إن المتابع لكلمات وبيانات الامام السيد الخامنئي، التي عادة ما يلقيها امام مسؤولي بلاده وكوادرها، عند زيارتهم له في مقر إقامته بالعاصمة طهران، باستطاعته ان يدرك دون ادنى عناء، ان هذا الرجل قد اوتي من البصيرة النافذة، والمعرفة الدقيقة بالمستجدات الحاصلة، على الساحة الايرانية والعالمية على حد سواء.
وقد برهن في مناسبات عديدة، انه جدير بقيادة، ليس ايران فحسب، بل وقيادة هذا العالم، وانتشاله من زيف الديمقراطية الكاذبة، والنظريات البشرية العاجزة، عن تحقيق حد ادنى من العدل بين البشر.
استلم دفة القيادة بعد رحيل الامان الخميني، وهو الذي كاد يشد الرحال قبله، اثر عملية اغتيال ارهابية في 27/6/1981، لكن الله سلم لهذه الامة هذا القائد الفذ، فأنجاه من موت محقق، ولولا عنايته به، لكان منذ ذلك التاريخ في عداد القادة الشهداء الذين لبوا نداء بارئهم.
ولا يختلف معي موال لهذا الخط المحمدي الصادق في القول، بان الله ادّخره واستبقاه، ليكون صمام امان ايران ومحور مقاومتها، وتاج سياسة تعلمت من مدرسة محمد وعلي، مبدأ اساسيا يختزل التوحيد، ان الله مع العبد طالما ان العبد مع الله، وعلى اثر علي واهل بيته عليهم السلام، مضى القائد السيد علي يشق طريق النظام الاسلامي، وسط غابة من المؤامرات والعقبات، وكان النجاح حليف آرائه الصائبة و نصائحه الحكيمة.
ففي خصوص الملف النووي 5+1، وبعد مفاوضات مضنية ابرم الاتفاق، وشكل ذلك انتصارا سياسيا باهرا للدبلوماسية الاسلامية الايرانية، عبر فيه الشعب الايراني عن فرحة تلقائية، اخرجته الى شوارع مدنه، معبرا عن فرحته بذلك الانتصار، لكن الامام الخامنئي حينها لم يكن متفائلا ولا متحمسا، بل كان في نظرته الاستشرافية، مستبقا نتائج ما بعد الاتفاق، منبها الى ضرورة عدم الاعتماد على وعود الغرب ومواثيقه، وتبين بمرور الوقت، ان الوعود الاوروبية بقيت مجرد محاولات فاشلة، لم تتمكن من كسر اجراءات الحضر الامريكية، وان الاستفادة الايرانية من الاتفاق بقيت حبرا على ورق.
الانجرار الى مزاعم الغرب وفخاخه، مخططات جهزها أعداء إيران، وباشروا العمل عليها، كلما سنحت لهم بذلك فرصة، وقد حذّر الامام الخامنئي المسؤولين والشعب من تصديق وعود أمريكا وحلفائها، والانجرار وراء دعواتها التي لا يوجد فيها مصلحة واحدة تفيد إيران.
ويبدو ان أمريكا قد بدأت تشعر بخيبة فيما أقدمت عليه من اجراءات ظالمة بحق إيران، جراء سلبيّة ما أمّلته من نتائج كانت ترجوها، ولم تجد بدّا من تحريك ورقة المؤامرة الداخلية اقتناصا لفرصة رفع سعر المحروقات لفائدة الفئات الفقيرة، ولكن حنكة النظام الاسلامي في التعامل مع الأزمات الطارئة، ووعي الشعب الايراني، في عدم الانجرار وراء دعوات شاذّة، أقلّ ما يقال عنها انها مشبوهة منذ البداية، أفشل امكانية استثمارها داخليا لتعمّ البلاد، واختتم الشعب الايراني مراسم دفن تلك المؤامرة في تظاهرات حاشدة في مختلف، المدن منددا بالتدخل السافر الذي قامت به أمريكا والقوى الخليجية العملية لها، لبث اعمال الحرق والتخريب، طالت مؤسسات بنكية وخدمية في مناطق محددة وأجهضت في وقتها.
الامام الخامنئي ولدى استقباله لفيفا من المنتجين والمبدعين والناشطين الاقتصاديين مساء الثلاثاء2019/11/19 عبّر عن وجهة نظره الصائبة في التعامل مع المستجدات الحاصلة على الساحة الداخلية والدولية، فقال من بين ما خطب به متوجّها الى هؤلاء الصناعييين: إننا سنحول الحظر من تهديد الى فرصة ان شاء الله تعالى، عبر الاستفادة من الطاقات منقطعة النظير، التي تم استثمار بعضها فقط، وبفضل جهود الناشطين الاقتصاديين.. لو تمكّن الشعب الايراني والناشطون الاقتصاديون والمفكرون في البلاد، من اجهاض تأثيرات الحظر، عبر الاعتماد على الطاقات الداخلية، فإن فارض الحظر سيكف عن الاستمرار فيه، لأنه سيتضرر من جراء ذلك.
الحرب الاقتصادية التي شنتها أمريكا على ايران منذ 40 عاما، استطاعت أن تكبح من جماح النهوض الاقتصادي الشامل بالبلاد، لكنها لم تنجح في خنقه واطفاء روحه المقاومة، بفضل حكمة القيادة والاسلامية، وارادة الشعب وقواه المؤمنة بمستقبله المشرق، ومنذ ان أعلن الامام الخامنئي سنة 2010 عن بدء نوع آخر من مقاومة الاستكبار الامريكي الصهيوني الغربي، تحت عنوان اقتصاد المقاومة، تصدّيا لحالة التكالب التي تستهدف النظام الاسلامي على جميع الأصعدة، السياسية والاعلامية والعسكرية والاقتصادية، فإن دعوة قائد الثورة الاسلامية الى ابنائه ببذل الجهود الصادقة، من أجل توفير حاجيات البلاد من التكنولوجيا داخليا، دون الاعتماد على الخارج، فلا يجب عليهم انتظار تغير موقف، أو حسنة تبدر من هؤلاء الذين وضعوا انفسهم موضع العداء لإيران.
وفي كلمته الأخيرة الى نخبة إيران من المبدعين والصناعيين قال: ليعلم الاصدقاء والاعداء، بان الشعب الايراني مثلما فرض التقهقهر على العدو في سوح الحرب العسكرية والسياسية والامنية (كالممارسات التي جرت خلال الأيام الاخيرة والتي لم تكن ممارسات شعبية) سيفرض بفضل الله تعالى التقهقهر على العدو في ساحة الحرب الاقتصادية ايضا بالتأكيد، ومع مواصلته الحركة الراهنة في مسار ازدهار الانتاج والتقدم الاقتصادي، سيحقق الافق الوضّاء لمستقبله.
امريكا التي وصفها الامام الخميني مؤسس الثروة والنظام الاسلامي في ايران بالشيطان الأكبر، كان يدرك بذلك الوصف أنها من أسوأ شياطين الإنس، وعلامته التي علّمها بها، كانت بحق خطا أحمر غير قابل للخرق داخليا، صان به الشعب الايراني من أعمالها التخريبية الكثيرة، وهذا بحد ذاته انجاز وقيمة ثورية عالية، أخرجت ايران نهائيا من دائرة الهيمنة الامريكية الصهيونية الغربية، لتشكل بمواقفها نواة الدول الحرّة المقاومة لمنظومات الاستكبار والشيطنة في العالم، نجاح ايران اصبح اليوم قيمة ثابتة في عالم السياسة ومنسوبا مرتفعا في دنيا القيم والمبادئ، ولا ينكر ما وصلت اليه من قوة واقتدار على اصعدة عدة ومجالات مختلفة الا أعمى البصيرة.
فشل امريكا في فعل شيء يعرقل إيران، جعلها تلتجئ الى طريق تخويف عملائها وأوليائها في الخليج، لترفع من منسوب التوتر الوهمي في المنطقة، لعلها تتمكن من صياغة تحالف جديد ضدها، لكن مؤتمراتها التي تقام في البحرين وغيرها بإدارتها، لم تفلح الى اليوم في صياغة شيء يؤدّي الى ما تصبو اليه، سوى الضجيج الاعلامي وتهويل الاوهام بشأن إيران، وهي اساليب اثبتت عقمها على مدى عشرية من الزمن.