لماذا كل هذه الضجة بشأن فنزويلا؟ فهذه ليست هي المرة الأولى ولا الأخيرة التي يتدخل فيها الأمريكيون في شؤون دولة في أمريكا اللاتينية.. فما الجديد؟ الجديد هو التغييرات الجوهرية في موازين القوة، فأمريكا اليوم غير أمريكا في الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضي، عندما كانت تتدخل متى شاءت وكيفما شاءت.. فمن جهة، هناك تراجع ملحوظ في قدراتها السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية، ومن جهة أخرى، هناك صعود للقوى الذاتية لعدد من الدول مثل روسيا والصين وحتى بعض الدول في أمريكا اللاتينية.
ما يدور في فنزويلا وحالة الصرع الأمريكي والإصرار على محاولة إسقاط النظام فيها لا يمكن فهمه إلى من خلال عدّه مفصلاً رئيساً آخر للصراع الدائر على الساحة الدولية لإحداث تغيير جوهري في النظام العالمي وتحويله من أحادي القطب إلى نظام متعدد الأقطاب للتخلص من الهيمنة والتسلط الأمريكي وطي صفحة أحادية القطب التي فرضتها أمريكا على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك جمهورياته ما أعطى الفرصة الذهبية لأمريكا لتصول وتجول في الكون وتغزو دولاً سيادية من دون أن تجد مَنْ يقف ليردعها عن عربدتها السياسية والعسكرية التي اتخذتها وسيلةً لبناء الإمبراطورية الكونية الأمريكية وتحقيق حلم المحافظين الجدد، وبدأ التحول الفعلي مع ظهور دول وتكتلات اقتصادية وسياسية على الساحة الدولية تترأسها روسيا والصين بدأت تجد لها موطئ قدم على الساحة الدولية تلجم بها الرعونة الأمريكية وتضع حداً لها.
نعم.. فكما كان النفط في منطقتنا العربية أحد العناصر الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، فإن النفط الموجود على أبواب الولايات المتحدة والمتمثل بالاحتياطات النفطية الهائلة لدى فنزويلا هو الدافع الأول، إن لم نقل الأهم، في العدوان المفاجئ على ذلك البلد، ولقد أفصح عن ذلك بكل وضوح ومن دون مواربة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون عندما قال إنه يريد أن يكون النفط الفنزويلي تحت سيطرة الشركات النفطية الأمريكية الكبرى ويقدر بـ 300 مليار برميل وهو أكبر احتياطي في العالم، إضافة إلى البوكسيت والفحم والحديد والذهب كما أن فنزويلا ثالث منتج ومصدر للفحم والثانية في احتياطي الذهب، فلا عجب إذاً أن تثير تلك الثروات أطماع الشركات الأمريكية الكبرى وتجعل لعابها يسيل.