بقلم: محمد الرصافي المقداد |
وسط عالم سياسة مريض بداء التّبعية والعمالة، للقوى الإستكبارية المهيمنة عليه، افتقد المصداقية مع نفسه ومع شعوبه، كان منتظرا أن تتصاعد وتيرة الحملات الدعائية المغرضة، ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية، في ظل فشل التدابير العدائية المتخذة لمواجهتها، من طرف أمريكا شيطانة العالم بلا منازع، وزعيمة الاستكبار العالمي وحلفاؤها، وضآلة ما حققته من نتائج، ففي كل نجاح للسياسة الخارجية الايرانية، وتوفّق في التقدّم بمشاريعها التحررية، المقاومة للاستكبار الامريكي والغربي، والتمدد الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط، وفعالية في قطع دابر الارهاب التكفيري من سوريا والعراق ولبنان، مشروع أمريكا مصدر الارهاب الحقيقي، لا يجد أعداء ايران بعد كل فشل يمنون به، سوى اسلوب التحريض عليها، بمختلف أساليب الكذب لعلّهم يتمكنون من تشويه ايران، واقناع العالم بما يروّجونه ضدها من باطل، ليستمرّ التحريض ضد إيران، في أشكاله المتنوعة، السياسية والاقتصادية والاعلامية، على أمل الخروج من مواجهتهم الحالية مع ايران بشيء، يرفع عنهم الفشل الذي لازم مؤامراتهم، ويستبدل خيباتهم التي سئموا من جني محاصيلها الضحلة.
وفي هذا السياق انطلقت في المنامة ( البحرين) فعاليات مؤتمر (حوار المنامة IISS لقمّة الأمن الاقليمي الرابع عشر) أيام 26 و27 و28 /10/2018 والذي نظمته وزارة خارجية البحرين، بالتعاون مع المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، بمشاركة أكثر من 50 وزيراً، بين خارجية ودفاع، إضافة إلى كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين، الذين يمثلون 25 دولة، من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.
وطبيعي أن لا تغيب أمريكا عن أشغال كهذه، وهي التي تدعم كل عمل من شأنه أن يستهدف ايران الاسلامية مباشرة أو عبر وسائلها المتعددة، ونظرا لأهمية ما تريد البناء عليه في مواجهة ايران مشاريعها التحررية فقد شارك وزير الدفاع الأمريكي (جيمس ماتيس James Mattis )، ولم تغب بريطانيا زعيمة الاستعمار، وصاحبة الفضل في تأسيس نظام البحرين، فحضر وزير الدفاع البريطاني (غافين ويليامسون Gavin Williamson)، مرفوقا بوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، (أليستر بيرت Alister Burt) ، وقادة من وزارة الدفاع البريطانية.
اجمعت الكلمات الملقاة من القادة السياسيين والعسكريين، في مداولات المؤتمر، وان اختلفت لغاتها، على نسبة تهديد الامن في المنطقة الى ايران، بل وذهبت الى ابعد من ذلك، بالادعاء أن إيران الاسلامية، هي راعية وناشرة الارهاب في الشرق الاوسط ، في مغالطة أصبحت اليوم مفضوحة ومكشوفة، ووحدة هذا الخطاب الدّعائي مبنيّ على تعريف الارهاب، عند هؤلاء الذين تكلموا بلسان الكيان الصهيوني، ونيابة عنه 100%، فالفلسطيني يعتبر ارهابيا عند هؤلاء، طالما هو منخرط في حركة الجهاد الاسلامي أو حماس أو غيرها من قوى شعبه التحررية، واللبناني الذي استجاب لواجب الدفاع عن بلاده، من الغزو الصهيوني، واجتياح ارضه مرارا وتكرارا، فلم يسعه غير الإنخراط في حزب الله، لدفع الإنتهاكات المتكررة عليه،في نظر هؤلاء ارهابيا طالما هو واقف بقوة، في مواجهة الارهاب الحقيقي، الذي يستهدف أمنه من الكيان الصهيوني. كأنما لسان حالهم يقول: إن مقاومة الاستكبار والصهيونية تعتبر ارهابا، بمنطق الاستكبار والصهيونية، ولا مجال لتحجيم المقاومة، دورا وأداء وشعبية، الا بالدعاية الكاذبة، المشوهة لحقيقتها وأهدافها، والانتصارين الكبرين، الذين سجلهما حزب الله، في 2000 و2006 ، أثبتا أنه بإمكان الشعوب أن تنتفض وتتحرر، وتحقق ما عجزت عنه جيوش عربية، قالوا لنا حينها أنها جاءت لتحرير فلسطين، فزادت من مأساتها.
لم تختلف الكلمات وزراء خارجية الامارات عن نظيريه البحراني والسعودي في استهداف ايران، فأنور قرقاش قال إن بلاده تقف ضد توريد الأسلحة من إيران إلى التنظيمات الإرهابية في اليمن ولبنان.
وفي نفس السياق قال خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني، إنه من غير الممكن تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، في ظل طموح الهيمنة الإيرانية، القائم على التدخل في شؤون الآخرين. وأضاف: إن التدخل الإيراني لا يزال أمراً قائماً، في كل من العراق ولبنان.مشيرا إلى أن ميليشيات حزب الله المدعومة من طهران تعمل على زعزعة استقرار لبنان.
بينما جاء على لسان عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، أن ثورة الخميني أطلقت العنان للتطرف والإرهاب في المنطقة، مشيراً إلى أن الشرق الأوسط ما زال يدفع ثمنها حتى اليوم. وتابع الجبير قائلاً: نتعامل مع رؤيتين في الشرق الأوسط.. رؤية سعودية مستنيرة وأخرى إيرانية ظلامية. مؤكداً أن إيران أكبر راعٍ للإرهاب بالمنطقة.
ويبدو أن المستنير في السياسة السعودية، كما الأمح اليه عادل الجبير، هو الاصطفاف وراء امريكا والغرب، في تثبيت الكيان الصهيوني على ارض فلسطين نهائيا، باعتماد مبادرة السلام التي أطلقتها الجامعة العربية في عام 2002، بينما يكون الظلامي حسب السياسة نفسها، في موقف ايران الاسلامية، الداعية الى إزالة الكيان الغاصب من على كامل ارض فلسطين، والثابتة على موقفها منذ انتصار ثورتها الاسلامية، وقد عجز اعداؤها بما أوتوا من امكانات، عن ثنيها عن نشر سياساتها التحررية، وبث روح المقاومة في أنفس طلائع الامة الاسلامية، وهذا ما أفزع الاستكبار وعملاؤه.
ايران لم تكن في عصرها الثوري الجديد مهيمنة على جيرانها، بل كانت ضحية مؤامراتهم الى اليوم، حيث تبقى أكبرها حرب السنوات الثماني عليها، وتبقى القواعد العسكرية الامريكية والبريطانية الفرنسية، المنتشرة في دويلات الخليج – وخصصا في البحرين على ضئالة مساحتها – هي التهديد الحقيقي للأمن في المنطقة، وما لا يجب أن تنسى، التصريحات التي أدلى بها ولي العهد ووزير الدفاع السعودي ابن سلمان في 2 /5/ 2017 ضد ايران التي قال فيها (ان هدفنا هو نقل المعركة الى داخل ايران)، ومن يملك زمام نقل وتحويل الارهاب، يبدو منطقيا هو الراعي له والمتحكم في مجاميعه.
شيطنة ايران الاسلامية، ونسبتها الى الارهاب ظلما، والادّعاء عليها بتهديد امن واستقرار المنطقة، منطق صهيوني مغاير لحقيقة ايران، التي مثلما وقفت قديما الى جانب شعب البوسنة في حرب البلقان، واسهمت في انقاذه من الابادة الصربية، وقفت ولا تزال تقف الى جانب الشعب الفلسطيني واللبناني، في مواجهة العدو الصهيوني، ووقف تغوّله وانهاء اعتداءاته المتكررة على الشعب الفلسطيني، واللبناني والسوري، هي نفسها إيران التي تناصر بمفردها الشعب اليمني، في محنته الانسانية التي يعاني منها، بسبب عدوان التحالف السعودي الاماراتي الامريكي الصهيوني الظالم عليه، هذه هي ايران بمبادئها الاسلامية، التي تحرّم عليها الظلم والعدوان، وهؤلاء هم أعداؤها من غرب وصهاينة وأعراب، بما أظهروه من نزعات عدوان وفساد في الارض، فمن أحقّ بالشيطنة ونشر الارهاب والفوضى؟ إجابة تبحث عن عقل مفكر بصير، وليس عقلا جامدا أصمّ.