بقلم فوزي حساينية – كاتب جزائري |
هذا مقال مختصر كنتُ قد كتبته على صفحتي يوم الثاني من شهر أكتوبر من سنة 2017وعندما ذكرني به الفايسبوك الذي يتمتع بذاكرة رهيبة فقد رأيتُ أن أنشرهُ في يومية ” المحور العربي” لأن الفكرة الأساسية للمقال لاتزال فكرة راهنيه في الواقع الجزائري وهي ضرورة تأسيس الجزائر لمراكز أبحاث ودراسات في المجال المالي والاقتصادي لتكون مصدر توجيه ومساعدة ودعم لأصحاب القرار، وهذا هو نص المقال.
ثمة سؤالين مطروحين بقوة في الساحة الجزائرية اليوم ، الأول هل تحتاج الجزائر إلى إصدار دينار جديد ؟ والثاني ، لماذا لا تتوفر الجزائر على مراكز أبحاث ودراسات في المجال المالي والاقتصادي ، رغم وجود الكثير من الخبراء الجزائريين في مجال المال والاقتصاد هنا في الداخل وفي مختلف الجامعات والمؤسسات الأجنبية ؟ وهذان السؤالان مطروحان حاليا بحدة ذلك لأن الخبراء في المجال المالي والاقتصادي في الجزائر منقسمونإزاء المقترح المتعلق بفكرة طبع دينار جديد أو خلق نقود جديدة، أي دينارآخر مكان الدينار الجزائريالحالي فبعضهم يرى ضرورة اللجوء إلى هذا الإجراء لإعادة الأموال الضخمة الموجودة في إطار الاقتصاد الشكلي إلى داخل النظام المالي للدولة، وكأداة لمحاربة التضخم والغموض الذي يطبع الساحة المالية والاقتصادية، فيحين يرى خبراء أخرون أن اللجوء إلى إجراء خلق نقود جديدة سيكون أمرا غير مفيد على الإطلاق بل وسيكون كارثيا على اعتبار أن كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومات الجزائرية المتتالية قد فشلت في امتصاص السيولة المالية الموجودة في دائرة الاقتصاد الشكلي، وأن الجهات التي تتحكم في القسم الأكبر من الكتلة النقدية التي تعمل خارج رقابة الدولة، جهات قوية ونافذة وتستطيع إيجاد الحلول أو الإجراءات المضادة لمواجهة أي إجراء قد تتخذه الحكومة في هذا الصدد، كما يؤكد الخبراء أن اللجوء إلى إصدار دينار جديد سيكون بلا معنى دون الإقدام على المعالجة الجذرية للمشاكل الهيكلية التي تنخر جسد الاقتصاد الوطني مثل: الرشوة ، الفساد، التهرب الضريبي والفارق في سعر الصرف…إلخ.
والملاحظ هنا أنَّهوإزاء هذه المقترحات أننا لا نسمع إلا أصوات الخُبراء كصوت فردي لا غير، في حين يغيب تماما صوت ودور المؤسسات! التي من المفروض أنها هي المعنية بالدرجة الأولى بعملية التفكير وإعداد المقترحات والحلول، لأن طبيعة الأزمة تتجاوز قدرة فرد أو عدة أفراد، وتتطلب عملا مؤسساتيا…لكن هل يوجد في بلادنا مؤسسات تهتم بالدراسات الاقتصادية والتنبؤات المرتبطة بها؟ وإذا وجُدت فهل سيكون صوتها مسموعا من قبل أصحاب القرار؟ ونعرف جميعا أن الجزائر تتوفر على المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، وهو هيئة استشارية تتوفر على خبراء ومختصين في مختلف المجالات، فلماذا لا تلجأ الحكومة مثلا إلى طلب خدمات هذه الهيئة الاستشارية؟ يبدو من المعلومات القليلة المتوفرة أن الحكومة قد طلبت بالفعل خدمات هذا المجلس الوطني أكثر من مرة لكن بشكل غير كاف أو بالأحرى في وقت متأخر، إذ أنه وفي ظل الفورة المالية لم يفكر المسؤولون التنفيذيون في أنه من الواجب إشراك مثل هذه المؤسسات الاستشارية المهمة في اتخاذ القرارات عبر الاستعانة بالدراسات والتوصيات التي تعدها في هذا المجال أو ذاك، ويبقى السؤال، لماذا لا نفكر في الجزائر في تأسيس مراكز للبحث والاستشراف في ميادين الاقتصاد والتنمية المستدامة ومقتضيات التطور الاجتماعي والثقافي؟
والملاحظ ثانيا، أن كل الاقتصاديين الكبار في العالم يتفقون اتفاقا تاما على الحقيقة التالية:” أن أي اقتصاد لا يملك قاعدة أخلاقية لا يمكنه أن يذهب بعيدا مهما كانت ضخامة الموارد المالية والبشرية التي يتوفر عليها ” لذلك تحارب الدول بشدة أي مظهر من مظاهر الفساد السياسي والإداري، ونفهم عندئذ لماذا أسقط الكوريون الجنوبيون رئيسة وزرائهم لمجرد قيام صديقتها باستخدام نفوذها لصالح شركة معينة……..فهل نعي الدرس نحن الجزائريين ؟