ساندت قطر وبشدة الإخوان في صراعهم المحموم على السلطة بعد أن خلت الساحة من أي منافس جدي لهم، أوصلتهم إلى السلطة، فسخرت لهم كل الإمكانيات وأصبحت الجزيرة الناطقة باسمهم وإطلالات القرضاوي المتكررة على أحبائه، ما انفك يمدهم بتوجيهاته الخيّرة لأجل بناء الأوطان! حيث لم تساهم النظم الديكتاتورية السابقة في تحقيق الرخاء والعدالة الاجتماعية التي قام من اجلها تنظيم الإخوان بدايات القرن الماضي.
لقد استطاعت قطر خلال السنوات القليلة الماضية أن تكون الملاذ الآمن للإخوان، فتحت لهم أبوابها على مصارعها، أو لنقل بان روح الإخوان تقمصت قطر فأصبحا متلازمان(سياميان) لا ينفصلان، حيثما حلت الجرائم يشار إلى قطر بالبنان، تحدثت باسمهم في المحافل الدولية وقدمتهم على أنهم أناس مناضلون من اجل “الحرية والعدالة والتنمية”، صاغوا أسماء أحزابهم السياسية في كل من مصر وليبيا والمغرب من تلك الكلمات (الثلاثية)المقدسة، تيمنا بحزب السلطان اردوغان في تركيا، أملا منهم جميعا في إقامة دولة الخلافة الاخوانية على غرار الخلافة العثمانية التي حكمت العرب لأكثر من أربعة عقود ونتائج حكمهم لنا واضحة للعيان” التقدم في كافة المجالات “.
وجدت قطر نفسها محاطة بدول لا تؤيدها فيما ذهبت إليه من مساندة للإخوان، هددت أكثر من مرة بالعزلة، صنّف التنظيم الذي ترعاه بأنه إرهابي بامتياز، الفشل في إسقاط النظام السوري أدى إلى تغيير القيادة القطرية، التغيير بالطبع كان بإيعاز من أمريكا في محاولة منها لراب الصدع في العلاقات الخليجية، حيث مصادر طاقتها ومنطقة نفوذها.
لقد أصبح الإخوان في الآونة الأخيرة يشكلون عبئا ثقيلا على قطر، عودة الأمور إلى طبيعتها بين الشقيقات الست الخليجيات (على غرار الشقيقات السبع-شركات صناعة النفط العملاقة) كان له ثمن، يبدو انه إبعاد قيادات الإخوان عن المنطقة، طلبها من بعض قيادات الإخوان إلى مغادرة أراضيها كان متوقعا منذ بداية الأزمة بين الشقيقات لكن قطر كانت تأمل في أن تحل الأمور وديا، لكن الضغوط أكثر مما يمكن أن تتحملها دولة تعد نقطة في بحر متلاطم الأمواج.
الحرب على الإرهاب، استوجبت توحيد الصفوف وان كان العدو المعلن هو داعش، إلا أن ذلك لا يستثني جبهة النصرة إحدى المنظمات التي صنفت أيضا بأنها إرهابية، أعمالها الإجرامية لا تختلف عما تقوم به داعش من قتل وخطف على الهوية وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وهدم أماكن العبادة، بل هما ينبعان من فكر واحد وهو تكفير كل مخالف لهم في الرأي وإحداث الفتن بين معتنقي المذاهب المختلفة الذين يعيشون منذ مئات السنين في امن وسلام.
إخوان مصر فقدوا السلطة مبكرا بفعل أعمالهم الإجرامية، إلا أنهم لا يزالون يقترفون العديد من الأعمال الإرهابية بحق شعب مصر الذي أوصلهم يوما إلى السلطة وكانت غلطته الكبرى، إنهم يعيشون حالة من اليأس، زعيمهم بالسجن وبقية القادة مطاريد، إخوان ليبيا لم يكن حالهم يختلف عن إخوانهم المصريين، ألقى بهم الجمهور على قارعة الطريق، بعد أن منحهم الفرصة، لم يتحملوا ذلك فصبوا جام غضبهم وحممهم (لا يزالون يستخدمون مختلف أنواع الأسلحة)على الشعب الأعزل لا يزالون يقومون بأعمال القتل والتشريد والتدمير في عملية يندى لها جبين العالم ولكن جباههم لا تندى، لأن ليس بهم عرق الحياء، أو لنقل عنهم بأنهم كائنات تعيش على الدماء، دراكولا. العالم لم يعد يعترف بهم، إنهم يرقصون رقصة المذبوح.
في مرحلة سابقة مارست قطر الضغوط على حركة النهضة التونسية من اجل أن يكون المقر العام للإخوان المسلمين على أراضيها، الموقف لا تحسد عليه النهضة، فدول الجوار لن ترضى بان تكون قيادة التنظيم الإرهابي على حدودها، واعتقد أن السيد الغنوشي يملك من الحكمة والدهاء السياسي ما يجعله يفكر مليا قبل اتخاذ أي قرار من شانه إنهاء حياته السياسية التي خاضها على مدى عقود.
مع تولي ترامب سدة الرئاسة الامريكية وزيارته للعربية السعودية، خرجت تصريحات تفيد بان قطر تدعم الارهاب في المنطقة، وتم تحذيرها بضرورة التخلي عن دعم المنظمات الارهابية ومنها جماعة الاخوان المسلمين التي تتخذ من قطر مقر لها، هذه الجماعة التي تعمل على زعزعة امن واستقرار المنطقة، وتبيّن ذلك جليا من خلال تنسيقها الكامل مع الجماعة الليبية المقاتلة التي احتضنها الغرب عقب دحر الوجود السوفييتي بأفغانستان.
يبقى القول، هل قطر جادة هذه المرة في أن تقوم بعملية جراحية ناجعة بأن تنفصل عن “السيام” الذي ربما التصق بها في ظروف غير طبيعية، بعبارة أخرى تطرد عنها الروح الاخوانية ؟ وتعود إلى حضن إخوانها العرب وأنها أصغر من أن تلعب دورا رياديا أكبر من طاقتها، وتعود إلى حالتها الطبيعية المعتادة، فالأمور الجسام خلقت للكبار وان جارت الأيام، ذلك رهن بالأيام القادمة.
mezoghi@gmail.com