كيفما كنت معتقدا في رياضة كرة القدم، ومهما بلغت بك الآمال بشأنها، فلن تحقق لك شيئا في الواقع، بل سوف تزيدك انزلاقا في بحر من الأوهام، لن تخرج منه إذا لم تنتبه إلى وقعتك، وتثُبْ على رشدك، من بحر إدمان لن تبلغ له ساحلا، مهما كنت واقعيا ومعتدلا فيه، فكرة القدم سراب يعقبه سراب، ووهم يلد وهما جديدا، كلما اقتربت منه ازددت انجذابا له، والنتيجة لا شيء تقريبا، إذا لم نقل باختصار أن مشاهدتها ضياع وقت، وفوات ساعات إذا أمكن جمعها من أجل أداء عمل نافع للبشرية لكان فيها خير كثير، ولو أنفقت الأموال الضخمة المرصودة لها، لأبعد عنها عللا كثيرة كالحد من البطالة، وتوفير ما يحتاجه الفقراء من موارد مالية، تدفع عنهم العوز .
عالمنا منذ أن عرف هذه الرياضة بعدما خرجت من رحم بريطانيا(1) شيطانة أوروبا، لم يرى خيرا إلى اليوم، بل لقد تسببت هذه الرياضة في انتشار آفة العصبية والكراهية، وصلت بهما التفاعل إلى ارتكاب جرائم لا مبرر لها بحق الإنسانية، أسقطت مقترفيها في مستنقع سوء وانعدام الأخلاق، كأنما أبتليت كرة القدم بكل هذه المساوئ، أو كأن ضريبة إتّباعها أن تخرجهم من تعقّلهم إلى حالة من الجنون والخبل، وعدم القدرة على السيطرة على أنفسهم.
وما قيمة كرة جلد منفوخة، تزن أقل من نصف كلغ، حتى تستهوي ملايين الناس وتمتلك أسْرهم؟ قد شدّتهم وطنيا بِلوْن فِرَق إتّبعوها مخدوعين، ودفعوا لها الأموال الطائلة، على حساب أنفسهم وعائلاتهم، ووطنيا في لون فريق منتخب، شجعوه بكل جوارحهم، حتى أنساهم قضاياهم المصيرية، بحيث حصروا اهتماماتهم ومشاغلهم بلعبة ما كان لها أن تجد كل هذه الحظوة لو فهم الناس أبعاد ما خطّط لها صنّاعها، وأنا أشكّ بعدم براءتهم مما وصلنا إليه من عِلَلِها اليوم.
إذا سألت متيّما بالكرة، عن سبب غرامه وعشقه لها، لم يتردد في القول، بأنها ملاذ الهاربين من قسوة الحياة، ومنتجع الفارين من ضغطها، يقتنسون منها الترفيه عن النّفس، من خلال متابعة مبارياتها ومناصرة ألوان فِرَقها، وإذا وجهت نفس السؤال إلى بريء من وباء سحرها، لكانت إجابته معاكسة، ولاستغرب من علاقة هؤلاء المتيمين السّذّج بكرة القدم، واستهجن تعابيرهم الرّديئة، واستنكر تصرفاتهم الخارجة عن اللياقة والمعبّرة عادة عن سوء أدب متكرّر، كلما دارت مباراة.
العجب هنا كيف يصبح المتيّم بكرة القدم أسير سطوتها، مع أنها مجرد لعبة رياضية متشابهة، لو نُظِر إليها بعين العقل، لما أفرد لها إنسان راشد من وقته وقلبه متسعا، من هنا يجب أن نعترف بأن هذه اللعبة سيطرت على عقول تطوّعت من تلقاء نفسها لقبولها، وملكت أفئدة في غياب ثقافة واعية، تضع هذه الرياضة موضعها، فلا تتعداها بعصبية لفريق جهوي أو وطني، هكذا يجب أن تكون رياضة كرة القدم، روح رياضية تامة، بعيدا عن العصيبات والتشنجات التي لا تمتّ إلى الرياضة بصلة.
وعجبي كيف يُخْلِي مهْوُوسُو كرة القدم أنفسهم من مشاغلهم الحقيقية، وهمومهم الحياتية الواقعية، إلى حالة من الإنفعال التي لا مبرر لها، فتسيطر بعقْدَتِها عليهم سيطرة مطلقة، فتذهب بعلّتها من كونها رياضة، لا تتجاوز ذلك بشيء مما يُخْرِجها عن إطارها البسيط، هيجاء(2) اللعبة، أصبحت ومنذ زمن غير قصير داء أصاب جميع شعوب العالم، فلم يستثني أحدا منها، وتفاقمت سطوتها على كل من انقاد لها وترك زمام التحكم فيها، وهؤلاء هم من جعلوا منها وسيلة تكسّب وربح، فأخرجوها من عالمها الرياضي البسيط، إلى عوالم أخرى من الإستغلال والتجارة والرهان والاستعباد البشري الحديث، وبذلك فقدت هذه الرياضة غايتها، عندما كانت مجرّد لعبة هواة، لم يبلغ تأثيرها المعنوي ما بلغته الآن، وجاء إقحامها داخل عالم البيع والشراء في تجارة غير نزيهة، واستغلها السياسيون لتصبح في خدمة أهدافهم ستارا على مساوئهم.
من جانب الأخلاقيات والالتزام بآدابها، فقدت أجواء كرة القدم جمهورا ولاعبين قيم الأخلاق عموما، ووجد عديمو الأخلاق مجالا لفرض كلماتهم وشعاراتهم النّابية بين الجمهور، كأنّما هي من تفاصيل الفرجة والمشاهدة، ومن جانب الدراسات الطبيّة، (كشفت دراسة طبية حديثة، أجريت على أكثر من 7 آلاف لاعب، تأثير خطير للعبة كرة القدم قد يؤدي للوفاة بمقدر ثلاثة أضعاف من الأشخاص العاديين.
في (دراسة نشرتها جامعة غلاسكو يوم الاثنين 21 أكتوبر/تشرين الأول أكدت أن لاعبي كرة القدم أكثر عرضة للوفاة بالأمراض العصبية التي تصيب الرأس بمقدار ثلاثة أضعاف ونصف من بقية الناس (3).
هذا بالنسبة للاعبي كرة القدم، وهم في ممارساتهم الرياضية اليومية، ينعمون في تدريبات أجسامهم بالحركة والغذاء الجيّد، فكيف بالملايين الذين يجلسون متفرّجين على مقابلاتها، وهم عُرْضة لانفعالات متكررة تعتريهم سلبا وايجابا فرحا واكتئابا، مؤثرة على قلوبهم وعقولهم وأبدانهم، أفلا يكون التأثير الصحّي على الجماهير، أشدّ جسامة وأكبر خطرا مما ذكره التقرير، لذلك فإنني أجزم بأنّ الأضرار النفسية والبدينة التي تلحق بالمتابعين لمباريات كرة القدم، هي التي يجب أن تُثار صحّيّا، غير أن المختصين يتحاشون ذكرها خوفا من عزوف الناس عن هذه الرياضة.
لقد أصبحت رياضة كرة القدم فرقا محترفة محليّة ووطنية أفيون الشعوب، سلبتها الإهتمام بقضاياها المصيرية، وبقيت وحدها محلّ التركيز عليها والإهتمام بها، وما تفعله كرة القدم من تأثير كبير اليوم في أوساط الشعوب، لم تفعله استحقاقاتهم المصيرية على اهمّيتها، ومن أنسته لعبة تافهة واجباته، وألهته عن دينه، وبعثرت أولويات حياته، فقطعا لا خير فيها، فهي داء عضال يجب إيجاد حلّ عاجل لمعالجته، وإلّا فإن نتائجها السلبية ستزداد تأثيرا على حياتنا، لكن يبدو أن الأمر خرج عن السيطرة، فما وقر في قلوب الجماهير من عشق الكرة، سيمنع أيّ محاولة لإصلاح التعامل مع هذه الملهاة، وبذلك تذهب الأموال الطائلة المهدورة عليها، إلى عناصر الإنتاج النافعة للناس، فتفتح آفاقا مستقبلية لأجيال محرومة من فرص العيش الكريم.
وأعجب لمن يبكي ويُغْمَى عليه ويحزن زمنا من أجل خسارة مقابلة، ولا يحزن لدينه الذي فرّط فيه، ولا ينتبه إلى مستقبله الذي ضيّعه، وآفة الكرة أحدى أسبابه، ولا يقدّم شيئا من قضايا أمّته الضائعة في عالم استقوى عليها، فلم يعد يراها حقوقا، وذهبت دول غربه لتحكم عليها، بأن المطالب بها إرهابي، مثال ذلك قضية فلسطين، المقاومون للكيان المحتل عند صنّاع هذه اللعبة الخبيثة، إرهابيون يجب أن يموتوا، من يقيم وزنا لكرة قدم أكثر من وزنها هي- جلد مدوّر وهواء- فهو زائغ عن المنطق، ويجب عليه أن يتفادى سوء عاقبة ما اعتبرها ذات قيمة وهي لا شيء في الدنيا قبل الآخرة.
المصادر
1 – تاريخ كرة القدم https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – حالة الإنفعال التي تدعو إلى نشاط يظهر في صورة حركات اندفاعية
https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar
3 – الكشف عن أمراض خطيرة تسببها لعبة كرة القدم
https://sputnikarabic.ae/20191022/1043211457.html