بقلم محمد النوباني |
أثار الرسم الكاريكاتيري المستفز والوقح الذي نشرته امس صحيفة الجمهورية اللبنانية على احدى صفحاتها في الذكرى ال ٤٥ لإندلاع الحرب الاهلية في لبنان والذي يصور الفلسطينيين على شكل فايروس كورونا محملا اياهم المسؤولية عن اندلاع الحرب الاهلية في لبنان عام 1975 موجة عارمة من الغضب والسخط والاستنكار في أوساط التنظيمات والقوى والاحزاب والشخصيات الفلسطينية.
فعدا عما عبر عنه هذا الكاريكاتور من عنصرية وحقد ازاء الفلسطينيين فقد إحتوي ايضا على مغالطة تاريخية مهمة كونه حمّل الفلسطينيين المسؤولية عن اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية(1975- 1990) وهذه مغالطة لا بد من تصويبها لكي لا تضيع الحقيقة في دهاليز الاضاليل والاراجيف .
فوجود المقاومة الفلسطينية المسلحة في لبنان لم يكن السبب الحقيقي لأندلاع الحرب الاهلية في ذلك البلد في 13 نيسان 1975 بقدر ما كان الشرارة التي سرعت في اندلاع تلك الحرب مثلما كان اغتيال ولي عهد النمسا في ساراييفو عاصمة جمهورية البوسنة والهرسك الشرارة التي ادت الى اندلاع الحرب العالمية الأولى ولم تكن هي سببها .
فالحرب الاهلية في لبنان انفجرت في لحظة من لحظات وصول الصراع الطبقي في لبنان الى ذروته بين البرجوازية اللبنانية الكمبرادورية والطفيلية ذي التوجهات الفاشية الانعزالية المتصهينة(جبهة الكفور الانعزالية) المرتبطة باسرائيل من جهة والطبقة العاملة وفقراء الفلاحين ومن ضمنهم مزارعي التبغ وممثليهم الطبقيين وومثليهم السياسيين ممثلين بالحركة الوطنيةمن جهة اخرى كما حصل في حرب العام ١٩٥٨.
و في اعتقادي وعلى خلاف ما يروج له الانعزاليون المتصهينون فان الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان وبالتالي حادثة عين الرمانة الشهيرة في 13نيسان 1975 لم تكن هي الشرارة التي ادت الى اندلاع تلك الحرب بقدر ما كانت الشرارة هي اطلاق النار في شهر شباط فبراير من نفس العام عندما تم اطلاق النار على مظاهرة مزارعي التبغ التي كان يقودها رئيس التنظيم الشعبي الناصري معروف سعد مما ادى الى استشهاده.
ولكي نضع الامور في نصابها فان انعزاليي لبنان والقوى الرجعية المتحالفة معهم من تيار المستقبل مرورا بجنبلاط كان من مصلحتهم سابقا ولا يزال من مصلحتهم حاليا ان يصرفوا انظار كادحي وفقراء ومسحوقي لبنان من مختلف الطوائف والمذاهب عن الاسباب الحقيقية لفقرهم وبؤسهم وشقائهم وهي سياسة النهب والسرقة التي تمارسها البرجوازية اللبنانية للمال العام وتوجيه حقدها وغضبها باتجاه الفلسطينيين تارة وباتجاه حزب الله تارة اخرى. لكي تنجوا هي من السقوط وتحافظ على النظام السياسي الطائفي الذي يعتمد في وجوده وبقائه على التبعية لامريكا.
عود على بدء فنحن نؤمن بانه داخل كل شعب من شعوب امتنا العربية ومنها الشعب العربي اللبناني يوجد طائفتان، بالمعنى الطبقي والسياسي للكلمة وليس بالمعنى الديني والمذهبي البغيض الذي نمقته ونعتبره وسيلة الاغنياء لتشويه وتزييف وعي الفقراء.
طائفة تعبر عن مصالح الفقراء والكادحين الوطنيين وطائفة تعبر عن مصالح كبار الأثرياء واللصوص من مصاصي الدماء والخونة. وبين هاتين الطائفتين صراع ابدي لا يمكن تسويته الا بانتصار الخير على الشر وقيام دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.
وبهذا المعنى فإن الكاريكاتور العنصري الحاقد الذي ظهر اليوم في صحيفة الجمهورية اللبنانية لا يمثل ولا يعبر عن راي شرفاء واحرار لبنان شركاء الدم الواحد والمصير المشترك ،الذين تقاسمنا معهم رغيف الخبز وشاركناهم وشاركونا مقاومة التوسعية الصهيونية صاحبة الاطماع في لبنان كما في فلسطين وكل الأقطار العربية والاسلامية بقدر ما يمثل تلك الشرذمة الانعزالية المتصهينة الحاقدة المرتبطة بإسرائيل. والتي ارتكبت ابشع المجازر ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني وفي مقدمها مجزرة صبرا وشاتيلا اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982.
وتبقى الحقيقة الابدية المطلقة أن القضية الفلسطينية هي اساس وجوهر الصراع في الشرق الاوسط من يقف معها من العرب والمسلمين ويناصرها ويقدم لها الدعم هو مع شعبه ومن يقف ضدها هو عدو لشعبه.
والخطر الاساس على شعوبنا ليس خطرا ايرانيا مزعوما بقدر ما هو خطر التوسعية الاسرائيلية ومن يروج للانقسامات الطائفية والمذهبية هو ضمن معسكر الاعداء يجب نبذه واسقاط نهجه.
أما حقد صحيفة الجمهورية اللبنانية التي ليس لها من اسمها نصبب ومن يقف وراءها على الفلسطينيين فسببه الاساس انهم منعوا اقامة اسرائبل ثانية في لبنان.