الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

مؤتمر بغداد 2: مصلحة العراق فوق كل اعتبار…بقلم محمد الرصافي المقداد

لا عجب في أن يجتمع فرقاء السياسة على مائدة واحدة، فقد تعوّدوا على انتهاج سُبُلِ الدبلوماسية الغربية، بأساليبها المنافقة متعددة الأوجه، وقد انطوى مؤتمر بغداد 1 ، الذي انعقد بتاريخ 28/8/2021 ببغداد(3) على وعود بقيت عالقة، برهنت على أنّ فكرة مؤتمر تنمية واعمار العراق، لم يجني منها العراقيون فائدة تذكر، سوى حزمة وعود ومجموعة رؤى تراود أصحابها، بشأن هذا البلد المظلوم من أشقائه، أيّهم يغنم منه شيئا، وقد بدت النوايا منطوية على ضمائر ساستهم المشاركين فيه، ما بين ضباعيّ(2) متنمّر يسعى لتكريس ظلم جديد على العراق، وكارع(3) لبلاد الرافدين شافط لنفطها، مقابل خدمات ليست بقيمة ما قدّمه العراق له كالمملكة الأردنية مثلا، وكأنّي بأغلب المجتمعين جاؤوا إلى المؤتمر الثاني، وفي جعابهم تحريض على إيران، ومحاولة استبعادها من العراق، وهو ما تأمله فرنسا على لسان رئيسها (إمانويل ماكرون)، الذي دعا ومعه أطراف إقليميون( يقصد الإمارات السعودية مصر الأردن)، في القمة التي اختتمت أعمالها في الأردن الثلاثاء 20/12/2022، العراق إلى الإبتعاد عن المحور الإيراني، من أجل حل الأزمات المتعددة، التي تضرب منطقة الشرق الأوسط،  فيما شدد الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) الذي شارك في القمة في كلمته على ان “مصر تؤكد رفضها أي تدخلات خارجية في شؤون العراق”(4).

بالمقابل أكد رئيس الوزراء العراقي في كلمته، أن “العراق متمسك ببناء علاقات تعاون وثيقة ومتوازنة مع كل الشركاء الإقليميين والدوليين، وينأى بنفسه عن اصطفاف المحاور وأجواء التصعيد، وينفذ سياسة التهدئة وخفض التوترات”(5)، بمعنى أنّ مصلحة العراق في التعاون مع جيرانه، تبقى أولوية في رسم سياساته الخارجية، بما يمنحه مجالا واسعا لتطويرها، بما يعود بالنفع الإقتصادي والأمني والعلمي على الجميع، ويبدو أن المؤتمر المنعقد بالأردن، ووجوه القوم – باستثناء العراق – منكرة للحضور الإيران – بتعابير وجوه الحضور- حيث يعمل مجلس التعاون الخليجي مع دول الغرب ومصر والأردن، على إقصائه من التعاون والشراكة مع العراق.

أمنية تبدو بعيدة المنال لهؤلاء لاعتبارات عدة، منها أنّ الحدود العراقية الشرقية الواسعة، تفرض بجغرافيتها تبادلا أيسر وأسهل من الجانبين العراقي والإيراني، وخطوط النقل البري والحديدي من شأنها أن تضاعف التعاون الإقتصادي بين البلدين، ليشمل تبادل السلع ومرورها (الترانزيت) امتدادا لطريق الحرير التجاري القديم، الذي تبدو همّة الصين الشعبية وشركائها قويّة لإحيائه من جديد، واستبعاد إيران من هذا المجال محكوم بالفشل، رغم محاولات الغرب وعملائه المحمومة لأجل ذلك.

وتبقى إيران الجانب الشرقي الموثوق به لبلاد الرافدين، فما يجمعهما أكثر مما يفرقهما، تاريخا ودينا ومصالح، وقد برهنت إيران على حسن نواياها تجاه العراق، وفيما كانت السعودية تسهّل لوهابيتها من التكفيريين الدخول إلى العراق، للقيام بأعمال إرهابية، كادت تعصف ببغداد وكامل العراق، لو نجحت داعش في السيطرة عليها، مقابل ذلك كانت ايران برجالها وقيادتها خير رافد لأشقائها في العراق، بعدما قاسمتهم محنة اجتياح الإرهاب التكفيري والإكتواء بناره، امتزجت فيه دماء الشعبين لصدّ ذلك الوباء، ليصنعا نصرا مؤزرا على خوارج العصر.

في انتظار تحقق ما جاء في بيان المؤتمر الختامي، وهي بنظري مجرّد دعوات سياسية مموّهة، جاء فيه: نتطلع للتعاون مع العراق، دعما لاستقراره ومسيرته الديمقراطية وعمليته الدستورية، ونؤكد على أهمية آلية التعاون الثلاثي بين الأردن ومصر والعراق، وعلى أهمية مشاريع التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والعراق وما تتطلبه من علاقات بناءة قائمة على مبادئ حسن الجوار، ونؤكد على دعم دولة الدستور والقانون، وتعزيز الحوكمة في العراق”..(6) وهذا التّحقّق ليس سهلا، مع كم كبير من التراكمات التي خلفتها سياسات خاطئة، حكمت على العلاقات مع الجوار بالتعطيل والعرقلة.

المحللون للبيان ليسوا بالغباء الذي يتصوّره محرّرو البيان، وقد فاحت رائحة استبعاد إيران من هذا التعاون المزعوم، فليس الجار اللصيق بالمودّة قائما عليها، كالذي مدّ عنقه كارعا بفمه من خير العراق، دون أن يُسهم بيد فضل واحدة له، ومن نسي فلنذكره بمثل الكويت، التي أصرّت دولتها على تسلم آخر المبالغ التي حكمت بها عليها الأمم المتحدة، وهي 50.7 مليار دولار(7)، تعويضا لأضرار الغزو التي تعرضت لها زمن المقبور صدّام، فأيّ تعاون يراه هؤلاء مع العراق، وهو يمرّ بوضع لا يحسد عليه، إذا لم يكن استنزافا لموارده بأبخس الأثمان، كما هو جار مع الأردن والامتيازات التي حصل عليها بخصوص النفط العراقي، تعزيز التعاون الإقليمي الذي أشار إليه ملك الأردن، هو مزيد من سحب النفط العراقي بأسعار متدنّية جدّا، ما يعتبر خسارة من الجانب العراقي، هكذا يرون العراق مغنما ومهيعا، يجوز لهم استغلاله دون أن يراعوا فيه جانب القربى والدين.

لا أعتقد أن هذا المؤتمر بإمكانه أن يحقّق شيئا مما يأمله المشاركون، وحكومة العراق ومن ورائها الشعب العراقي ليست فريسة سهلة الإقتناص، حتى تقع تحت تأثير من تورّط في محنتهم، وأسهم بشكل أو بآخر في صناعة مأساتهم، كادت ستذهب بريحهم دفعة واحدة، ودماء شهداء العراق الأبرار وحشده المقدّس، خطه الصّلب الوفي لمرجعيته الرشيدة، يبقى ذلك الحصن الضامن، رديفا حقيقيا للجيش العراقي وقواه الأمنية، في الحفاظ على أمنه واستقراره، حائلا يحول دون الاعتداء عليه من خارج الحدود، أو استغلال موارده الحيوية، بلا فائدة تعود للعراقيين، ولأجل خير العراق نؤكد من جديد على ثابتة حسن الجوار، فمن حسُنت جيرته وعبّر عنها قولا صادقا، وليس سياسة ذرّ رماد على العيون، وفعلا نافعا ملموسا، فقد فاز بأحقّية وأفضلية التعاون، تطبيقا لقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)(8) ومن كانت الوهابية معقل فكره ووكر هوامّه، فلا يرجو منه العراق والعراقيون شيئا.

وفيما تبتعد القمة الثالثة عن العراق المزمع عقدها بالقاهرة، وهي بهذه الحال لا تبدو جادّة في إيجاد أرضية تفاهم بين العراق وأشقائه، يزيل شوائب عالقة من شأنها لو انتفت، أن تصفّي كدر العلاقات بينهم، وعلى العراق أن يبادر بنفسه لبناء علاقاته دون إملاء أو تأثير من أحد، ولا اقصاء لأحد تحت ضغط أو املاء، لتتذّكر حكومة العراق المفخخات من كان يقودها وما سبّبته، وهي ليست ايران بطبيعة الحال، وعلى من أجرم بحق العراق، أن يدفع خسائر ما تكبّده شعبه ومدنه، فلا توحي السعودية باتهام غيرها وهي المذنبة.

المصادر

1 – مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة

https://ar.wikipedia.org/wiki

2 – ضَبَعَ فلان ضبعا أي جار وظلم

3 – كرع في الماء مد عنقه، وتناول الماء بفمه من موضعه، من غير أن يشربه بكفّيه

4 – 5 – قمة “بغداد 2” في الأردن تحاول إبعاد العراق عن النفوذ الإيراني

https://arabic.euronews.com/2022/12/20/baghdad-2-summit-in-jordan-is-trying-to-distance-iraq-from-iranian-

6 – البيان الختامي لمؤتمر “بغداد 2”: نؤكد على أهمية آلية التعاون الثلاثي بين الأردن ومصر والعراق

https://www.elnashra.com/news/show/1603436/

7 – العراق يسدد تعويضا الكويت

https://amp-dw-com.cdn.ampproject.org/v/s/amp.dw.com 60240637

8 – سورة المائدة الآية 2

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024