تبدل الحال في الضفة الغربية وبشكل تراكمي من عمليات نضالية نوعية والتي تثبت الاحداث يوما بعد يوم تصاعدها وتميزها تشير وبشكل واضح اننا على طريق التحرير والتخلص من الاحتلال البغيض الذي انتفع وبشكل غير مسبوق من انتهاج طريق المفاوضات العقيمة والعبثية لمدة تزيد عن ربع قرن من قبل زمرة تحكمت في القرارات المفصلية والمصيرية للشعب الفلسطيني. نقول زمرة عن قصد لان هذا هو الواقع وهذه الزمرة حاولت تخدير الشعب الفلسطيني وإيهامه بأن الدولة الوهمية هي على قاب قوسين وأغرقت الانسان العادي بالديون البنكية فحسب الكثيرين ان مستوى معيشتهم قد ارتفع ليصحوا بعدها ويدركوا ان كل هذا لم يكن الا سرابا وأن عليهم ان يعملوا ليلا ونهارا لسداد الديون التي تراكمت عليهم وليصبح همهم الأساسي في الحياة هو تدبير لقمة العيش لعائلتهم. هذا عدا عن تكوين جيش من المرتزقة والسحيجة والمطبلين والمزمرين اللذين انتفعوا من الوضع القائم على المستوى المادي من خلال النظام الإداري والسياسي والاقتصادي والمؤسساتي الفاسد التي أقامته السلطة التي اصبح شعارها “من ليس فاسد او نستطيع إفساده ليس منا” . هذا عدا عن الإرث التاريخي الذي كرس عبادة القائد والتنظيم بكل معنى الكلمة خاصة لأكبر فصيل على الساحة الفلسطينية وانتقاله بقرار فوقي من حالة النضال والمقاومة الى مرحلة التي ساد فيها وهم بناء الدولة تحت الاحتلال وإسقاط البندقية قبل ان يحصل اية مكاسب سياسية ونشر الوهم الكاذب انه باستطاعتنا تحقيق التحرر وفرض السيادة من خلال المفاوضات مع العدو الصهيوني وبدعم من الرباعية والمجتمع الدولي وهو ما أوصلنا الى ما نحن عليه الان ولا داعي للتفصيل فالجميع يدرك الحال في الأراضي المحتلة.
ما نراه الان في الضفة الغربية يرسخ المقولة الصحيحة والمستمدة من كل حركات التحرر في العالم القديم والحديث وهي أن الاحتلال أي احتلال لا يمكن ان يرحل طالما ان مشروعه الاحتلالي يحقق له المكاسب وخاصة المكاسب المادية والقدرة على التوسع العدواني الجغرافي كما هي الحالة المميزة في فلسطين حيث عمد الكيان الصهيوني الى ضم وقضم ومصادرة مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية داخل وخارج الخط الأخضر والتي لم تكن أساسا ضمن قرار التقسيم الظالم الذي أقرته جورا الأمم المتحدة عام 48.
ولجعل المشروع الاحتلال خاسرا وعلى جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والبشرية لا بد من وجود مقاومة شرسة تمتلك العزيمة والإصرار والقدرة على الاستمرار بغض النظر عن التضحيات. فطريق التحرير لم يكن يوما ولن يكون مفروشا بالزهور هكذا علمنا التاريخ منذ الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية حيث قتل عشرات الملايين على الجبهة الروسية وقتل الملايين من الشعب الفيتنامي ولاوس وكمبوديا والجزائر وغيرها في سبيل التحرير وفرض السيادة. والشعب الفلسطيني قدم عشرات وربما مئات الاف من الشهداء على هذا الطريق قبل ان يقوم الفصيل المتحكم بمنظمة التحرير الفلسطينية الى التخلي عن البندقية والكفاح المسلح كوسيلة أساسية للتحرير.
ما نراه اليوم ولو بشكله الجنيني هو الرجوع الى هذا النهج نهج المقاومة المسلحة في الضفة الغربية بعد سنين عجاف لهذا النهج المقاوم. وما تشكيل الكتائب هنا وهناك والاشتباكات المسلحة اليومية وامتدادها الجغرافي الا دليل على تبني هذا النهج. نحن ندرك تمام الادراك ان العميلة النضالية هي عملية متراكمة وبحاجة الى الاستمرار وتطوير سبل واليات النضال، ولكننا في نفس الوقت مدركين ومن خلال قراءة الواقع الميداني اننا أصبحنا السير على هذا النهج بأقدام ثابتة على الأرض.
المقاومة أيضا بحاجة الى حاضنة شعبية والتفاف شعبي حولها وحول النهج الذي تؤمن به وتمارسه على الأرض. والاحداث في الضفة الغربية تؤشر بوضوح الى الالتفاف الشعبي المتنامي والواسع للمقاومة المسلحة المتنامية في الضفة الغربية. والدليل على ذلك هو الاستجابة التي وصلت الى درجة عالية للإضراب العام الذي عم معظم المدن في الضفة الغربية على أثر استشهاد مقاومين كما حدث عند استشهاد عدي التميمي على سبيل المثال لا الحصر. وتلبية الجماهير والأهالي في نابلس وغيرها من المدن عند منتصف الليل الى الشوارع والتكبير من على أسطح المنازل تلبية لعرين الأسود. وصمود أهالي مخيم شعفاط ونابلس بالرغم من الحصار المطبق الذي فرضته قوات الاحتلال وعلى مدى أيام والتصدي لمحاولة الاقتحامات على المستوى الشعبي لعرقلة او منع اعتقال المقاومين وكذلك الحال في مخيم جنين الصامد.
هذه الحالة الثورية المقاومة المستمرة على رقعة جغرافية متسعة تربك العدو ومخططاته وتضع حائلا امام تمكنه من الاستفراد بمنطقة دون الأخرى والوصول الى درجة فقدان سيطرته على الوضع الأمني في المناطق المحتلة والذي تكون مصحوبة بخسارة بشرية واقتصادية وإعلامية. فأحداث القدس على سبيل المثال في فترة الموسم السياحي كانت كلفته الاقتصادية كبيرة مع الغاء عشرات الرحلات السياحية التي كانت مقررة مسبقا وكذلك النقل المباشر بالصورة لما جرى ويجري في الشيخ جراح وسلوان والمسجد الأقصى أفقد العدو الصهيوني جانبا وركيزة مهمة في الجانب الإعلامي وهو يرى ملايين الناس تتابع الاحداث على شبكات التواصل الاجتماعي من جميع أنحاء العالم. ولا بد لنا من متابعة الهجرة العكسية من داخل الكيان الصهيوني والتفسخ الاجتماعي الذي أصاب بنيته والتي تشتد مع تصاعد المقاومة الفلسطينية الى جانب ظهور العديد من الكتاب والمفكرين الصهاينة اللذين بدأوا يعبرون من خلال كتاباتهم او تصريحاتهم ان الكيان الصهيوني ذاهب الى الهاوية والبعض أصبح يشكك في إمكانية بقاءه وانه بتعرض لخطر وجودي وأن الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال لن تختفي. كل هذه مجتمعة وتصاعدها تؤكد عدم قدرة الكيان على السيطرة بالرغم من كل السبل العدوانية التي اتبعها ليس هذا وحسب، بل ان الحالة انتقلت للتأثير على مكونات مجتمعه داخليا. وتؤكد وتشير الى الازمة البنيوية الداخلية التي يعاني منها هذا الكيان العنصري.
لكل هذه العوامل التي استعرضت يمكن الاستخلاص أننا على طريق إزالة الاحتلال وتداعياته وخاصة ان معظم الشعب أصبح لديه قناعة وإيمان بأن المقاومة المسلحة المتزاوجة مع المقاومة الشعبية والحاضنة الجماهيرية هي الطريق الأمثل لكنس الاحتلال.
كاتب وأكاديمي فلسطيني