الدولة بمنطق الغنيمة والولاءات الحزبية و التدخلات الخارجية ،تدخلات أغرت اغلب السياسيين بالأموال والوعود ووظفتهم لأجنداتها و لمصالحها وليس لمصلحة الشعب والدولة، تدخلات مكّنتْ و تمّكنْ كل ما مِنْ شأنه إضعاف الدولة و مؤسساتها و نهب مقدراتها..

إنّ قرارات الرئيس قيس سعيّد في 25 جويلية و إجراءات 22 سبتمبر ،خطوة هامة في اتّجاه تجذير خيار القطع مع عشريّة الخراب والدمار والفساد والإفساد ومع خيارات حكومات لم تكن سوى واجهة لحكم “بارونات” المافيا بقيادة حركة النهضة وحلفائها، و التفاعل الشعبي والسياسي معها أثبت أن الفترة تحتاج إجراءات تعيد ثقة المواطن في الدولة وإعادة الإعتبار للديمقراطية الحقيقية التي تقوم على أساس حماية مصالح الشعب والعدالة للجميع على قدم المساواة وانهاء الإفلات من العقاب وحماية حقوق الانسان والحريات الأساسية، وخاصة توفير الحد الأدنى من الكرامة للمواطنين، وهو ما كان مفقودا في الفترة السابقة.. و على الرئيس قيس سعيّد الإستناد على المشروعيّة الشعبيّة و حسم الأمر قبل فوات الأوان.. إنّ مؤامرات بعض الأطراف على وطنهم أصبحت مكشوفة، لا تحتاج لدلائل وقرائن لإثبات زعزعة إستقرار الوطن ومحاولة إحداث شقاق لخدمة أغراض أطراف معينة تعمل وفق أجندة أجنبية ممولة بمليارات الدولارات لتخريب التجربة الديمقراطية.. و سوف تظل المنظومة تعمل في الغرف المظلمة وتعقد صفقات علنية مع بعض الأطراف الداخلية و الخارجية ، ولكن يظل الرهان معقوداً على وعى الشعب الذي يعرف أنّ الديمقراطية لا تنبت فى أحضان الفساد وأن الدين ليس جسراً للحكم.. فالدرس كان قاسيا جدا على منظومة الفشل الذّريع و الخراب وما عليها الاّ ان تراجع حساباتها وان تستوعب الدرس جيدا وان تعمل لتغيير نفسها وخطابها وأدائها وان تراكم خبراتها للمرات القادمة أمّا الآن لابدّ أن ينطلق القطار و تنتهي اللعبة..

تحصين مسار الـــــ 25 جويلية يتمثل في : محاسبة الذين عاثوا في البلاد فسادًا طيلة 10 سنوات، تطهير القضاء ، الإسراع في حسم قضايا من تلقوا تمويلات أجنبية في الحملات الانتخابية وتصحيح مسار العملية السياسية باعتبارها انتظارات التونسيين من خلال مراجعة القانون الانتخابي والنظام السياسي، وكذلك التأسيس للعدالة الاجتماعية التي ينشدها كل الشعب التونسي و تسقيف زمني للإجراءات الإستثنائية و إستفتاء شعبي.. الأمر قد يبدو صعباً، ولكنه ليس بالمستحيل في ظلّ توافر رغبة شعبية مؤيدة لفكرة دولة المواطنة، التي لا مكان فيها للمحاصصات المبنية على منطق الغنيمة و الإفلات من العقاب ، ويقتضي الدفع بإتجاه مسارات متعددة: مسار إعادة البناء السياسي والدستوري للدولة، ومسار الإصلاح الاقتصادي وتنفيذ برنامج إنقاذ حقيقي، ومسار تنفيذ إصلاحات جذرية باتجاه الحوكمة والحكم الرشيد، بالإضافة إلى مسار الحفاظ على الاستقرار الداخلي، ولكل مسار خطة عمل يجب أن تتوافق وتطلعات الشعب التونسي الذي بات ينزف في انتظار الحل،

‏علينا أن نختار بين منطق القوة وقوة المنطق وبين السلطة وبين الدولة العادلة وبين الفوضى والارادة الموحدة وبين أجندات التخريب والفئوية وبين المشاريع الوطنية الصالحة..، علينا أن نختار بين التشدّد والتطرّف وبين الاعتدال والتسامح وبين الديمقراطية المغشوشة و بين الديمقراطية الحقيقية، و بين دولة القانون و المؤسسات و بين قانون الغابة و البقاء للأقوى..، كل هذه التعاريف تدعونا للإختيار بين منهج الدولة واللاّدولة..تونس اليوم بين خيار الدولة واللاّدولة ويجب أن نختار ونميز بينهما.. الدولة تتحدث بالقانون واللاّدولة تحتكم لمنطق الغنيمة والولاءات الشخصية ، والدولة توحد الصفوف، واللاّدولة تصنف الناس أصنافا مختلفة، وأن منهج الدولة منهج الاعتدال و منطق الديمقراطية الحقيقية وسواه منهج اللاّدولة بمنطق الغنيمة و ديمقراطية فاسدة مغشوشة ..لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي و تونس تتهاوى أمام أعيننا بطعنات أبنائها، عن عمدٍ أو جهل، بالكمّ الهائل من الرداءة والدناءة السياسية، في بلدٍ يتجسّد الفساد السياسي والمالي فيه بـ “منظومة فساد” متماسكة بحدّ ذاتها ترعاها طُغمة قوامُها مزيجٌ من إنتهازيين وعصابات المال التي نهبت الدولة ومقدّراتها، وترتكبُ بإسم الشّعب زوراً وبهتاناً شتّى أنواع الكبائر بدءً بالتبعيّة و الإستقواء بالقوى الخارجية ، لقد بات ضروريا إيقاف الفوضى و تطبيق علويّة القانون قبل فوات الأوان..

الفرصة الأخيرة المتاحة أمام قوى التغيير الحقيقية و هم “الوطنيين الصادقين الثابتين” ، إذا ما أرادت إخراج هذا الشعب من شرانق السياسيين وإنقاذ الوطن والدولة والمؤسسات وسيادة القانون وتعميم العدالة و الديمقراطية الحقيقية.. اليوم المتآمرون و الفاسدون و المستفيدون من العشريّة السّوداء قد إتّحدوا ومستعدون للقيام بأي ألاعيب مهما بلغت قذارتها، لكن هذا الشّعب الذي هبّ واقفاً لن يسمح بمرور خططهم وألاعيبهم ولن يسمح للحياة أن تدب فيما تربو إليه نفوسهم الخبيثة ، هذا الشعب لم يستسلم ولن يستسلم…إلاّ بقرارات حاسمة و محاسبة السرّاق و طيّ الصفحة التعيسة من تاريخ تونس.. لابدّ من بناء دولة قوية و عادلة و القطع مع اللاّ-دولة، تونس لابدّ أن تتحرر من القيود السّامة و تتقدم و لا يمكن العودة إلى ما قبل 25 جويلية و ما قبل 17 ديسمبر .. “أحبّ منْ أحبّ و كرهَ منْ كرهَ “

*سبعطاش (السابع عشر)

عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم

شاهد أيضاً

القضية الفلسطينية.. بين الصمت والتآمر والتضليل!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

يرى كثيرون ان أصل الشرور في الشرق الاوسط في المائة سنة الاخيرة هو (اغتصاب فلسطين) …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024