بقلم شـعبـان يـاسـيـن – كاتب من الجزائر |
يعتبر الـ23 من إكتوبر 1954 يوم مهم في تاريخ الجزائر، أين الْتقى ستة رجال انبثقوا عن مجموعة الـ22 التاريخية ، في بيت سري بحي “لابوانت بيسكاد ” “الريس حميدو ” حاليا بالجزائر العاصمة ، اجتمعوا ليوم كامل درسوا فيه تفجير ثورة التحرير ووضع آخر اللمسات على أعظم قرار اتخذه الجزائريون في تاريخهم ، الستة هم ديدوش مراد ورابح بيطاط والعربي بن المهيدي وكريم بلقاسم ومحمد بوضياف ومصطفى بن بولعيد، كلهم كانوا ملاحقين من القضاء ومن البوليس الفرنسي، كان اجتماع الستة الأخير في الثالث والعشرين من أكتوبر 1954، هو اليوم التاريخي الذي أقر فيه بيان الأول من نوفمبر، وكذلك تسمية جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني ، وتوزيع المهام وإقرارها بشكل نهائي، حيث ورغم نشوب خلاف في حزبهم حزب الشعب (ح. أ. ح. د )، غير أن الأبطال الستة تحذوهم نفس العزيمة، وحرروا عقد ميلاد حركة ت
جديد تدعى جبهة التحرير الوطني وشقها الآخر جيش التحرير الوطني ، أثبتوا للشعب الجزائري بأنهم مستقلون عن الجماعتين اللتين تتصارعان من أجل السلطة، وبأن الكفاح المسلح الذي أعلنوه موجه ضد الاستعمار لا غير، حيث تمّ إقرار التقسيم النهائي للتراب الوطني إلى خمس مناطق وتعيين مسؤوليها وهم: المنطقة الأولى الأوراس: مصطفى بن بولعيد، المنطقة الثانية – الشمال القسنطيني: ديدوش مراد، المنطقة الثالثة – القبائل: كريم بلقاسم ، المنطقة الثالثة – القبائل: كريم بلقاسم، المنطقة الرابعة – العاصمة وضواحيها: رابح بيطاط، المنطقة الخامسة- وهران: محمد العربي بن مهيدي.
وكان بيان الأول من نوفمبر الذي يعد أول برنامج سياسي لجبهة التحرير الوطني، قد جزم أن الثورة المسل
حة هي التي ستحقق استقلال الجزائر، ومن ثم قيام الدولة الجزائرية الديمقراطية التي تلغي التمييز العرقي والديني بين الجزائريين، فبيان الأول من نوفمبر لم يكن إعلانا بتفجير الثورة فقط بل كان يحمل رؤية الدولة القادمة التي يريدها الثوار، ولهذا تمت دعوة الجميع للإلتحاق بالثورة على أن يعود كل حزب ورؤيته في الشكل الذي يريد بعد الاستقلال، وقد كانت بداية الثورة بمشاركة 1200 مجاهد على المستوى الوطني بحوزتهم 400 قطعة سلاح وبضعة قنابل يدوية، وكانت الهجومات تستهدف مراكز الدرك والثكنات العسكرية لفرنسا ومخازن الأسلحة ومصالح إستراتيجية للمستعمر بالإضافة إلى ممتلكات استحوذت عليها فرنسا بالبلاد ،وباعْتراف السلطات الاستعمارية، فإن حصيلة العمليات المسلحة ضد المصالح الفرنسية عبر كل مناطق الجزائر ليلة أول نوفمبر 1954 قد بلغت 30 عملية خلفت مقتل 10 أوربيين وعملاء وجرح 23 منهم وخسائر مادية تقدر بمئات الملايين من العملة الفرنسية، وهكذا بدأت الثورة الجزائرية بفضل قادتها الشجعان خطواتها الأولى بتحقيق الإنتصارات لنيل الاستقلال.
الأبطال الستة… مفجري الثورة الجزائرية
مصطفى بن بولعيد.. أسد الأوراس
مصطفى بن بولعيد من مواليد شهر فيفري 1917 بأريس بولاية باتنة وسط عائلة ثرية ومتشبعة بالقيم الإسلامية، تلقى تعليمه الأول بمسقط رأسه ثم بمدينة باتنة أين إلتحق بمدرسة الأهالي الأنديجان ، كما تلقى تعليما بمدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، هاجر إلى فرنسا سنة 1937 وعرف عن قرب أوضاع الجزائريين هناك، وكوّن نقابة تدافع على حقوقهم عام 1939، أدى الخدمة العسكرية الإجبارية، وأعيد تجنيده أثناء الحرب العالمية الثانية، بدأ نشاطه السياسي في صفوف حزب الشعب منذ الأربعينات إذ كان من أنشط العناصر بالأوراس، وعند نشأة المنظمة الخاصة كان له نشاط دؤوب في تكوين الشبان سياسيا وتدريبهم عسكريا، وأنفق من ماله الخاص لتدريب وتسليح المناضلين، أنشأ مع رفاقه اللجنة الثورية للوحدة والعمل وشارك في إجتماع الـ22 في جوان 1954، وأصبح مسؤولا على المنطقة الأولى (الأوراس)، كما كان عضوا في لجنة الستة وواصل جهاده حتى إستشهد في 22 مارس 1956 إثر إنفجار مذياع مفخخ ألقته القوات الفرنسية.
رابح بيطاط وحكم المؤبد
ولد رابح بيطاط في 19 ديسمبر 1925، وهو عضو مؤسس للجنة الثورية للوحدة والعمل والقيادة التاريخية، ولد بعين الكرمة بولاية قسنطينة بالشرق الجزائري، ناضل في صفوف حركة انتصار الحريات الديمقراطية وكان عضوا في المنظمة السرية، حكم عليه غيابيا بالسجن لعشر سنوات بعد مشاركته في مهاجمة دار البريد بوهران، بيطاط هو عضو مؤسس للجنة الثورية للوحدة والعمل، كان كذلك من بين مجموعة الاثنين والعشرين (22) ومجموعة الستة (6) القادة التاريخيين الذين أعطوا إشارة انطلاق الثورة الجزائرية التحريرية، عين بعدها مسؤولا عن المنطقة الرابعة (الجزائر)، وفي 1955 اعتقلته السلطات الاستعمارية بعد الحكم عليه بالسجن المؤبد ثم أطلق سراحه بعد وقف إطلاق النار في مارس 1962، عين في 27 سبتمبر 1962 نائبا لرئيس مجلس أول حكومة جزائرية ثم استقال بعد ذلك بسنة، و في 10 جويلية 1965 عيّن وزيرا للدولة، بعدها في سنة 1972 عين وزيرا مكلفا بالنقل، وفي مارس 1977 ترأس المجلس الشعبي الوطني، وبعد وفاة الرئيس هواري بومدين في 28 ديسمبر 1978، تقلد بالنيابة رئاسة الجمهورية لمدة 45 يوما، تولى رئاسة المجلس الشعبي الوطني لمدة أربع فترات تشريعية إلى أن قدم استقالته في 2 أكتوبر 1990، وقلد أعلى وسام في الدولة صدر بمناسبة الاحتفال بالذكرى السابعة والثلاثين لعيد الاستقلال في 5 جويلية 1999، توفي يوم 10 أفريل 2000.
كريم بلقاسم.. قائد المنطقة الثالثة
من مواليد 14 ديسمبر 1922 بقرية “تيزرى نعيسي” ”بايت يحيى موسى” بدائرة دراع الميزان، ولاية تيزي وزو، وسط أسرة ميسورة، انضم إلى مدرسة ساروي بالعاصمة ونال منها شهادة الدراسة Certificat D etude، عرف النضال مبكرا إذ انخرط في صفوف حزب الشعب بعد 1945 ومنذ 1947 آمن بفكرة الثورة كخيار وحيد، لذلك لجأ إلى السرية وتحصن بالجبال يكون الخلايا العسكرية لليوم الموعود عند اندلاع الثورة كان أحد مفجريها وأحد قادة جبهة التحرير الوطني منذ النشأة إذ شارك في الاجتماعات التي سبقت أول نوفمبر 1954 عضو مجموعة الستة ، وأصبح قائدا للمنطقة الثالثة القبائل ، وقاد العمليات العسكرية الأولى ضد المراكز والقوات الفرنسية في منطقة القبائل، وأشرف على هيكلة وتأطير المجاهدين بالمنطقة بمساعدة “اعمر اوعمران” و”محمدي السعيد”.شارك في مؤتمر الصومام وصار عضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ بعد مؤتمر الصومام، بعد تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية شغل منصب وزير القوات المسلحة في التشكيلة الأولى، وزير الشؤون الخارجية في الثانية، ووزير الداخلية في التشكيلة الثالثة، شارك في مفاوضات ايفيان وكان من بين الموقعين عليها، أغتيل بعد الاستقلال في 18 أكتوبر 1970 في فندق بمدينة فرانكفورت، بألمانيا.
ديدوش مراد.. النواة السرية للثورة بالعاصمة
ديدوش مراد الملقب بـ سي عبد القادر المولود يوم 13 جويلية 1927 بالمرادية بالعاصمة، من عائلة متواضعة تعود أصولها إلى قرية إبسكريان بدائرة أغريب بولاية تيزي وزو، ولأنه منذ صغره كان يمقت الاستعمار ولدت لديه الرغبة في الثأر لأبناء شعبه حيث انظم منذ 1942 إلى صفوف حزب الشعب وهو لم يبلغ سن 16، بعد سنتين عيّن كمسؤول على أحياء المرادية، المدنية، وبئر مراد رايس، وفي 1946 أنشأ فرقة الكشافة الأمل، وفي 1947 نظم الانتخابات البلدية بناحيته، وكان ديدوش من أبرز أعضاء المنظمة الخاصة، كما تنقل لتنظيم الحملة الانتخابية للجمعية الجزائرية في الغرب الجزائري أين ألقي عليه القبض، إلا أنه استطاع الفرار من مجلس القضاء، وإثر اكتشاف أمر المنظمة الخاصة في مارس 1950، وبعد فشل الإدارة الاستعمارية وضع يدها على الشهيد أصدرت في حقه حكما غيابيا بـ10 سنوات سجنا، ولكن ورغم كل المضايقات التي مارسها الاستعمار ضده إلا أنها باءت بالفشل، حيث كوّن في 1952 رفقة بن بولعيد نواة سرية في العاصمة مهمتها صنع المتفجرات لتحضير اندلاع الثورة، لينتقل فيما بعد إلى فرنسا في مهمّة وإثر عودته إلى العاصمة قام رفقة أصدقائه بإنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل كما شارك في اجتماع 22 المنعقد في جوان 1954 الذي تقرر فيه انطلاق الثورة وهو الاجتماع الذي انبثق عنه أول مجلس للثورة من 5 أعضاء كان ديدوش أحد أعضائه مسؤولا للناحية الثانية ، وكان ديدوش من أبرز محرري بيان أول نوفمبر 1954، وإثر اندلاع ثورة نوفمبر استطاع منذ البداية وبمساعدة نائبه زيغود يوسف إرساء دعائم منظمة سياسية عسكرية إلى غاية 18 جانفي 1955، ديدوش سقط قتيلا بعد معركة بدوار الصوادق وهو لم يبلغ بعد سن 28 ليكون بذلك أول قائد منطقة يستشهد بساحة الشرف.
العـــــربي بن مهـــــــــــــيدي صاحب فكرة ألقوا بالثـــورة إلــى الشارع
العربي بن مهيدي، مناضل جزائري وأحد قادة الثورة الجزائرية، من مواليد مدينة عين مليلة الواقعة في شرق الجزائر، ولد العربي بن مهيدي في عام 1923 بدوار الكواهي بناحية عين مليلة التابعة لولاية أم البواقي، في عام 1939 إنضم لصفوف الكشافة الإسلامية فوج الرجاء ببسكرة، وبعد بضعة أشهر أصبح قائد فريق الفتيان، وعند تكوين اللجنة الثورية للوحدة والعمل في مارس 1954 أصبح من بين عناصرها البارزين ثم عضوا فعالا في مجموعة الـ22 التاريخية لعب بن مهيدي دورا كبيرا في التحضير للثورة المسلحة، وسعى إلى إقناع الجميع بالمشاركة فيها، وقال مقولته الشهيرة إلقوا بالثورة إلى الشارع سيحتضنها الشعب وأيضا أعطونا دباباتكم وطائراتكم وسنعطيكم طواعية حقائبنا وقنابلنا ، وأصبح أول قائد للمنطقة الخامسة وهران، كان الشهيد من بين الذين عملوا بجد لانعقاد مؤتمر الصومام التاريخي في 20 أوت 1956، وعّين بعدها عضوا بلجنة التنسيق والتنفيذ للثورة الجزائرية القيادة العليا للثورة ، قاد معركة الجزائر بداية سنة 1956، اعتقل نهاية شهر فيفري 1957 وقتل تحت التعذيب ليلة الثالث إلى الرابع من مارس 1957.
محمد بوضياف.. سي الطيب الوطني
محمد بوضياف ولد في 23 جوان 1919 بالمسيلة، واغتيل بمدينة عنابة في 29 جوان 1992، لقب بالـ سي الطيب الوطني ، وهو اللقب الذي أطلق عليه خلال الثورة الجزائرية، يعدّ أحد كبار رموز الثورة الجزائرية وقادتها، اشتغل بمصالح تحصيل الضرائب بمدينة جيجل، انضم إلى صفوف حزب الشعب الجزائري وبعدها أصبح عضوا في المنظمة السرية، وفي أواخر عام 1947 كلف بتكوين خلية تابعة للمنظمة الخاصة في قسنطينة، وفي 1950 حكم غيابيا مرتين وصدر عليه حكم بثماني سنوات سجنا وتعرض للسجن في فرنسا مع عدد من رفاقه، وفي عام 1953 أصبح عضوا في حركة انتصار الحريات الديمقراطية بعد عودته إلى الجزائر، ساهم محمد بوضياف في تنظيم اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي ترأسها وكانت تضم اثنين وعشرين عضوا وهي التي قامت بتفجير ثورة التحرير الجزائرية.