السبت , 9 نوفمبر 2024

كلمة لا بد منها على العدوان الاجرامي الأخير على قطاع غزة…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عندما يقوم البيت الأبيض وحكومة الكيان الصهيوني بتوجيه الشكر الى النظام المصري وأجهزة مخابراته التي تولت “المفاوضات” الغير مباشرة لإنهاء إطلاق الصواريخ من قطاع غزة والتي أدت الى شلل تام لحياة الملايين من المستوطنين القدامى والجدد وتوقف الأنشطة اليومية من تعليم واقتصاد وحركة طيران وسياحة واللجوء الى الجحور طلبا للأمان أو هجرة عشرات الالاف وخاصة من المستوطنات السرطانية في غلاف غزة فإن الشكر الموجه من هؤلاء الأعداء سواء الولايات المتحدة او الكيان الصهيوني الغاصب له دلالة كبيرة ولا تحتاج الى التمحيص والبحث المستفيض لاستخلاص الدور القذر الذي يقوم به النظام المصري وأجهزة مخابراته خدمة لكيان غاصب مأزوم داخليا وخارجيا والقيام فقط بالضغط الى أبعد الحدود على المقاومة الفلسطينية في الكف عن إطلاق الصواريخ وعدم الاستجابة أو تقدير المطالب الفلسطينية المحقة والعمل على إنصاف المقاومة في مطالبها كوسيط من المفترض ان يكون نزيها الى حد ما.

وهذا الدور غير المنصف على الاطلاق ورد في جملة عابرة ربما لم ينتبه اليها الكثيرين عندما ذكر مسؤول كبير في حركة الجهاد الإسلامي في معرض حديثه عن المفاوضات التي كانت جارية في القاهرة ان ما تطلبه حركة الجهاد هو إنصاف المقاومة الفلسطينية وتفهم مطالبها وخاصة فيما يتعلق بالكف عن عملية الاغتيالات وقصف الأبنية والقتل المتعمد بدم بارد للمدنيين من أطفال ونساء بلا رحمة ودون اية اعتبارات إنسانية أو مراعاة للقوانين الدولية.

وبغض النظر عما ستؤول اليه الأيام القادمة وهي حبلى بالمناسبات التي ستحاول فيها حكومة الكيان ال ن ز ي إثبات هيمنتها وسيطرتها بإطلاق قطعان المستوطنين وخاصة في القدس فيما يسمى مسيرة الاعلام في القدس القديمة الى جانب عمليات الاغتيالات المستمرة في الضفة الغربية فلا بد من تسجيل بعض النقاط التالية:

أولا: كما هو الحال في الضفة التي يوما بعد يوم يتبين انها تخضع لاحتلالين يعملان بالتنسيق الكامل أمنيا ضد المقاومة سواء الشعبية او المسلحة فإن قطاع غزة يخضع بالمثل من قبل الكيان الصهيوني والنظام المصري الذي يحاصر القطاع ويتحكم بالمعبر الوحيد لأهل القطاع للاتصال بالعالم الخارجي وهذا المعبر لا يفتح الا في المناسبات ولعدة أيام فقط في السنة تكاد تكون معظمها للحالات الإنسانية الطارئة فقط. فلا مواد تموينية أساسية تدخل الى القطاع حتى في أيام الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة وإغلاق المعبر الذي تدخل منه المواد التموينية والغذائية منه والسولار وغيرها الضرورية لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة. وهذا ما يستخدمه الكيان الصهيوني الى جانب النظام المصري للضغط على المقاومة وابتزازها وكذلك على المدنيين من سكان القطاع.

ثانيا: انه وبالرغم من المرارة والحزن والمجبول بالغضب على استشهاد قادة كبار من الجهاد الإسلامي في هذه المعركة فإن الارادة والعزيمة والاستمرارية في المعركة لم تتأثر بالدرجة التي أرادها العدو الصهيوني الذي كان يرى ان عمليات الاغتيال الموسعة للقادة ستؤدي الى تركيع الجهاد الإسلامي وركضه للتوسل بوقف إطلاق النار فالذي هرع الى النظام المصري بالتفاوض من أجل إيقاف النار هي الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة. لقد استطاعت حركة الجهاد ان تسد الفراغ الذي نتج عن عمليات استشهاد القادة الميدانيين بسلاسة ولم يكن هنالك اية فجوة او كبوة في إدارة المعركة من قبل الحركة أبهرت حتى العدو الصهيوني واستمرت عملية إطلاق الصواريخ لا بل وزادت كما ونوعا وتوسعت الرقعة الجغرافية لاستهداف هذه الصواريخ.

ثالثا: عمد الكيان الصهيوني والابواق الإعلامية للنظام الرسمي العربي الى جانب الغربية تصوير أن “المعركة” تدور بين “إسرائيل” وحركة الجهاد الإسلامي وأن بقية الفصائل وخاصة حماس واقفة على الحياد دون تدخل خوفا من استهداف قياداتها. وبغض النظر عن التفاصيل التي لا بد أن تظهر في الأيام القادمة فأن التأكيد على أن هنالك غرفة عمليات مشتركة للفصائل هي التي تدير المعركة الى جانب استشهاد بعض قيادات او أفراد من تنظيمات أخرى كالجبهة الشعبية على سبيل المثال لا الحصر اثناء تأديتهم لواجبهم في التصدي للعدوان بين بوضوح الهدف الخسيس الذي سعت اليه هذه الوسائل الإعلامية المأجورة الا وهو دق إسفين بين الفصائل في قطاع غزة وتحييد حماس على وجه التحديد من القتال الدائر.

نعم الكيان الصهيوني كان هدفه هو شل حركة الجهاد الإسلامي باستهداف قياداتها في غزة وكذلك في الضفة الغربية لان الحركة بدأت تأخذ حيزا كبيرا على المستوى الشعبي والتنظيمي والقدرات العسكرية على الأرض كما اتضح في الآونة الأخيرة في الضفة الغربية على وجه التحديد مما أصبح يشكل عبئا وكابوسا على الاحتلال واجهزته الأمنية وكذلك على السلطة الفلسطينية ومن هنا قرر الكيان الصهيوني القيام بعمليات الاغتيالات للصف الأول من قياداتها العسكرية في غزة بعد ان قتل بدم بارد الشهيد خضر عدنان الذي استشهد في سجون الاحتلال.

رابعا: سعى الاحتلال وكذلك النظام المصري بضرب القاعدة والحاضنة الشعبية للمقاومة في غزة من خلال التضييق على سكان القطاع بمنع دخول التموين الحياتي اليومي والمحرقات لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع الى جانب قصف عشوائي للأبنية السكنية والبنى التحتية والقتل المتعمد للمدنيين وتشغيل أجهزة الاعلام لتقوم بضخ الأكاذيب خاصة حول خلافات بين الفصائل الفلسطينية والتي وصل البعض بتوجيه اتهام الى حماس بانها تنسق مع الاحتلال وانها “صهيونية” وأن هم قياداتها هو الانتفاع الاقتصادي والمادي وأنها غير مشتركة مع الجهاد وان حركة الجهاد قد تركت لوحدها في الساحة الى غير ذلك. هذا الى جانب محاولة تخويف سكان القطاع بضربات مؤلمة للغاية في حالة استمرار ضرب الصواريخ من القطاع. ولكن كل هذا لم يثني شعبنا في غزة للوقوف الى جانب المقاومة كما تبين من خروج الناس الى الاسطحة ليلا وما صاحبه من تهليل وتكبير مع إطلاق كل رشقة من الصواريخ.

خامسا: ما حصل أثناء المعركة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في غزة ضد الهدوان الصهيوني كشف مرة أخرى عن عورة السلطة الفلسطينية وزبانيتها اللذين لم يحركوا ساكنا تجاه هذا العدوان سوى بنعيق بعضهم ان الدمار لم يكن ليكون لولا ضرب الصواريخ من غزة وتصوير ولو بشكل غير مباشر أن المقاومة هي المسؤولة عن الدمار. ويستحضرني هنا قول محافظ نابلس الذي ادلى به قبل أسبوع او أكثر على استشهاد عدد من المقاومين في نابلس الا وهو انهم -أي السلطة- قد وجهت ندا الى الشباب بتسليم أنفسهم وسلاحهم وأن السلطة تضمن سلامتهم وتضمهم الى أجهزتها الأمنية، ولكن الشباب رفضوا وهذا ادى الى مقتلهم على ايدي اجهزة الامن الإسرائيلية. هذا مثال فقط نقدمه كنموذج للسلطة وزبانيتها اللذين يخشون من المقاومة ويفضلون العيش في كنف الاحتلال لما يقدمه لهم اريحية الحياة وتحقيق المصالح الاقتصادية لهم ولعائلاتهم.

اكاديمي وباحث فلسطيني

شاهد أيضاً

هل سيتكرر سيناريو1982…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عندما اجتاح جيش الكيان الصهيوني في عمليته “المحدودة” تحت إمرة السفاح شارون آنذاك ووصلت الى …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024