تاريخ العلاقات التونسية السورية قديم قدم نشأة حكومتي البلدين، وتوطّدت بتقدّم الزمن، وطبيعي أن تبلغ ذلك المستوى وتكون كذلك، وهي مقامة بين أشقاء، تجمعهم روابط عديدة، تاريخا وعِرْقا ودينا، وقد تعلمنا في التاريخ أنّ قرطاجة، وحضارتها تأسست من قدوم امرأة اسمها عليسة من بلاد الشام، كادت أن تطيح بإمبراطورية روما لولا الظروف الصعبة التي مرّ بها حنبعل وجيشه للوصول إلى العاصمة الرومانية.
أما في العصر الحديث، فقد ارتبطت علاقة تونس وسوريا بقضايا التحرر العربية، من الإستعمار الفرنسي والبريطاني، من قيام دولة إسرائيل الغاصبة على أرض فلسطين سنة 1948 وما استتبع ذلك من انخراط الدولتين والشعبين في مناصرة الشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه على أرضه، ولئن كان نصيب تلك المساندة وثقلها الأكبر واقعين على الدولة والشعب السوري، من حيث إيواء اللاجئين الفلسطينيين في المدن السورية، وتقديم الدّعم لفصائل المقاومة الفلسطينية، والمشاركة في حروب التحرير 1948 /1967/1973، فإن لتونس حكومة وشعبا دور في مناصرة إخوانها في حدود إمكانياتها.
لقد تحمّلت سوريا من أجل مواقفها الإيجابية من قضايا أشقائها، الكثير من العقبات والعرقلات من طرف دول الغرب، وخصوصا أمريكا التي انحازت تماما إلى جانب الكيان الغاصب، مبرّرة جرائمه متعاملة بعدوانية مع النظام السوري، وكانت أخيرا صانعة الإرهاب التكفيري، وناشرَتَهُ على الأراضي السورية، من أجل تفكيكها إلى دويلات بالعنوان الطائفي، يسهل على الكيان الغاصب الهيمنة عليها، وبلغت بها الوقاحة أن فرضت عليها حصارا اقتصاديا (قانون قيصر الظالم).
وقع هذا بعدما انخرطت تونس في مؤتمر أصدقاء سوريا، وحريّ به أن يكون مؤتمر أعدائها بتونس، برعاية أمريكية غربية، وتحريض بلغ حد قطع العلاقات بين البلدين الشقيقين، في وقت حسّاس من حياة الدولة السورية التي بدأ تواجه إرهابا متعدد الجنسيات، دخل ديارها من تركيا وبتواطئ من أردوغان ودول الخليج التي دخلت بدورها في دوامة التحريض على سوريا، فصُدِم الشعب التونسي بقطع العلاقات مع شقيقته سوريا، سنة 2012 (1)وهو مدرك أنّ الذي قام بذلك ليس الطرطور المرزوقي وحده وإنما كان بدفع من حزب حركة النهضة التي انخرطت سريعا في مشروع الشرق الأوسط الجديد ثأرا منها وانتقاما على ما حصل للأخوان في حماه سنة 1982(2).
لقد كان مطلب إعادة العلاقات مع سوريا شعبيا، تجسّد في تظاهرات عديدة وقعت بالعاصمة تونس وصفاقس، وقد وعد الرئيس السابق الراحل (قائد السبسي) أثناء حملته الانتخابية بإعادة العلاقات مع سوريا لكنه ماطل في ذلك، وأمر بدل إعادة العلاقات الى طبيعتها (مستوى السفارة) بتعيين قنصل عام بدمشق ورحل غير وفيّ بوعده، وجاء الرئيس الحالي قيس سعيد، لكنه تباطئ بدوره، لعله كان معذورا ومشغولا بمحاربة الفاسدين، الذين سيطروا على الدولة والاقتصاد في تونس، ولم يعلن عن إعادة العلاقات بين البلدين، إلا بعد الزلزال الذي أصاب الشمال الغربي السوري.
ومع كل هذا التباطئ والتأخير الذين لا أرى لهما مبرّرا مقبولا، فإن الشعب التونسي وخصوصا المثقفون والناشطون في المجتمع المدني قد عبّروا عن سعادتهم ورضاهم بعودة العلاقات إلى طبيعتها (وقد أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، قرار إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وهي خطوة مهدت لها تونس قبل أيام .. سعيد تحدث خلال لقاء جمعه بوزير الشؤون الخارجية التونسي عن مسألة التمثيل الدبلوماسي لتونس لدى سوريا، قائلاً: «ليس هناك ما يبرر ألّا يكون لتونس سفير في دمشق، وسفير لسوريا في تونس». وأضاف رئيس الجمهورية: «مسألة النظام في سوريا تهم السوريين وحدهم، ونحن نتعامل مع الدولة السورية، أما اختيارات الشعب فلا دخل لنا فيها على الإطلاق». وتابع: «سيكون لنا سفير معتمد لدى الدولة السورية، ولا نقبل أن تقسّم سوريا إلى أشلاء، كما حاولوا تقسيمها في بداية القرن العشرين إلى مجموعة من الدول، حينما تم إعداد مشروعات دساتير خاصة بكل دولة بعد وضع اتفاقية (سايكس بيكو).(3)
وكان الرئيس قيس سعيد في بداية تسلمه السلطة، قد اعتبر قطع العلاقات مع سوريا من الجانب التونسي خطأ، والخطأ يجب أن يقع تصحيحه، ولا يجب تأخيره، لأن كل تأخير يُعتبر تواطئا مع من ارتكب الخطأ أولا، هكذا ينظر أحرار تونس لوصمة العار التي أوقعنا فيها المرزوقي، بدفع من الإخوان، وينتظرون بفارغ الصبر، عودة العلاقات إلى مستواها الطبيعي بين البلدين الشقيقين، لما فيها من مصالح مشتركة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
أما الدولة السورية وشعبها المضيافين، فقد ظهر منهما كل الاحترام والتقدير لتونس دولة وشعبا، ويعتبرون ما وقع من قطع علاقات بين البلدين، مؤامرة نفذتها أيادي متواطئة مع دول الغرب، صانعة الربيع العربي المزعوم، ويأسفون لما حصل من تباعد دبلوماسي، لم يمنع الاخوة السوريين من محافظتهم على مشاعر الودّ والإخاء للتونسيين المقيمين بسوريا، ولم تتغيّر مشاعرهم – وهذا نبل منهم وحسن أخلاق عُرِفوا بها – تجاه الجالية التونسية المقيمة بسوريا، كلّها احترام وتقدير، وليس عندهم في تعاملاتهم خلط بين البريء والمذنب، خصوصا إذا عرفنا أن قنوات تسفير (المجاهدين)، التي اعتقد جازما، أن من سعوا سعيهم الى قطع العلاقات مع سوريا، هم من عملوا على إرسال الإرهابيين من تونس إليها لمقاتلة النظام هناك.
ما يدعو إلى التفاؤل أكثر أنّ هناك ملفات ضخمة لدى الدولة السورية لإرهابيين تونسيين مقبوض عليهم ويقبعون في السجون السورية، وآخرون قد قتلوا في معارك طاحنة، وقعت في مختلف المناطق السورية، فيها أدلّة وبراهيم دامغة، ضمن اعترافات المقبوض عليها (أسرى المعارك)، تحكي من أرسلهم وبأي وسيلة وطريق، ومن دربهم وأعدّهم للقتال من سلّحهم وأعطاهم الدولارات، أجرة لجرائمهم التي ارتكبوها بحقّ الشعب الدولة السورية.
لا شك بأن الفرحة ستعمّ السوريين والتونسيين على حدّ سواء بعودة العلاقات بعد طول انتظار(11 سنة من الإنقطاع)، والأهمّ من هذه المشاعر العمل على تطوير العلاقات بين البلدين، للبلوغ بها مستوى التعاون والشراكة في مختلف المجالات، والشعبين الشقيقين ينتظران بكافة شرائحهما تدارك ما فات من انقطاع، كان بالإمكان تلافيه لو وجد عقلاء في السلطة التونسية في تلك الفترة، بإمكانهم منع ذلك الخطأ الجسيم من الوقوع، شكرا للدولة السورية على رحابة صرها وحسن ضيافتها رغم الأذى الذي تعرضت له من بعض التونسيين والشّاذ يحفظ ولا يقاس عليه، تربية وعلقلية سورية ذات امتياز طابعه سوري.
مطلب ملحّ يجب أن يقع تفعيله لمصلحة الشعبين، وهو عودة خط الطيران بين تونس ودمشق إلى استئناف رحلاته، وتسهيل دخول مواطني البلدين إلى اراضيهما دون تعقيد أو تقييد، هكذا تكون الأخوة التونسية السورية خالية من عيوب، أراد أعداء البلدين إبقاءها قائمة حقدا وحسدا منهم على سوريا المقاومة، وأخيرا أقول بلسان حقّ طلِقٍ هل حان وقت القصاص ممن تسبب في قطع العلاقات مع سوريا؟
المراجع
1 – العلاقات التونسية السورية https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – أحداث حماة 1982 https://www.marefa.org/
3 – تونس تقرر إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا
https://aawsat.com/home/