نزعة البلطجة كانت ولا تزال سمة الغرب لم تتغير، رغم دعوى حكوماتها الكاذبة برعاية حقوق الإنسان، وحفظ السلم والامن العالميين، نظرنا إلى كل ذلك، فلم نخرج بشيء من دعاواها يستحق الذكر، غير قناعة واحدة، هي ان هذا الغرب ليس اهلا للثقة، تماما كما عبر عن ذلك الإمام الخامنئي.
هذا الغرب ابتلانا في بلداننا بعَملاء اختارهم بدهاء وخداع، وركّز انظمتهم لخدمة مصالحها، ورعايتها على حساب مصالحنا الوطنية، فاظهروا استقواءهم علينا شعوبا واستخفافهم بنا قيما، وتطاولهم علينا امكانات.
الأمثلة كثيرة يمكن أن نستحضرها، ومنها ما هو متعلق بهذا المقال، فقد ورث نظام العسكر في مصر، منذ انقلابه على حكم الاخوان، الذي حمل همّ التحريض لإسقاط النظام السوري، تركة حصار قطاع غزة، الذي كان مبارك يقوم به، تنفيذا لاتفاق كامب دافيد واوامر امريكا، فلم يخالفا ارادة اعداء الشعب الفلسطيني المحاصر، وكان اشبه بالسجن الكبير منه إلى الحصار لا يزال الفلسطينيون يعانون من اثاره الكارثة على حياتهم، بل انه سجن حقيقي، بكل ما يعنيه السجن من خنق وكبت وظلم.
استجابة نظام السيسي لرغبات الصهاينة والغرب، بدت كاملة وطوعية وبلا تردد، فما كانت لاآته حاكمة في مصر، بمشروعها التحرري، ذهب وذهبت معها الكرامة المصرية، وأمل الشعب المصري في أن يرى إخوانه في فلسطين احرارا، بعد ان يمد اليهم يد العون.
وما دعاني للكتابة اليوم أمر لم يسعني السكوت عليه، حيث برهن نظام العسكر في مصر، على عمالة فاقت عمالة المقبور السادات، والمحروسة تغير حالها إلى منكوسة، ومصر أصبحت اليوم مصنّفة في مزاد العار، تلهث حكومتها وراء عربان الخليج وكلاء الصهاينة، تستجدي ما يلقونه إليها من فتات، لتنفّذ قراراتهم الجائرة، وتواصل معهم التخندق في معاداة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولعلها ستقدم يوما ما على إرسال جيشها لمحاربة ايران، في صورة نشوب حرب في الخليج الفارسي، كما فعل قادة العسكر في السودان، بانضمامهم الى تحالف العدوان على اليمن، وارسال اكثر من 25.000 جندي لمساعدة السعودية والامارات على تنفيذ اجندات أمريكا والصهاينة هناك، فكل شيء للبيع في هاذين البلدين.
قناة السويس التي اممها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، من القبضة البريطانية التي كانت تتحكم عن طريقها، بمرور السفن التجارية والسياحية والحربية، أصبحت زمن السيسي، تحت سيطرة نفس القوى المعادية للعرب والمسلمين، حيث تتولى منع مرور السفن، التي تعتبرها أمريكا معادية، او متمردة على ارادة الغرب، حتى لو كان ذلك في إطار مكافحتها للإرهاب الوهابي التكفيري، ومساعدة الشعب السوري على تجاوز ازمته.
دأبت ايران على إرسال شحنات نفط إلى سوريا، فتقطع سفنها المسافة الاقصر عبر قناة السويس، لكن شحنة الناقلة الإيرانية الأخيرة، منعت من المرور هذه المرة، لتسلك طريقا أطول بالالتفاف على القارة الأفريقية، والدخول في اتجاه سوريا من مضيق جبل طارق الاستراتيجي، الذي تحتله بريطانيا ولها قاعدة مراقبة عسكرية هناك.
الساسة البريطانيون أوعزوا إلى قائد القاعدة بحجز الناقلة، بدعوى انهم نفذوا قرارا أمريكيا بتطبيق العقوبات التي اصدرتها الإدارة الأمريكية بشان سوريا وايران من جانب واحد، ودون رجوع إلى مجلس الامن، الحكومة البريطانية لم تتردد في اعتراض الناقلة وقطع طريقها، ولا التفتت إلى خطورة إجرائها التعسفي، الذي اعتبرته ايران قرصنة وتسلطا، وعبثا بقوانين الملاحة الدولية، ونددت به بشدة، ودعت الحكومة البريطانية عند استدعاء سفيرها بطهران الى مقر وزارة الخارجية، إلى اطلاق سراح الناقلة دون تأخير، وقد سارعت الحكومة الإسبانية إلى رفع دعوى ضد الإجراء البريطاني التعسفي رات فيه تهديدا لحرية الملاحة البحرية الدولية.
السياسة البريطانية التعسفية، هي صاحبة السبق في انتهاك الحقوق، وذات التاريخ الطويل والعريض، في احتلال واستغلال البلدان الضعيفة، ومعروفة بتدخلاتها السافرة في شؤون تلك البلدان، ومؤامراتها الخبيثة أينما حلّت أجهزة استخابراتها، فهي كما وصفوها عجوز الاستعمار، وان سلمت المقود لأمريكا، لتواصل بدلا عنها عبثها واستهتارها بدول وشعوب العالم الإسلامي خاصة، فإنها لا تزال متعلقة بماضيها الغير مشرّف، حانّة اليه، معبرة في كل مناسبة عن وفائها لما شابت عليه.
شيخوخة في استغلال الشعوب، وإذكاء الفتن بينها، وباعها في هذه السياسة أشهر من نار على علم، وقصب السبق محسوب لها، فيما انتجته سياساتها في صناعة الارهاب الوهابي والتكفيري، وتفكيرك الهند الكبرى، وغرس بذرة السوء الصهيونية على أرض فلسطين، وما خفي كان أعظم.
ويبدو ان القرار البريطاني سيهتز قريبا، تحت وطأة ثبات وحقانية الموقف الإيراني، حيث دعت قيادته إلى المعاملة بالمثل، في حال لم تفرج بريطانيا عن الناقلة الايرانية، مصداق قوله تعالى:” فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم.” ولن تجد حلا لورطتها، بغير اطلاق الناقلة، لتواصل طريقها نحو الموانئ السورية.
وهنا لابد لي من وقفة، لبيان المستوى المنحط لسياسات الانظمة العربية الرسمية، التي لا تزال تعيش تحت هيمنة القوى الغربية الكبرى، امريكا بريطانيا فرنسا، ولا ترى مانعا من تنفيذ ما يريدونه من اساءات واجحاف، حتى لو كان على حساب دول وشعوب عربية واسلامية أخرى.
ومرة أخرى يكشف الغرب عن مدى خبثه، وتناقض مواقفه تجاه ايران، فهو من ناحية يتظاهر بجدية مساعيه في تطبيق بنود الاتفاق النوري، فلا يتحقق منها شيء، ومن ناحية أخرى تأتي زيارة وزير الخارجية البريطاني، في إطار طمأنة ايران، ومن ناحية أخرى نشهد غباء بريطانيا، في التعامل مع ناقلة نفط إيرانية، كان بإمكانها غض الطرف عن الطلب الأمريكي بشأن حجزها، لتظهر بعض ما تخفيه نوايا دول الغرب، ذات الطبع السياسي الخبيث، وما بالطبع لا يتطبع.