الدكتور بهيج سكاكيني |
فشلت محاولات الادارات الامريكية المتعاقبة وكذلك وكالة المخابرات المركزية الامريكية في تركيع الشعب الفنزويلي والقيادة السياسية للبلاد منذ تولي الرئيس شافيز الحكم بانتخابات رئاسية نزيهة عام 1999 ومجيء خلفه الرئيس مادورو بعد وفاة شافيز بالسرطان. كلاهما جاء بانتخابات عامة للرئاسة ولكن هذا العرس الديمقراطي لم يأتي على المقاسات والنوايا الامريكية لان فنزويلا لم تعد تستظل بالمظلة الامريكية ولم تعد من العبيد والادوات المنفذة للاسترايجية الامريكية سواء في أمريكا اللاتينية والتي كانت تعتبر لوقت قريب “الحديقة الخلفية” للولايات المتحدة.
ومن هنا عملت الولايات المتحدة جاهدة على تغيير النظام في فنزويلا غير آبهة بإرادة الشعب الفنزويلي ومن هنا عمدت على العمل مع المعارضة اليمينية في فنزويلا الى جانب المنظمات الغير حكومية وأغدقدت الاموال عليها في سبيل إثارة الفوضى في البلاد عن طريق النزول الى الشارع بمظاهرات لنشر الفوضى وإحداث “ثورة ملونة” على غرار ما حصل في جورجيا وأوكرانيا. فشلت هذه المحاولات فشلا ذريعا في عهدي شافيز ومادورو. الى جانب ذلك لجأت الى محاولات الاغتيال حيث تعرض الرئيس شافييز الى ثلاثة محاولات إغتيال والرئيس مادورو الى محاولة إغتيال مؤخرا بطائرة مسيرة تحمل صواريخ موجهة. وفشلت ايضا هذه المحاولة. الى جانب ذلك قامت المخابرات المركزية الامريكية بتدريب وتسليح المعارضة وبعض المرتزقة في كولومبيا للقيام بالاعتداء على بعض مركز الجيش الفنزويلي المتاخمة للحدود مع كولومبيا ولكن تم التصدي لها. بعد كل هذا الفشل التي منيت به الولايات المتحدة وعدم مقدرتها بالتدخل العسكري المباشر رغم التهديدات بفعل ذلك لجأت الى الحرب الاقتصادية بالتآمر مع البرجوازية ورجال الاعمال وأصحاب الشركات الفزوليين حيث قامت بعض الشركات وخاصة التي تنتج المواد التموينية الاساسية بتهريب انتاجها بل وحتى تدمير الانتاج خارج حدود فنزويلا وذلك لخلق نقص شديد لهذه المواد من على رفوف الاسواق والمحلات حتى تثير النقمة على الحكومة. ولم تكتفي الولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها فقد قامت الولايات المتحدة بالضغط على السعودية للتلاعب بأسعار النفط العالمية قبل عدة سنوات من ضمن حملتها العدوانية ضد إيران وروسيا الاتحادية ولقد تضرر الاقتصاد الفنزويلي بالنخفاض الحاد لهذه السلعة التي تلعب دورا وركنا اساسيا في لإقتصاد البلاد. كل هذا في مسلسل اسقاط النظام عن طريق خلق حالة تذمر شعبي واسع يؤدي الى إسقاط النظام الشرعي. والان تدرس الادارة الامريكية وضع قيود على استيراد الذهب من فنزويلا بعد ان وضعت قيود على استيراد النفط الفنزويلي ووضع قيود على الشركات والدول التي تستورد النفط الفنزويلي والان تدخل سلعة اخرى تحت مظلة هذا العدوان الاقتصادي في مسلسل “تغيير النظام”.
إن الفشل الذريع التي منيت به الولايات المتحدة في فنزويلا للان يعود الى عدة اسباب. ربما اولها يكمن في الحقيقة ان الوضع الدولي الان مخالف تماما للفترة التي صالت وجالت بها الولايات المتحدة في العالم بعد إنهيار الاتحاد السوفيات وتفكك جمهورياته التي اصبح العديد منها اعضاء في حلف الناتو. الوضع الان تغير بوجود قوى ناهضة إقتصاديا وسياسيا وعسكريا مثل روسيا الاتحادية والصين الى جانب تكتلات دولية لها اجندات مختلفة عن أجندات الولايات المتحدة مثل منظمة شنغهاي على سبيل المثال. وهذه ابدت استعدادها للتعامل مع الصادرات النفطية الفنزويلية خارج إطار الدولار الامريكي. وبالتالي فإن فنزويلا لا تجد نفسها معزولة على الساحة الدولية ويمكن الاستفراد بها كما استفردت الولايات المتحدة بالعراق على سبيل المثال عندما غزت البد عام 2003 . الى جانب ذلك فإن وضع امريكا اللاتينية هو مختلف عما كان الحال منذ عقود. فهنالك دولا تدعم فنزويلا في مجابهتها للسياسة العدوانية الامريكية مثل بوليفيا وكوبا على وجه التحديد.
هذا العامل الدولي والاقليمي الداعم لصمود فنزويلا يقابله عاملا داخليا لا يقل اهمية عنه إن لم يكن أكثر أهمية في تقديري المتواضع. اولها يكمن في الدعم التي تلقاه الحكومة الافنزويلية وقيادتها السياسية منذ شافييز للان من قبل الطبقات المسحوقة والفقيرة الى جانب الطبقة العاملة. وهذا الدعم يكمن لما تحقق من إنجازات ادت الى تحسين الاوضاع المعيشية بشكل ملموس وهي الفئات التي كانت محرومة ومهمشة لإقتصاديا وسياسيا وإجتماعيا قبل مجيء شافييز الى الحكم عام 1999 . ولقد تجلى هذا الدعم بنتائج الانتخابات المحلية والرئاسية وخروج الالاف من هذه الفئة المحرومة الى الشوراع دفاعا عن مكتسباتها عندما قامت المظاهرات التي نظمتها المعارضة بالتنسيق مع اجهزة المحخابرات المركزية في شوارع العاصمة كاراكاس من اجل اسقاط النظام “بثورة ملونة”.
العامل الداخلي الثاني الهام للغاية هو وقوف الجيش الفنزويلي الوطني للدفاع عن النظام والحكومة. ولم تنجح محاولات شراء الجيش وقياداته للقيام بإنقلاب عسكري على غرار ما جرى في تشيلي على سبيل المثال عام 1973 عندما اطيح بالرئيس سيلفادر اليندي المنتخب من قبل الشعب بإنقلاب عسكري دموي قاده السفاح ورجل المخابرات الامريكية بينوشية. وما يجدر التنويه اليه هنا ان الجيش الوطني الفنزويلي تم بناءه بمساعدة كوبا اثناء حكم القائد الاممي كاسترو. وهذا الجيش هو من اعاد الرئيس شافييز بعد 24 ساعة بعد إختطافه ومحاولة إنقلاب “عسكري مدني” عليه وبعد مظاهرات عارمة من فقراء الوطن.
فنزويلا باقية بقياداتها وشعبها وجيشها الوطني هذه المعادلة الذهبية والثالوث المقدس الذي نجح في سوريا ونجح في لبنان سينجح وينتصر في هذا البلد العظيم.