منذ انهيار الإتحاد السوفيتي السابق , انفردت الولايات المتحدة بقيادة العالم , وحاولت صبغه بألوانها , واستبدال ملامحه بأخرى لا تشبه دوله وشعوبه , وسارت بالعالم بإتجاهٍ يعاكس التاريخ والجغرافيا , بعدما تغطرست وطغت , وأعجبها اللهو بمصائر الدول والشعوب , وهز وتدمير أوطانهم , والأمن والاستقرار الدوليين , ولا بأس بتغير الأنظمة وإسقاط بعضها الاّخر, وبفرط العلاقات والتحالفات التقليدية – التاريخية , وبإراقة وسفك الدماء , وكان من المهم لها أن تبدأ من العالم القديم وتحديداً من قلب الشرق , ونقطة توازن العالم , فكانت سورية في عين إعصار مشروعها الخبيث , في محاولةٍ لصنع شرقٍ جديد أساسه الكيان الإسرائيلي الغاصب , وليكون “الشرق الأوسط الجديد” بدوره الأساس لتغيير وجه العالم بشكلٍ جذري.
ومن خلال غطرستها اعتقدت أن الأمر في سورية سيكون بمثابة النزهة , لكن صمود سورية “الجيش , الدولة , والشعب” , وحكمة وشجاعة الرئيس بشار الأسد , استطاعت سورية صد العدوان العسكري الدولي – الإرهابي , والجيو سياسي والإقتصادي , وقلبت طاولة المشروع وخرائطه , بمشاركة فعالة وحقيقية من حلفائها في محور المقاومة , وفي موسكو وبكين وطهران , وبذلك فتحت دمشق باب تحدي الولايات المتحدة وهيمنتها على مصراعيه , وشكلت سورية الصخرة التي اتكئ عليها الحلفاء والعالم الحر لمواجهة العبث والفوضى الأمريكية التي أشاعتها في الشرق والمنطقة العربية وفي أوروبا واّسيا وأفريقيا , وفي عشرات المناطق والأقاليم حول العالم , مع أنها ركزت اهتمامها على استهداف دمشق وموسكو وطهران وبكين.
وحاولت عبر إدارة بايدن وإدارتها المتعاقبة خلال العقد الماضي , التركيز على مشاريع “الشرق الأوسط الكبير” , و”صفقة القرن” , و”الناتو العربي” , وسباق “التطبيع” مع العدو الإسرائيلي , وتوسيع عمق ونطاق “اتفاقيات إبراهيم” , وتشكيل الأحلاف ضد إيران , وإنشاء بنى أمنية جديدة في الشرق الأوسط تحت ذريعة “إحتواء طهران” ، وتعزيز وجودها العسكري في العراق , رغم توقيعها إتفاقية الانسحاب من أراضيه , وتشكيل الكانتونات الإرهابية والإنفصالية , وتثبيت تواجدها اللاشرعي وقواعدها العسكرية في شرق وجنوب شرق سورية , بالتوازي مع دعمها الميليشيات الإنفصالية , ناهيك عن قيامها مئات المرات بعمليات سرقة النفط والأقماح السورية , والإمساك بورقة وتحركات تنظيم “داعش” الإرهابي , وإبعاده عن المشهد تارةً , وبإعادة تدويره وإطلاقه تارةً أخرى , لتنفيذ الهجمات والعمليات الإرهابية على مواقع ونقاط الجيش العربي السوري , وضد الأهالي والمدنيين.
بالرغم من كل شرورها , ودعمها اللا محدود للحروب والفوضى في سورية وأوكرانيا وتايوان , لم تستطع واشنطن إخفاء تراجعها وتضاؤل نفوذها , وقدرتها على دعم وإحياء مشاريعها الخبيثة في جميع الساحات التي أشعلتها عسكرياً أو سياسياً وإقتصادياً وتجارياً , ولم تحقق سياساتها للحصار والعقوبات الأحادية من جانب واحد النجاح , إن كان بالنسبة لسورية ولبنان والعراق وروسيا والصين وعشرات الدول أيضاً , وبدأت مشاهد الحصاد المعاكس بالظهور , وشهد العالم تنامي وتعزيز العلاقات السورية الإيرانية الروسية الصينية الإماراتية السعودية اليمنية المصرية والجزائرية , بالإضافة إلى زيادة أعداد الدول المنضمة إلى منظمة شنغهاي ومجموعة البريكس كالسعودية والجزائر ومصر, بالتوازي مع تراجع الدور الأمريكي والفرنسي في المنطقة العربية واّسيا وأفريقيا.
بات من السهولة بمكان , رؤية التغييرات التي تحدث في الشرق الأوسط بشكل خاص ، ليس فقط بسبب التراجع الواضح لهيمنتها على المنطقة , بل أيضاً بفضل جهود كل من روسيا والصين وتعزيهما لعلاقاتهما مع غالبية الدول في الشرق الأوسط , وبات تكثيف الزيارات والوفود السياسية والإقتصادية عنوان المرحلة , مع رؤية الزيارة الهامة للرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو التي تشارك وطهران بمساعدة أنقرة ودمشق على فكفكة العقد الشائكة , وإنهاء التواجد العسكري التركي اللا شرعي على الأراضي السورية , والتوصل إلى الحلول والسلام بعد ضمان الإلتزام التركي بمطالب دمشق المحقة , كذلك زيارة الرئيس الصيني المرتقبة إلى موسكو , بالإضافة إلى بعض الزيارات العربية الرفيعة المستوى المتوقعة قريباً إلى سورية.
في الوقت الذي تكثف واشنطن من زيارات جنرالاتها العسكريين إلى الشرق الأوسط , كالزيارات التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى الأردن و”إسرائيل” ومصر والعراق (بغداد وأربيل) , وزيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية ، الجنرال مارك ميلي ، السرية إلى “إسرائيل”, ومنها نفذ زيارةً غير شرعية وقحة استفزازية علنية إلى شمال شرق سورية ، أدانتها الخارجية السورية , وإعتبرتها “تمثل انتهاكاً صارخاً لسيادة وحرمة أراضيها ووحدتها”.
بات واضحاً أن الحراك السياسي الحالي في الشرق الأوسط , يكتسب زخماً جديداً , في ضوء الآفاق الجديدة للتقارب الإيراني السعودي ، وزيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو , واللقاءات الهامة التي عقدها مع الرئيس فلاديمير بوتين بحضور وزراء الخارجية والدفاع والمالية ومساعد الرئيس للشؤون الدولية ، تشير بحد ذاتها إلى قائمة ونوعية الموضوعات الهامة التي تمت مناقشتها ، والتي أبدى الطرفان اهتماماً خاصاً بها , والتي بدورها تصب في صالح زيادة تطوير التعاون السوري الروسي في المجالات السياسية والتجارية والإقتصادية والإنسانية، وآفاق التسوية الشاملة للأوضاع في سورية وما حولها , وبتأكيد الرئيس الأسد على حقيقة “حاجة العالم إلى الاستقرار”.
بات من المؤكد أن التراجع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط , سيمنح دول وشعوب المنطقة فرصة استعادة الأمن والإستقرار, خصوصاً مع الحضور الهام للرعاية السياسية والإقتصادية والدبلوماسية الصينية الروسية , لكن هذا لا ينفي حاجة دول وشعوب المنطقة للتعلم من دروس الماضي البعيد والقريب , ولما يعنيه العبث والهيمنة الأمريكية , وأثمانهما الباهظة , للمضي قدماً نحو مستقبلٍ جديد , ترسم ملامحه دول وشعوب المنطقة بأياديها بعيداً عن التدخل الغربي المدمر.
الوسومبشار الأسد محور المقاومة ميشيل كلاغاصي
شاهد أيضاً
نتنياهو بين قرار محكمة الجنايات الدولية وإدارتي بايدن وترامب…بقلم م. ميشال كلاغاصي
بتاريخ 21/11/2024, أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير …