في درس كبير لم تستوعب معانيه وأبعاده حكومات العالم، بما كشفته من تصرفات أنانية، في مواجهة جائحة كوفيد19، أثبتت فيها أنها لا تزال بعيدة عن التعاون والتضامن الدّولي – باستثناء بعض الدول التي سارعت الى المساعدة – درس وضعنا مكرهين أمام حقيقة تقول: ان العهود والمواثيق ومنظماتها الدّولية، لم ترقى يوما الى طموحات الشعوب، وكانت على مدى سيرتها، محكومة بغطرسة ونفوذ قطب واحد، ظهر عليه الهرم والضعف اخيرا.
أمريكا التي استأثرت لنفسها بنصيب الأسد، بالقوة الاقتصادية والعسكرية، من مقدّرات دول العالم الثالث، بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية، تحاول اليوم جاهدة البقاء على عرش سيطرتها، بنفس العقلية الاستكبارية البائدة، والتي لم تعد تعطي تأثيرها وأُكلها كما كان سابقا، بسبب أنّ العالم بدأ يتغير اليوم وأمريكا باقية على غطرستها السياسية، وحلفاءها وعملاءها لم يتغيروا بدورهم، حيث لا يزالون مخدوعين بعنوان القوة الأمريكية، الذي اعتقدوه سبيلا لتفيئ ظلال أمانه الزائف عند الحاجة.
وبينما تواجه دول العالم فايروس كورونا، الذي انتشر خلال أسابيع معدودة، وضرب حصارا على أكبر دول العالم تقدما وامكانيات، بعدما باءت بالعجز أمامه، ولم تستطع حتى وقف انتشاره- أمريكا نموذجا- يبدو اليمن المنسي بأكاذيب واراجيف حلفاء أمريكا – التي تريد السيطرة عليه بأيد عربية عفنة – لما لا يخفى من موقعه الاستراتيجي – مضيق باب المندب- ومدّخراته النفطية – الجوف ومأرب- التي أسالت لعاب اطماعهم، فلا الشرعية التي يتذرعون بها في عدوانهم على اليمن منذ خمس سنوات – ولا حياة لمن تنادي- شرعية حقيقة، ولا مبادراتهم المغشوشة، التي يظهرون بها كل مرّة رؤوسهم الخبيثة على العالم خداعا وغدرا، وآخرها وقف اطلاق النار لمدّة أسبوعين، ابتداء من الخميس 9/4/2020 من جانب تحالف النظام السعودي، لم يكن سوى خطة من أجل استرجاع انفاس مرتزقته، الذين انهزموا من محافظة الجوف، وتستعد مأرب بدورها للعودة الى شرعية الثورة اليمينة الحقيقية.
عجز التحالف الأعرابي في تحقيق اهداف مشتركة مع الغرب، دفع بأمريكا وحليفتها بريطانيا، الى المشاركة الفعلية في القتال الميداني في اليمن، بعد هبوط مئات من الجنود البريطانيين والامريكيين، في خليج عدن وباب المندب، سعيا لقلب الموازين العسكرية الميدانية لفائدة حلفائهما، بعدما تبيّن لهما أن المشاركة بالغارات الجويّة، والدعم اللوجستي التقني في تسيير المعارك واحداثيات طائرات التجسس، لم تعد كافية بالنظر الى النتائج الحاصلة على الميدان.
وطبيعي أن خدعة وقف اطلاق النار التي اعلنتها قيادة التحالف الأعرابي لم تنطلي على الجيش اليمني وحلفاءه، فقيادته خبرت حقيقة نوايا الأعداء، وتكرار مقترحات تبين في السابق، أنها مجرّد دعايات كاذبة، وقد صرّح محمد البخيتي عضو المكتب السياسي في أنصار الله، أنّ النظام السعودي – قائد التحالف ضد اليمن – قد انتهك سريعا وقف إطلاق النار، وهي عادة جبل عليها، واستمر في عدوانه العسكري على اليمن، وألمح من جهة أخرى، الى أنّ الأضرار التي سببها الحصار المطبق المفروض على اليمن، بشكّل عائقا كبيرا من اجل توفير أساسيات العيش للمدنيين يمنيين (ادوية اغذية تجهيزات طبية وضروريات اخرى مدنية) وإعاقة متعمّدة، تعتبر أكبر من الخسائر التي تسببت بها الهجمات العسكرية منذ بدء العدوان، وأن أي مبادرة لإنهاء الأعمال العدوانية، من دون رفع الحصار عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء لا معنى لها في الواقع، ولا يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار.
وما حدث بعد اعلان وقف اطلاق النار من جانب واحد لمدة اسبوعين في اليمن ، أنه لم يصمد يومين فقد خرقته 25غارة جوية ، أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد الركن يحيى ساري الأحد 12 أفريل، أن محطتي (قانية وصروة) الموجودين على التوالي في محافظتي البيضاء ومأرب كانتا عرضة لضربات من قبل، طائرات العدوان منذ يوم السبت 11 أبريل، وقال: إن القوات اليمنية صدت هجمات برّية تزامنت مع الغارات المكثفة، مضيفا أن عشرات المرتزقة قتلوا أو جرحوا، دون إحراز تقدم ملموس.
ويبدو أن امتلاك القوات اليمنية مضادات للطائرات قد خفف من حدة الغارات الجوية، وقلب السياحة الجوية لطائرات العدوان الى خطر محدق بها كلما كانت في مرمى المضادات DCA الجويّة، وبتطوّر وسائل الدفاع اليمنية الشرعية، يزداد وضع تحالف العدوان تأزما في المستنقع اليمني الذي تسببت فيه أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني الذي لن تعد مصلحته خافية ولا حتى مشاركته في العدوان.
اليمن العصيّ على المعتدين منذ غابر التاريخ ولن يتغير اليمن مهما احتشد ضده المرتزقة، وهما تفننت دول الاجرام بحق حرّية الشعوب، في دعاياتها المضللة لإخفاء حقيقة ما يجري على ارض اليمن من جرائم تسببت في مقتل اكثر من مائة ألف يمني وتدمير اغلب بناه التحتية، وما يخشى عليه في هذه الظروف دخول وباء كورونا الى شعبه، وهو لا يمتلك شيئا من وسائل الوقاية والحماية والعلاج.
إن العدوان المسلط على اليمن، ظلم اشتركت فيه دول العالم، باستثناء بعضها، وقف في وجهه احرار اليمن، وأعتقد أن أحرار العالم، سيكونون الى جانب إخوانهم، يشدّون إزرهم في مظلمتهم، وإن وباء كورونا سيكون أرحم من العدوان، وأكثر شهامة من أن يدخل اليمن، ويتحالف من جهته مع المجرمين بحق شعبه، وإن حصل ودخل اليمن، بتواطؤ مع من لهم مصلحة في تركيع اليمن، وفي مقدمتهم النظام السعودي، حينها سيتأكّد العالم أنها كورونا سعودية، وليست فارسية كما سبق من دعاية الذين لا يعقلون.
الأوبئة تزول اخطارها، ويبقى الظلم الخطر الأكبر الذي يتهدد شعوب العالم، جرائم مروعة وضحايا بلا حصر، وتاريخا يذكّرنا دائما بأدواته الشيطانية، وزبانيته من المشتركين فيه والساكتين عليه.