المتتبع للأحداث في منطقتنا يدرك ان فرنسا وعلى الأقل منذ قدوم الرئيس السابق ساركوزي والذي تبعه قدوم ماكرون المدعوم بشكل مباشر من عائلة روتشليد المعروفة عالميا بثرواتها الخيالية والمتحكمة بالنظام المالي العالمي الى جانب الاخطبوط المالي الفرنسي يستطيع ان يستخلص أن هنالك محاولات لعودة فرنسا الاستعمارية الى المنطقة كان اخرها التدخل السافر في الشؤون الداخلية اللبنانية بعد حاثة التفجيرات في مرفأ بيروت وسبقها عدوان حلف الناتو على ليبيا عام 2011 وكانت فرنسا المحرك الأساسي لهذا العدوان هذا عدن التدخل العسكري في العراق وسوريا ضمن الناتو و “محاربة الإرهاب”. وهذه التدخلات وخاصة الحديثة منها أتت مقرونة بالتراجع النسبي للنفوذ الأمريكي في المنطقة ويأمل ماكرون ان يسد الفراغ الذي يمكن ان يخلفه هذا التراجع الأمريكي هذا الى جانب ان فرنسا أخذت بالتمدد أيضا في البحار والمحيطات الاستراتيجية حيث يتواجد لها ما يقرب من 5000 جندي وبعض الاساطيل البحرية في منطقة المحيط الهندي والهادئ لتقديم الدعم للمجهودات الامريكية في سياسة التضيق على الصين.
والقصة الأخيرة التي أثيرت بالتصريحات الوقحة لماكرون فيما يخص الجزائر دلالة واضحة ليس فقط على محاولة التدخل في الشؤون الداخلية لبلد المليون شهيد، بل انها تتعدى ذلك بمهاجمة التاريخ النضالي للشعب الجزائري وتزيف هذا التاريخ لمصلحة المستعمر القديم الذي يأبى الاعتراف بجرائمه في حق الشعب الجزائري التي لا تسقط بالتقادم والتي ترقى الى جرائم حرب بكل المقاييس هذا الى جانب استخدام الأراضي الجزائرية لإجراء بعض التجارب النووية.
السيد ماكرون صرح ان التاريخ الرسمي للجزائر ” لا يستند الى الحقائق، ولكن الى خطاب كراهية تجاه فرنسا” وعلى ان الجزائر كان يحكمها “نظام سياسي عسكري”. ماذا يتوقع المستعمر الجديد الذي يريد ان يشوه التاريخ الجزائري؟ أن يؤخذ بالأحضان مثلا. وهل يريد المستعمر والمستوطن القديم للجزائر ان تأخذ الحكومة الجزائرية بإعادة كتابة تاريخ الجزائر بما يتناسب مع الخطاب السياسي للاستعمار الفرنسي وتبرئته من جرائمه؟ وقد ذهبت الوقاحة في ماكرون ان أنكر وجود شعب جزائري على منوال رئيسة وزراء العدو الصهيوني التي انكرت وجود شعل اسمه الشعب الفلسطيني عندما سؤلة من احد الصحفيين قالت عندها” الشعب الفلسطيني لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني”. لا عجب فالمجرمون ينهلون من نفس البئر الثقافي.
ومن يحكم الجزائر وبغض النظر عن طبيعته وهويته هذا بالتأكيد ليس شأنا فرنسيا أو غير فرنسيا ولا يحق لاحد ان يتدخل في الشؤون الداخلية لاي بلد وليس فقط الجزائر. فالجزائر ليست دولة كرتونية كما هو الحال في معظم الدول والامارات والممالك الخليجية.
ربما السيد ماكرون غاضب من الجزائر لعدم تعاملها مع صندوق النقد الدولي الذي آتى به الى سدة الحكم في فرنسا وعن طريق زوجته التي كانت تدرسه وهو طفل في المدرسة. ربما السيد ماكرون غاضب لان عدم التعامل مع صندوق النقد الدولي من قبل الجزائر أسقط إحدى الوسائل التي تمكنه من التعدي على السيادة الجزائرية والتدخل في شؤونها وخاصة الاقتصادية منها كمدخل لكسب نفوذ سياسي والضغط على الجزائر للسير بطريق التطبيع مع الكيان الصهيوني الدارج هذه الأيام والتي تقف الجزائر ضده كما وقفت ضد إعطاء الكيان الصهيوني قدم في منظمة الدول الافريقية. وربما أيضا غضبه نابع من ان الجزائر لا تشتري الأسلحة والمعدات العسكرية لقواتها من شركات الصناعة الحربية الفرنسية، بل من روسيا والصين.
السيد ماكرون قدم اعتذارا رسميا لأحفاد العملاء من الجزائريين الذين تركوا وغادروا البلاد مع المستعمر واللذين ارتضوا خيانة وطنهم والتعاون مع المستعمر الفرنسي للتبليغ عن المقاومين وجمع المعلومات اللوجستية عنهم وتمريرها للقوات الفرنسية وقال ان فرنسا لم تقم بالواجب المفروض تجاههم أي تجاه العملاء. ماكرون يقدم الاعتذار لأحفاد العملاء التي حملتهم القوات الفرنسية معها أثناء انسحابها من الجزائر قبل إعلان الاستقلال وقبولها بالهزيمة. هذا في الوقت التي رفضت فرنسا تقديم الاعتذار للشعب الجزائري على ما اقترفته ايدي أجهزة مخابراتها وقواتها في الجزائر طيلة فترة الاستعمار الفرنسي.
السيد ماكرون يرى انه من الصعوبة على فرنسا بمكان الاعتراف ومواجهة ماضيها الاستعماري وهذا قمة السقوط الاخلاقي والإنساني بكل المقاييس قبل ان يكون سقوطا في القيم السياسية من بلد تدعي انها تدافع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.
كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني