الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

“لاء” الحسين ومفاتيح الحقيقة…بقلم كريم وهاب عبيد العيدان

لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر اقرار العبيد

أتعرف ما معنى الكلمة، مفتاح الجنة فى كلمة، دخول النار على كلمة، وقضاء الله هو كلمة، الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور.
الكلمة كائن مخلوق تمسك مفاتيح الحياة وقد تؤدي الى الموت, لانها مفتاح الخير وبها يصار الشر, ومن الكلمة تتجسد الحقيقة او تفقد ذاتها , وهذا ما اراد الشاعر بسيم عبدالواحد ان يضعنا في ابعاده الزمكانية حيث عنون قصيدته الرائعة , بـ”لاء الحسين”, وهو عنوان يختزل الكثير من المفاهيم والقيم والابعاد , فلاء الحسين هي تجسيد للشخصية وتجسيد للموقف وتجسيد للحقيقة, لاء الحسين تعني الكثير فهي ليست لاءََ عادية او لاءََ لموقف مقطعي او ظرفي بل هي لاء تاريخية تتوقف عليها عقارب الحياة وتتجسد فيها كل المعاني والدلالات, فهم الذين وصفهم الفرزدق وخصوصا الامام زين العابدين بانه “ما قال لا الا في تشهده”, هذه اللا تكاد تكون محذوفة من قواميسهم ومن مشروعهم الاجتماعي ولكن لا التي قالها الامام الحسين في تلك الواقعة تشكل مفارقة مصيرية للامة, وتعني الكثير لان هذه اللا هي المضمون الثوري الحقيقي في مواجهة الطغيان ومقارعة الفساد والصيرورة الى التمسك بالثوابت واللجوء الى المبادئ, من هنا جاءت لاء الحسين في احسن تشخيص لرسالة وثورة الحسين والشعار الحسيني المتماوج مع حلقات والخالد في ضمير الامة “لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر اقرار العبيد”، هي لاء مقدسة كقدسية صاحبها كسرت تلك الاوهام التي حاول الاخرون صياغتها لتفريغ الاسلام من مضامينه الحقة وتحويله الى عناوين فارغة ليتاجر بها الحكام والمشعوذون والفجرة .
فالشاعر بسيم عبدالواحدة بجرسه الساحر وحسه السياسي المتفوق يضعنا في صورة المشهد المتلألأ عندما يقول :
ستقولُ ” لا” متفرداً هيَ لاؤكَ
وسيَختفي معنى الدلالةِ بالفم ِ
فلا التي تفرد بها الامام الحسين هي لا اخرى تختلف عن القواميس والمعاجم لانها لا الضمير والمبدا والكينونة الانسانية وحقا عندما يشدنا الشاعر بسيم في البيت الثاني ليقول:
وكأنها مقصورةٌ لشفاهِكَ
ولغيرها مهما أدعى لاتنتمي
فهذه اللا مكرسة ومنتمية الى دم الحسين والى منطقه الثوري وهي لايمكن ان تنمتمي الى مشروع اخر غير مشروع الثورة الحسينية والى مشروع الحق والحقيقة , وبما انها كلمة حق وكلمة ثورة فهي ترعب الطغاة وتزلزل عروشهم وتربك مخططاتهم لذلك يخلص الشاعر للقول
قد أرعبتْ طاغٍ وانجتْ مُعدماً
وكأنها غيثٌ لزرعٍ معدم ِ
فهي مع قوتها النووية في ارغاب الظلم والطغيان الا انها بالمقابل انعكاس لارادة الاخرين الضامرة او المكبوتة حيث عبر عنها الحسين بثورته ونهضته بتلك الصورة الرائعة التي زرعت الامل على العيون واعادت الضمير الى الامة وهذا احسن عطاء واجمل نداء .
هذا الترصيف الذي افتتح به الشاعر القصيدة كان بمثابة الستارة التي قدمت لنا ديباجة المشهد ليناول بعدها الشاعر الجانب الحسي والنفسي والانساني في القضية حيث يقول
وهواكَ فيضٌ بالقُلوبِ مُدامةً
وكأنكَ الساقي بيومِ مُحرم ِ
عيني سحابةُ أدمعٍ زختْ دماً
لفجيعةٍ حلتْ بتلكَ الانجم ِ
لن تكتفي حتى يغورٌ سوادُها
ياليتها عَميّت لذاكَ المقدم ِ
هنا قمة التناغم بين الشاعر وبين الواقعة , فالامام الحسين جسد بثورته الرسالة الاسلامية بكل اشعاعاتها ورونقها الثوري والفكري والمبدئي فيما ان غيابه واستشهاده بتلك الصورة الدموية الارهابية البعيدة عن الرحمة وعن الانسانية اثار مشاعر البشرية وحفز وعيها واغرق حواسها بالحون والالم وهذا ماحاول الشاعر التقاطه ليعكس لنا عمق الماساة التي حصلت في واقعة الطفوف , ثم بعد ذلك يقدم لنا شخصية الامام الحسين وموقعها الرسالي والاجتماعي وانه يرفض المساومة على العقيدة ويرفض مبايعة الطغاة والمتلفعين باسم الدين وهم في الحقيقة اعداء الدين ,هذه المشاهد يمكن قراءتها في هذه الابيات وماوقع عليه (ع) وعلى اهل بيته وصحابته من جرائم ومن حيف ومن تشنيع
ياسائرا في دربِ آلِ محمدٍ
روحي فداكَ علمِتَ أو لم تعلم ِ
فلمثلهِ لا لن يبايعَ مثلَهم
قلَ النصيرُ أو تزايدً فالزم ِ

هنا تتجلي انسانية الثائر الذي لايريد لاعدائه نهاية سوداوية او جهنمية حيث يقول الشاعر:
أرأيتَ خصماً باكياً أعدائه
خوفاً عليهم من لهيبِ جهنم ِ
هذا أبنُ فاطمةٍ فاكرمْ بها
وابن الفتى ضرغامِها المتقدم ِ
ياوارثاً عهدَ الرسالاتِ التي
قد أُنزلتْ آياتُها بالمُحكم ِ
متسامحٌ لكنهم لم يفقهوا
معنى التسامُحِ في صداكَ المُلهم ِ
ومسالمٌ لكنهم قد جحدوا
فحوى الحقيقةِ بالخطابِ المفحِم ِ
واستضبعتْ آلُ البهيمةِ شرهَا
كي يُطفؤا ألقَ الهدى المتزحّم
وتسّعرتْ نارُ الضغينةِ عندهم
فتوهجتْ قارورةٌ برؤى الدم ِ
وترصدوا قتلَ ابنِ بنتِ نبيهِم
وتسوروا بيتَ الرسولِ الاعظم
قد قالها عندَ الولادةِ جدُك
هي أمةٌ في جهلِها سفكتْ دمي
حتى تعالى في البكا بنحيبهِ
وبكى عليٌ بعده دمعا همي
وسيعتلي فوقَ الحوافرِ ِصدرُك
ولقد غدى من طعنِها كالمرسم
ياشاربا ظمأَ الطفوفِ وقيضَها
أولم تكنْ نهرَ الحياةِ المفعم ِ
ظمآنُ والدنيا لإجلكَ ماؤها
دفقَ الفراتُ لثغرِكَ المُتبسم ِ
وتوجعي مما أبوحُ حرائقا
لكنني أسدلتُ نارَ تكتمي
أو فرَّ حزنٌ من عُيُونِك خلسةً
نحو القَطا مرعوبةً بمٌخيّم ِ
والأرضُ أنما دُحيّتْ لكم
أو أشرقتْ بالطاهرينَ الفُطّم ِ
هذا أبنُ هندٍ قد تجاهرَ بالخنا
ليلٌ من الحقدِ الدفينِ المعتم
هم تبّعٌ للسامري وعجلُه
يُبدي خُواراً تحتَ ليلٍ أبّهم ِ
ثم ياتي الشاعر ليقدم لنا حقيقة لاء الامام الحسين واهميتها في المتبنى الفكري العاقائدي ودلالاتها السيكولوجيا حيث يقول:
لاءُ الحسينِ ألّا تجاملَ مُفسدا
أو في لَبوسِ الدينِ زيفاً يحتمي
لاءُ الحسينِ براءةٌ من ذُلهِم
أو خانعٍ يرضى بفعلِ المجرم ِ
لاءُ الحسينِ قضيةٌ ومتاعبٌ
فتمسكتْ بأسى الطريقِ المُلغَم
ثم يعرج الشاعر الى الواقع اليوم ومايعتريه من فقدان للهوية ولهاث وراء التطبيع مع الاعداء ومع الصهاينة لان الامة عندما تفقد لاء الحسين تفقد لاء الثبات والممانعة ومواجهة العدوان ,فلاء الحسين هي هوية المقاومة وهي هوية الثبات في خندق الجهاد والدفاع عن شرف الامة ومبادئها , وهذا ما ثار من اجله الحسين ومن اجله استشهد ,لذلك ضاعت فلسطين وبيعت القدس
قد طبّعوا عارا وباعوا قُدسَنا
لم تندَ منهم جبهةٌ او تندم
حتى غدى صهيونُ منا ساخراً
وحتى غدونا كالبعيرِ الأجذم ِ
وتسربلتْ بالذُلِ تلكَ صروحُهم
صاروا اسارى كالشياهِ الخدّم ِ
ولطالما بالعُربِ زعماً أنّهم
هم أصلُها وتفاخروا في جُرهمِ
وتآمروا كيما تدومُ خلافةٌ
فتصفدوا والقيدُ حولَ المعصمِ
وتجاهروا بالفُحشِ يا أمَّ القرى
الأمر اضحى بيد الخؤون الاظلم ِ

الحقيقة اذن ان الامر بات بيد الخونة ممن باعوا قضية الامة ومكمن وحدتها ومصدر مجدها وهي قضية القدس والاقصى , ومن هنا نفهم ان لاء الحسين هي رفض الاحتلال ورفض الطغاة ورفض القهر والظلم وهي في نفس الوقت التعاطي مع قضايا الامة والدفاع عن حقوقها ورسالتها مهما كانت التضحيات ومهما كانت النتائج لان النصر الحقيقي هو ان تنتصر للمظلوم وتقف الى جانب العدل والحقيقة وهذا ما اراد الشاعر بسيم عبدالواحد ان يوجه انظارنا اليه وان يشد اذهاننا نحوه .

 

شاهد أيضاً

ما يمكن استخلاصه من العرض المسرحي (واقعة الطف) من أثر في الأنفس…بقلم محمد الرصافي المقداد

تميّزت قرية الجرسين بولاية قبلي بخصال طيّبة اجتمعت فيها، قلّما اجتمعت في قرى اخرى، فهي …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024