بالتأكيد ما يجري في ليبيا اليوم هو صراع خطير على السلطة , تدعمه قوى خارجية , تمثل فيه القوى والأطراف الليبية المتصارعة مصالح عديد الدول الأوروبية برعايةٍ خاصة للولايات المتحدة الأمريكية , وتتقدم الأزمة وتتصاعد ما بين حكومتي شرق وغرب ليبيا , إذ يتزعم الأولى فتحي باشاغا , بتفويض مجلس النواب الليبي في طبرق في اّذار الماضي , أما الثانية والتي تسمى حكومة الوحدة الوطنية الليبية ، المنبثقة من اتفاقات سياسية رعتها الأمم المتحدة ، قبل أكثر من عام ، ويترأسها عبد الحميد الدبيبة ، الذي يرفض تسليم السلطة إلّا عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية , ولا يجد مبرراً لإستمرار السلطة الحالية المنتهية ولايتها.
ومؤخراً ، ومع تبادل الإتهامات وتحميل مسؤولية عدم التوافق السياسي لإجراء انتخاباتٍ في نهاية العام الحالي , ووسط تردي أوضاع البلاد , واحتدام وتأزم الأوضاع الدولية , وما بين الدول المتصارعة على الأراضي الليبية , وخلال وقتٍ قصير, تحول الصراع السياسي إلى صراعٍ عسكري مسلح , وأعادت قوات موالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية ، عبد الحميد الدبيبة ، تمركزها في محيط مطار طرابلس ، لصدّ أي “هجوم محتمل” من القوات التابعة لرئيس الوزراء فتحي باشاغا , في وقتٍ أكدت مصادر عسكرية ليبية ، اليوم السبت 27/8/2022 ، أنّ قوات اللواء سالم جحا ، الموالية للحكومة الليبية المكلّفة من البرلمان ، برئاسة فتحي باشاغا ، تقترب من المدخل الشرقي للعاصمة الليبية طرابلس ، استعداداً لدخولها , وكان باشاغا قد جدد تأكيد رغبته في “دخول العاصمة ، بصورة سلمية، من أجل عدم إراقة الدماء” ، قائلاً إنّ “7 ملايين ليبي ينتظرون دخول حكومته طرابلس من أجل استلام مقارّها، ومن بينهم أهالي العاصمة”.
لكن , سرعان ما اندلعت اشتباكات عنيفة بين مجموعتين مسلحتين ، ليل الجمعة والسبت ، في العاصمة الليبية طرابلس، وجرى القتال بأسلحة متوسطة وثقيلة وخفيفة في عدد من أحياء المدينة على خلفية أجندة الفوضى السياسية العابرة للحدود , وسط سقوط عدد الضحايا من المدنيين.
وقالت المصادر لـ”سبوتنيك”، إنّ “القوة تحركت بكل قوامها العسكري بالأسلحة والعربات منذ ساعات الصباح من مصراتة متجهةً للعاصمة الليبية طرابلس، ولن تتوقف حتى الوصول إلى طرابلس” , في حين أكد مصدر عسكري ليبي في مصراتة ، أنّ قوات “حماية الدستور” الموالية لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ، تستعد للانتشار في عدة محاور باتجاه طرابلس وإغلاق الطريق الساحلي , وسط أنباء عن اشتباكات وقصف متبادل , واستخدام قوات الحكومة الوحدة الوطنية للمسيرات , وبإعتقالات لأفراد من قوات أسامة جويلي غربي العاصمة طرابلس.. للأسف تبدو الأمور وقد خرجت عن السيطرة وتدفع البلاد للسير نحو السيناريو الأسوأ.
لم تكتفِ الولايات المتحدة الأميركية بتدمير ليبيا وتقسيمها وسرقة ثرواتها، فما زالت تصرّ على عدم منحها فرصة الاستقرار والتقدّم وإنجاح التسوية السياسية للوصول إلى الانتخابات ، وتعمد إلى استغلال تدهور الأوضاع المعيشية لدفع الحراك الشعبي مجدداً، لتتحول الاحتجاجات إلى فوضى وأعمال تخريب وحرق ونهب متعمد، واليوم إلى صدام مسلح .
إن فشل الأمم المتحدة في تنظيم انتخاباتٍ شاملة تعمل على توحيد البلاد , ساهم في زيادة عمق الأزمة السياسية ، وبتفاقم الصراع المرير على السلطة بين حكومتي شرق وغرب البلاد , ويبدو من الواضح أن واشنطن عازمة على إثارة ثورة جديدة وزعزعة استقرار الوضع السياسي الحالي الهش في ليبيا ، بهدف إيصال موالين لها إلى سدة السلطة ، للحفاظ على استمرار تدفق المكاسب وعائدات النفط الليبية نحو الجيوب الأميركية.
لم تخفِ واشنطن تورطها في الإضطرابات في ليبيا ووقوفها وراءها , وقد بدا ذلك جلياً من خلال حديث السفير الأميركي ريتشارد نورلاند عن “الانتخابات المحتملة ما بين حكومتين” ، وما أكدته ستيفاني ويليامز ، المستشارة الأميركية للأمين العام للأمم المتحدة ، في وقتٍ سابق حول “عجز المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس ، وعدم قدرتها على إدارة عائدات بيع المنتجات النفطية” ، واقتراحها إنشاء آلية “مؤقتة” تسمح للهيئة الدولية بالسيطرة الكاملة على قطاع الطاقة في البلاد، الأمر الذي يؤكّد نيات المستشارة وأهدافها في الاستمرار بسرقة عائدات النفط الليبية بصورة رسمية.
بات قبح السياسة الأميركية جلياً ، وصارت أهدافها واضحة ، بعدما ساهمت بشكل كبير في تدمير ليبيا وتأجيج الصراع فيها ومحاولة تقسيمها ، إضافة إلى استغلال ملفها لتأجيج الصراع الدولي حولها بما يشي بصراع قد يطول أمده , نخشى أن يمتد خارج العاصمة , ويدفع المدنيون الليبيون فواتيره الباهظة .
الوسومعبدالحميد الدبيبة فتحي باشاغا ليبيا ميشيل كلاغاصي
شاهد أيضاً
72 ساعة لولادة الشيطان الجديد.. أمريكا بلا مساحيق التجميل…بقلم م. ميشال كلاغاصي
ساعات قليلة تفصل العالم عن متابعة الحدث الكبير, ألا وهو الإنتخابات الرئاسية الأمريكية, و”العرس الديمقراطي” …