الإثنين , 18 نوفمبر 2024
Breaking News

مملكة التطبيع في زمن تمييز الخبيث من الطّيب…بقلم محمد الرصافي المقداد

عندما يذكر  الشرفاء والمقاومون اصحاب المبادئ والقضايا العادلة للأمّة، يخسأ من له علاقة بالانحطاط والخسّة ومساوئ كل شيء يرمز للشيطان وسبل غيّه وانحرافه، وعندما يذكر العظماء ومآثرهم التي تركوها وراءهم، تستضيء بها شعوبهم، ينزوي الوضعاء وأهل الرّدّة في قومهم، ممن لم يزيدوهم سوى خبالا، وعندما تضيء الثورات باستحقاقاتها التاريخية، درب الحرّية والانعتاق، من نير الاستكبار العالمي بمعسكره الغربي، يستبشر التوّاقون إلى فضائها الرّحب، الواعد بغد تنجلي عنه ظلمة زمن رديء، باستسلام أهله وقصورهم عن نصرة الحق، يزداد في المقابل حنق ونقمة أعداء شعوبهم، فيصرّون على المضيّ في طريق الانحراف والشّذوذ.

قد يكون الذي يحصل في السنوات الأخيرة، وفي داخل المنتجع العربي، الذي لا يزال أكثر حكامه يصرّون المضيّ على طريق الانحراف عن القيم والمبادئ الإسلامية، مخدوعين بإغراءات وتشجيعات الغرب الكاذبة، بأنهم أصابوا اختيار سياساتهم، وحقّقوا بذلك تقدّمهم، انطباقا لقوله تعالى: ( ليميز الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون) (1)

المملكة المغربية هي إحدى الدّول العربية، التي تخلّت أوّلا عن قِيَمِ شعبها ومبادئه الإسلامية، وخانت القضية الفلسطينية محقّقة السّبق في ذلك، منذ أن تلقّب ملكها الحسن الثاني برئيس لجنة القدس(2) هو من أوائل المطبّعين مع الكيان الصهيوني، بعمليات تطبيع لم تأخذ طريقها إلى العلن، احتياطا من ردّات فعل أحرار الشعب المغربي، واستمر التطبيع في كنف السّرية، لا يعلمه من المغاربة سوى قليل من أهل الإطلاع والدّراية، إلى أن خرج عليه وريثه محمد السادس، ليظهره إلى العلن في أسوأ مظهر عرفه خونة شعوبهم وقضاياهم المبدئية.

كأنّ لسان حال ملك المغرب يقول من أجل ضمّ الصحراء الغربية، وكنوزها الطبيعية إلى مملكته، يهون التطبيع- وأصلا متى كان لفلسطين والقدس عند هؤلاء قيمة منذ النكبة والنكسة – فجاءت صفقته مع أمريكا دالّة على طبيعة أصله، في المساومة الرخيصة وبيع القضيّة، ولا أخال ملتزما بحقّ ومتشبّثا به، ينتظر خيرا من خائن مثل هذا الرّجل – ان صحّت تسميته هكذا – مهما ادّعى توبة.

وكما قيل أنّ الشيء من مأتاه لا يستغرب، فإنّ ما أقدم عليه ملك المغرب، وورّط فيه حركة الاخوان (العدالة والتنمية)، نالت جزاءها سياسيا بأن أسقطها الشعب في الإنتخابات الأخيرة، لا يُعْتَبَرُ مفاجئا بل منتظَرا وأكثر من ذلك، ففي جُعْبَةِ أمريكا وحلفائها مخططات تستهدف دولنا، واحدٌ يتلو الآخر بفاصل أو بلا فاصل حسب مقتضيات الحال.

لم يحصل ملك المغرب من امريكا بعد خطوته الطبيعية العلنية سوى وعد بالوقوف معه في قضية الصحراء الغربية ومساعدته على ضمّها الى مملكته، ويبدو أن خطوته الثانية التي أعلن عنها مباشرة في حفل توقيع إتّفاق تعاون أمني غير مسبوق ظاهرا، مع وزير الدفاع الإسرائيلي (بيني غانتس)، (وما خفي من المطبّعين الأوائل أعظم)، والخائن عندما يشمخ بأنفه متعاليا، يَراه من لا يعرفه صاحب حقّ، وقد خدعت شعوبنا مظاهر حكام لبستهم شبهات عديدة، حُسِبوا علينا زعماء وطنيين، وتاريخهم الحقيقي خيانات، وعمالة في أحطّ مستوياتها.

اتفاق بهذا المستوى وقّعه من الجانب المغربي الوزير المكلف بالدفاع المغربي عبد اللطيف لوديي للتعاون الأمني بمختلف اشكاله في مواجهة التهديدات والتّحدّيات التي تعرفها المنطقة وفق وكالة فرانس برس. سيسمح هذا الإتفاق للمغرب، باقتناء معدّات أمنية إسرائيلية عالية التكنولوجيا، إضافة إلى التعاون في التخطيط العملياتي والبحث والتطوير – وهنا بيت القصيد- هذا ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي الإتفاق بأنه “أمر مهم جداً، سيمكننا من تبادل الآراء وإطلاق مشاريع مشتركة وتحفيز الصادرات الإسرائيلية” إلى المغرب.(3)

تأتي زيارة غانتس الأخيرة المعلنة بثلاثة أيام من 23 غلى 25 /11/2021 لتحمل بين طياتها تعاونا أمنيا بين النظامين بعد عام من التطبيع العلني، بعد ثلاثة أشهر على إعلان المغرب وإسرائيل الاتفاق على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما من مكتبي اتصال إلى سفارتين. كما تأتي بعد مرور عام على توقيع الرباط وتل أبيب اتفاق تطبيع برعاية أمريكية، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أصبحت بموجبه المغرب سادس دولة عربية تطبع مع إسرائيل.(4)

وقد كانت الحكومة الجزائرية على لسان وزير خارجيتها، قد اتهمت وزير الخارجية المغربي (ناصر بوريطة)، بالرغبة في جر “حليفه الشرق أوسطي الجديد (تقصد إسرائيل)، في مغامرة خطيرة موجهة ضد الجزائر”.(5) والحكومة الجزائرية الشقيقة كعهدها بما يحدث حولها، وخصوصا من جارتها المغرب، المعلنة عداوة لم تعد خافية على أحد، بعد تقاربها الأخير مع الكيان الصهيوني، ومسارعتها في إبرام إتفاق أمنيّ خطير معه، غير محسوب العواقب، رغِب فيه الملك وحكومته، جاء كإعلان تحالف استراتيجي مع عدوّ غاصب، لمواجهة محتملة مع الجزائر بشأن الصحراء الغربية، ولعلّ الخير فيما وقع الآن، بعدما كشف الشقيق الأقصى عن وجه غير ودّي بالمرّة، وسيعود عليه بالضّرر بلا أدنى شكّ، الأيّام القادمة حبلى بالأحداث الكبرى التي سيكون الأحرار فيها صنّاع ثمارها الطّيّبة لفائدة الشعوب المستضعفة.

شعوب المغرب العربي معروفة بمعاداتها للصهيونية، ووفائها للقضية الفلسطينية وقضايا تحرّر الشعوب، وستبقى وفيّة لقضاياها المبديّة، مهما انحرف حكّامها، وأصحاب القرار المصوّب لانحرافات الحكام هي الشعوب، وبيدها إلغاء خزعبلات الدبلوماسية البائسة، وأهواء ملك المغرب المستجيبة لأهداف أمريكا والصهيونية العالمية، ليبقى للشعب المغربي إن أراد خيرا، أن يوقف المهزلة ببلاده، ويعيد ترتيب بيته الداخلي، ويخلّصه من الإنزلاق في أحضان الصهيونية، عدوة الشعوب العربية والإسلامية، والمغرور من غرّه سقوط مُريبٌ كالذي حصل في المغرب، ويراد تكراره في بلدان عربية أخرى، لم تطبّع في العلن حتى الآن، أما في السّر فما خفي أعظم، والتمييز متواصل.

المراجع

1 – سورة الأنفال الآية 37

2 – لجنة القدس https://www.marefa.org/

3 – التطبيع: بيني غانتس يوقع اتفاقاً أمنياً “غير مسبوق” بين المغرب وإسرائيل في الرباط

https://www.bbc.com/arabic/middleeast-59401649

4 – الأول من نوعه مع دولة عربية.. ما تفاصيل الاتفاق الدفاعي بين المغرب وإسرائيل وكيف سينعكس على الجزائر؟

 https://arabicpost.me /2021/11/24/

5 – الجزائر تتهم المغرب بجرّ إسرائيل إلى “مغامرة خطيرة” ضدها https://arabi21.com/story/1378852/

Check Also

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024