تستمر معدلات البطالة في قطاع غزة في الارتفاع وسط حالة اقتصادية يُرثى لها مصحوبة بانتهاكات حكومة القطاع لأهالي غزة وممارسة سياسات التضييق والخناق ولعل آخر أبرز تلك الممارسات حادثة اعتداء شرطة «حماس»، يوم 25 نيسان/أبريل الماضي، على الباعة وأصحاب البسطات المتواجدين في سوق «خان يونس» بقطاع غزة غضبًا عارمًا من جانب المنظمات والنشطاء الحقوقيين، مطالبين إياها بالكف عن إيذاء مواطنين لم يجدوا أي منفذ يمكن من خلاله إيجاد قوت يومهم وإشباع بطونهم الفارغة سوى الأرصفة والطرقات التي يعرضون عليها بضائعهم.
وسلطت مثل هذه الحوادث المعتادة والمتكررة الضوء على التساؤل بشأن من هم أصحاب البسطات؟ ونسب البطالة، فضلًا عن دور حماس في زيادة البطالة المتفشية بشكل ملحوظ في القطاع.
من هم أصحاب البسطات؟
مع اقتراب الدخول في فصل الصيف، يستعد آلاف العاطلين عن العمل لبدء مشارع صغيرة بسيطة، من بينها؛ بيع الذرة المسلوقة والفاكهة الصيفية على عربات صغيرة متجولة أو عرض بضائعهم على الأرصفة، وتأتي تلك المحاولات الجادة أملًا في مساعدة هؤلاء الأشخاص في إعالة أسرهم، في ظل التدهور الاقتصادي المستمر، ويمكن أن نسمي هذه الممارسات بمفهوم «اقتصاد الظل» والذي عرَّفه خبراء الاقتصاد بأنه نشاط يشمل جميع الأعمال والأنشطة الاقتصادية التي يقوم بها الأفراد أو المنشآت ويحصلون من خلالها على مكاسب مادية دون أن تخضع للنظام الضريبي، ولا تكون تحت مظلة إدارية، مثل البسطات العشوائية المنتشرة.
أسباب اللجوء إلى البسطات
كان قد صرح رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة «سامي العمصي»، بأن الأوضاع الصعبة المفروضة على القطاع وارتفاع نسبة البطالة، تدفع بآلاف الشباب والمتعطلين عن العمل وأرباب الأسر للبيع على بسطات لتوفير لقمة العيش للمواطن المحاصر الذي يعاني داخل قطاع غزة.
وبشكل خاص يعتبر ارتفاع معدل البطالة في القطاع أحد أهم أسباب اللجوء إلى البسطات؛ إذ كشف تقرير سنوي صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني مؤخرًا، عن ارتفاع نسب البطالة بشكل ملحوظ في قطاع غزة إذ أظهرت بيانات التقرير تصدر محافظات قطاع غزة قوائم المحافظات الأكثر تسجيلًا للبطالة في فلسطين، في العام الماضي، إذ بلغت نسبة البطال في محافظة «دير البلح» 52,9% وخلفها «خان يونس» بنسبة 50,5% و«رفح» 49,6% ومحافظة «غزة» 45,5% وشمال غزة 38,1%. بينما سجلت نسبة البطالة الكلية في قطاع «غزة» في العام الفائت 46,9%.
ما هي أسباب ارتفاع معدلات البطالة؟
هناك عدة أسباب ساهمت في ارتفاع معدل البطالة داخل القطاع؛ ولعل أهمها ما يلي:
-
استهداف الصيادين
رصدت نقابة عمال غزة أكثر من عشرين حالة إطلاق نار شهرية من قبل قوات الاحتلال على الصيادين بهدف دفعهم إلى ترك مهنتهم، وأشارت إلى أن الاحتلال اعتقل منذ بداية العام 18 صيادًا لا يزال يعتقل ثلاثة منهم حتى اللحظة، إضافة لمصادرة 7 قوارب صغيرة وقارب (لنش)، فيما أصيب تسعة صيادين برصاص معدني مغلف بالمطاط أطلقه الاحتلال عليهم، وقد أصيب أحدهم في الرأس.
مشيرة إلى أن سياسة حصار قطاع الصيد جعل القوارب نفسها تهدد حياة الصيادين، حيث توفي ثلاثة نتيجة انقلاب قواربهم، وهذا يعود بالأساس لسياسة الحصار ومنع الاحتلال إدخال مواد الصيانة، الأمر الذي جعل قرابة 95% من محركات الصيادين غير صالحة للاستخدام، في ظل منع إدخال المحركات منذ عام 2006، فبات قطاع الصيد بحاجة إلى 300 محرك بشكل عاجل.
-
استهداف قطاع الزراعة
كشفت النقابة كذلك اعتماد الاحتلال على تدمير قطاع الزراعة، الذي يُعد أحد أعمدة الاقتصاد الفلسطيني ويشغل نحو 40 ألف مزارع، على مجهر الاستهداف عبر فترات مختلفة من العام، من خلال تجريف الأراضي المستمر وحرق ورش المبيدات السامة وفتح السدود والعبارات وقصف الأراضي الزراعية وإطلاق النار اليومي عليهم خلال التوجه إلى أعمالهم.
وأكد تقرير النقابة على أن الاحتلال تعمد استهداف القطاع الزراعي في غزة بعد أن حقق قطاع الزراعة الذي يشكل 25% من الاقتصاد الفلسطيني على مدار الأعوام الماضية اكتفاءً ذاتيًا، وحافظت الأسعار في السوق المحلي على استقرارها.
-
الحروب المدمرة
تؤثر الحروب المتكررة والمستمرة في القطاع على زيادة معدلات البطالة إذ أدت حرب «حارس الأسوار/سيف القدس» التي شنتها المقاومة الفلسطينية، في شهر أيار/مايو من العام الماضي، إلى تدمير حوالي 50 مصنعًا وتضرر نحو 20 ألف عامل بصورة مباشرة وغير مباشرة من العدوان، وتسريح 5 آلاف عامل خلال العدوان، كما أن عدم انتظام التيار الكهربائي يؤثر على عمل 3 آلاف عامل في الغزل والنسيج، في حين شهد قطاع السياحة الذي يعمل فيه 5 آلاف عامل انتكاسة وخسائر كبيرة.
إدارة «حماس» للقطاع وانتهاكاتها المستمرة لأصحاب البسطات
على الرغم من أن هذه الظاهرة تعتبر ملاذًا للشباب والمتعطلين عن العمل أو الخريجين الذين لم يستطيعوا الحصول على وظائف ملائمة، إلا أنها لا تسلم من التعرض لأذى واعتداءات متكررة من قِبَل بلدية حماس، عن طريق ضرب أصحابها وفرض الجباية والغرامات، في قطاع أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر.
لم يشفع الفقر والجوع لسكان القطاع وقف «حماس» والكف عن سياسة جمع الضرائب الّتي تتبعها الحركة وأبرزها «ضريبة التكافل»، التي لا يمكن تطبيقها في مجتمع مثل المجتمع الفلسطيني بقطاع غزة، الذي يعاني من عدم استقرار معيشيّ وسياسيّ واقتصاديّ منذ فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع في عام 2006.
في حقيقة الأمر يمكننا القول بإن ما تفعله «حماس» من التعدي على أصحاب البسطات لا يؤدي سواء إلى زيادة الفقر والبطالة واضطرار فلسطيني غزة إلى العمل في الكيان المحتل، الذي يستغل البطالة في شؤونه السياسية وفي استمرار إهانة كرامة الفلسطينيين والتلذذ بتعذيبهم والانتقام منهم. فما تفعله حماس يضر القطاع ويخدم سياسات الكيان الخبيثة، فقطاع غزة مُحتَلًا من الداخل بواسطة «حماس» ومن الخارج بواسطة الكيان المحتل وسياسات «بينيت».