يسعدني أن أتقدم بالتهنئة والمباركة، إلى مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه، ولقائد الثلة المؤمنة الصالحة، وليّ الفقيه السيد علي الحسيني الخامنئي دام ظله، ولمراجعنا العظام وللأمّة الإسلامية كافّة، بمناسبة ذكرى ولادة وليّ كل مؤمن ومؤمنة ،الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، في 13 من شهر رجب الأصبّ، في شهر الله المحرّم، وفي بيته المُحرّم، نزل ميمونا مباركا طاهرا، تلقته ملائكة الرحمان عليهم السلام، في مسجده الحرام وفي بيته الحرام كعبة التوحيد والتنزيه من الشرك(1)، بالتسابيح والتهاليل والسلام، ثم كفله أفضل خلق الله النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، ليدْرُجَ في كنفِهِ متأدّبا بآدابه، متعلما منه ومختصّا به إتّباعا، فبلغ بذلك ما لم يبلغه غيره، إصطفاءً إلهيّا سنّة الله التي مضت في خلقه، أراد به أن يكون باب هدى يدخله من اتبعه آمِنًا من الزيغ والضلال، رحمة منه وفضلا.
ما كتبته عن سيّد العرب عليه السلام، وما سأكتبه عنه مستقبلا، إن بقي لي في العمُرِ بقية، لن يفي بحقه مهما اجتهدت، ولن يبلغ جزءا بسيطا من مكارم شخصه وحقيقته المقدّسة، وما خصّه الله به من دون خلقه، بعد أخيه أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هو نفحة روح طارت شوقا إليه، وحطّت بين فضائله الظاهرة، فحارت بأيّها تبدأ، وبأيّها تقدّم وتختم، فلم يسعها ذلك، سوى الإقرار بالعجز، أمام كثرة حاربها المدوّنون والرّواة إخفاء وتوهينا كلّ بدافعه، وإن اجتمعت مواقفهم على حجب ما امكنهم منها على الناس، إلّا أنهم لم يفلحوا في الإتّفاق على ما رأوا فيه مساسا بأصنام نصبها أسيادهم ليبقوا متستّرين بدين بلا رأس، وعقيدة سُحِبَ منها اسم القدوة والقائد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ليركب قليل العلم والفاسق والفاجر في غيابها ظهور أجيال الأمة، لتضيع جهودها في خدمة الباطل.
عليّ إسم روحاني، مشتقّ من اسم الله العليّ، وعليّ هذا الذي سطّر ملحمة الإسلام، ووقائعه الكبرى حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ملأ الله قلبه معرفة وعلما، وترك لأتباعه ميراث فكر إسلامي محمّديّ، احتارت فيه عقول المسلمين وغيرهم، فأحبّه من أحبّه منهم، وقد علمنا جميعا أن حبّ عليّ إيمان وبغضه نفاق( لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق)(2)، وفي هذا وحده ميزان يفرق الله به منهاج الحق من سُبُلِ الباطل، من سلك نهج علي فقد أمّن نفسه من الزّيغ والضلال كما جاء في وصيّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمار: (يا عمار إذا رأيت عليا سلك واديا وسلك الناس واديا فاسلك مع علي ودع الناس فإنه لن يدخلك في أذى ولن يخرجك من الهدى) (3)( علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)(4) (علي مع الحق والحقّ مع علي لا يفترقان)(5) (عليّ وليّ كل مؤمن ومؤمنة بعدي)(6) فمن أوكد شرائط الإيمان حب علي على أساس أنه وليّ المؤمنين بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والحبّ هنا يفيد الإتّباع، لأن الحب بدون اتّباع، مجرّد ادّعاء بلا دعوى تثبته واقعا قال تعالى: (قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله) (7)
ومن مصاديق إتّباع الإمام علي ما ظهر لنا من سيرة عمار بن ياسر رضوان الله عليه، فكان نموذجا مُعْتَبَرا في مدى ولائه لمولاه عليّ، طوال الفترة التي عاشها بعد النبي الى أن رزقه الله الشهادة وهو شيخ تجاوز التسعين عاما في وقعة صفّين في مواجهة القاسطين من بني أميّة وأتباعهم، وقد وجدت هذه الرواية العالية المضامين الروحية قالها النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، مبيّنا بعض ما خفي عنا في هذا الزّمن، الذي أصبح فيه تابع علي بن أبي طالب عليه السلام متّهما في دينه، بينما يزكّى صاحب البدعة الحقيقي، في إتّباعه للسلطان الظالم الغاشم، وهو منتهى الحيف بحق منهج محمّدي أصيل سطّر أئمته الهداة وأتباعهم التقاة، أروع الأمثلة في الفداء والتضحية وخدمة الإسلام وأهله، فهنيئا لمن عرف الحق وعرف أهله فاتبع نهجهم وركب سفينة نجاتهم، ختام هذه الكلمات هذه الرّواية، عن عمار بن ياسر قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي:
يا علي، ان الله عز وجل قد زينك بزينة، لم يتزين العباد بزينة أحب اليه منها: الزهد في الدنيا، فجعلك لا تنال من الدنيا شيئا، ولا تنال الدنيا منك شيئا، ووهب لك حب المساكين، ورضوا بك إماما، ورضيت بهم اتباعا، فطوبى لمن احبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك، فأما الذين أحبوك وصدقوا فيك، فهم جيرانك في دارك، ورفقاؤك في قصرك، وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك، فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة.(8)
نسأل الله تعالى ان يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، ويستجيب للنّصائح النّبوية فيلبّي نداءاتها، ويضع نفسه قانعا راضيا على المحجة البيضاء التي عليها أهل بيت النبي فهي منجاة من الزيغ والضلال في أزمنة كادت معالم الاسلام أن تندثر لولا هؤلاء الهداة الأبرار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصادر
1 – السيرة الحلبية برهان الدين الحلبي ج1ص226/ المستدرك على الصحيحين الحاكم النيسابوري ج3ص483
2 – مسلم النيسابوري باب فضائل الامام علي بن ابي طالب ج1 ص 60 ح78 /سنن النسائي كتاب الايمان وشرائعه ج8ص117ح5022/ سنن ابن ماجة المقدمة ج1ص131ح114/مسند أحمد مسند علي بن أبي طالب ج2ص71ح642
3 – المناقب الخوارزمي الفصل الثامن ص 57/
4 – فرائد السمطين الحمويني الشافعي ج1 ص177 رقم 140.
5 – المستدرك على الصحيحين الحاكم النيسابوري ج3ص134
6 – سنن الترمذي أبواب المناقب ج6ص78ح3712/ مسند أحمد أول مسند البصريين حديث عمران بن حصين ج33ص154ح19928
7 – سورة آل عمران الآية 31
8 – أسد الغابة لابن الأثير ج3ص 597