الاوضاع في لبنان ومنذ فترة بدات تأخذ منحى في غایة الخطورة وینبئ بإنھیار كامل للدولة التي كانت تعد من الدول المستقرة نسبیا في المنطقة ولكن ھذه الصورة المزیفة كانت تخبئ في ثنایاھا عوامل الانفجار والذي تدلل علیھا ما آلت الیھ الاوضاع حالیا وما تشھده بیروت على الاخص من فلتان أمني وتحركات شعبیة وتواجد عناصر مدفوعة لتسخین الاوضاع لتعم الفوضى في الشارع الى الوصول الى حالة من عدم قدرة الامن او الجیش اللبناني من السیطرة على الاوضاع. وفي تقدیري المتواضع ان ھنالك ثلاثة عوامل رئیسیة أدت الى تدھور الاوضاع الى ھذا الحد في لبنان وبعضھا لیس ولید الساعة وإن بدا للبعض كذلك. وھذه الاسباب یمكن تلخیصھا بعجالة فیما یلي:
أولا: الدستور اللبناني الذي خلفه الاستعمار الفرنسي القائم على نظام المحاصصة الطائفیة والمذھبیة. وضمن ھذه التركیبة السیاسیة أصبح ولاء اللبناني للطائفة والاحزاب والشخصیات التي تمثلھا ولیس للوطن الواحد. وأصبح الھم الاساسي ھو كیفیة الحفاظ على ھذا التوازن الطائفي المقیت.
ثانیا: وجود أخطبوط ومافیا مالیة فاسدة حتى الرقبة قامت بجمع وتھریب ملیارات الدولارات نتیجة فسادھا مما ادى الى نزیف مستمر وعلى عقود في خزینة الدولة وضرب القواعد الاقتصادیة الاساسیة للدولة. ولقد نمت واستشرت ھذه الطبقة الطفیلیة والشریحة الاجتماعیة منذ تم تحویل وھیكلة الاقتصاد اللبناني من إقتصاد إنتاجي الى إقتصاد ریعي منذ تولي رئیس الوزراء السابق رفیق الحریري واستمر ھذا النھج المدمر بعد عملیة إغتیاله. وھذا ما أتاح الفرصة والمناخ المناسب لنمو حیتان المال وتفشي الفساد في كل مؤسسات الدولة وتقاسم المغانم والامتیازات بین ھذه الحیتان المالیة.
ثالثا: التدخلات الخارجیة في الشؤون السیاسیة والاوضاع الداخلیة في لبنان والتي یالضرورة إنعكست سلبا على ھذه الاوضاع الداخلیة. ولا نبالغ بالقول انه ومنذ عقود من الزمن لم تتشكل حكومة لبنانیة الا بموافقة ومباركة دول خارجیة وعلى رأسھا السعودیة والولایات المتحدة. وھنالك العدید من القصص التي یمكن روایتھا عن التدخلات الوقحة واللادبلوماسیة لسفراء الولایات المتحدة في لبنان الى جانب بعد إنتصار المقاومة 2006استخدام المال السیاسي من قبل السعودیة على وجه الخصوص. ھذه التدخلات إزدادت حدتھا وحجمھا منذ اللبنانیة المتمثلة بحزب الله على عدوان الكیان الصھیوني على لبنان. وتصاعدت حدة ھذه التدخلالت بالتوازي مع صعود محور المقاومة في المنطقة وتصاعد دور حزب الله في المعادلات الاقلیمیة وخاصة في سوریا والیمن والعراق حیث قدم ھذا الحزب ولو بدرجات متفاوتة الدعم لحركات المقاومة في ھذه الدول وأصبح یھدد المصالح الامریكیة في المنطقة وأثبت قدرة وفعالیة في ھذا المضمار. ومن ھنا انصب جام الغضب الامریكي والسعودي وغیرھم من اللذین حاولوا إظھار محبتھم ورعایتھم للبنان من خلال تفعیل الارث الاستعماري الفرنسي وھو ما قام به ماكرون في زیاراته المكوكیة الى لبنان بعد تفجیر المرفأ في بیروت.
ومع الفشل الذریع الذي منیت به ھذه التدخلالت في إقصاء حزب الله عن الحیاة السایسیة في لبنان والضغط بتشیكل حكومة موالیة للمصالح الغربیة لا یتواجد فیھا حزب الله وھو أحد المكونات الاساسیة في الساحة اللبنانیة كما وفشلت كل المحاولات في تحجیم دوره في لبنان والاقلیم لجأت القوى المعادیة الى الحرب الاقتصادیة والتي ھدفھا تجویع الشعب اللبناني وتفجیر الاوضاع في الشارع للوصول الى إسقاط العھد ممثلا بالرئیس عون لحرف لبنان عن مساره كلیة وإعادت ترتیب الاوضاع السیاسیة بما یخدم المصالح الصھیو-امریكیة في المنطقة. وللاسف الشدید ھنالك قوى لبنانیة تدعم في ھذا الاتجاه وینصب علیھا مئات الملایین من الدولارات لاحداث حالة من الفوضى في الشارع اللبناني في محاولة لتحقیق ذلك ولكن ھذا یبقى دربا من المستحیل.
والضغط على لبنان یجب ان یرى من منظور مرتبط بما یدور بالمنطقة ككل من الھجوم الشرس على كل حركة او دولة معادیة
للمخططات والاستراتیجیة الامریكیة في المنطقة ومن إنبطاح العدید من الدول العربیة وخاصة الخلیجیة وعلى رأسھا الامارات التي أصبحت تلعب دورا أساسیا في محور التطبیع مع الكیان الصھیوني مستخدمة ملیارات الدولارات من مداخیلھا من بیع النفط والغاز. ھذا الدور لعبته جنبا الى جنب مع السعودیة وقطر في تدھور اللیرة السوریة والان تلعب ھذا الدور في لبنان. كما ولا یخفى التدخلات التركیة أیضا في الاوضاع في لبنان فقد اصبح لبنان مرتعا للتدخلالت الاجنبیة ومراكز القوى في المنطقة. ونعود ونقول ھنالك أطرافا متناغمة مع ھذه التدخلات وترى فیھا فرصة لتحقیق مزیدا من جمع الاموال على حسب الوطن الذي اسمھ لبنان.
*كاتب وباحث أكادیمي فلسطیني