الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

من للقضيّة الفلسطينية بعد إيران؟…بقلم محمد الرصافي المقداد

لا يمكن تزوير حركات المقاومة في هذا العصر، فأهلها وأنصارها قد وثّقوا كل صغيرة وكبيرة عنها، وليس بمقدور اعداء هذه الحركات – وهم بطبعهم اعداء شعوبها وان تظاهروا بعكس ذلك – تماما كما لا يمكن نفي صبغة هذه الحركات وعلاقاتها وارتباطاتها النضالية بأيّ حال، فهذا الزمن هو زمن مجال المعلومات الواسع النطاق بإمكان الباحث عن مراده بشأن أي قضية معاصرة أن يجد ما يبحث عنه بكل سهولة ويسر.

ولا يمكن كذلك الإدّعاء بانها حركات ارهابية وقد برهنت أنها عقيدة وثقافة وآدابا ضد الارهاب وفي مواجهتها لغزوه ومحاربته دليل واضح على انها ليست من تلك النزعة او من ذلك التيار، مهما اجتهدت امريكا ومن ورائها الغرب في القاء التهمة عليها.

لقد مر الشعب الفلسطيني بأحلك واتعس فترات حياته، وهو يواجه بأيد شبه عزلاء، قطعان الصهيونية العالمية الغازية لأرضه، فمات منه من مات، وشرّد من شرد، وعذّب من عذّب، دون أن يجد لمظلوميته نصرة حقيقية، ووقوفا جادا وواعيا، من أشقائه في العرق والدين، فلم تسفر نجدة من استفاق منهم في 48 و67 و73، شيئا يفيده ويستنقذه من براثن عدوّ شرس، لا يعرف الرّحمة في تعامله معه.

ذلك الإخفاق الكبير، لا يمنعنا من ذكر رجال أحرار، لم يسعهم العيش وسط ذلك الإذلال، فعبّروا من خلال مقاومتهم المحدودة، عن وجود نواة المقاومة، في صلب هذا الشعب وفي أنفس أحراره، لتنبت شجرتها وتقوى بمرور الزّمن، وتؤتي ثمرة كفاحها بإذن ربها، ولم يكن ليحصل ذلك، إلا بعد أن قاد الإمام الخميني ثورة بلاده إيران ضد الشّاه، في 11/2/1979، وهي ثورة إسلامية، بقيادتها الحكيمة، وفكرها الحيّ، ومنتسبيها الخُلّص الأوفياء.

ثورة بذلك الزّخم الجماهيري المنقطع النظير، وبتلك القوّة الفكرية الضاربة قناعة في عقول من عرفها، فقدّرها حق قدرها، قدّمت لعالمها الاسلامي ولبقية شعوب العالم، مثالا نابضا بالحياة والأمل بغد أفضل، كان لها الأثر البالغ، في تأسيس حركات نضال ومقاومة بفلسطين، على ايدي أبنائها المجاهدين البررة، تأثّرا بالثورة الإسلامية الإيرانية، فقد أسّس الدكتور فتحي الشّقاقي حركة الجهاد، التي اتخذت من الاسلام منهج حياة ومقاومة للعدو الصهيوني، في 1/11/1981، بشعارها المعروف الذي توجته الآية: (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا) ( سورة العنكبوت الآية 69)

وعلاقة الدكتور الشقاقي بالجمهورية الاسلامية الايرانية فكرا وقيادة ودعما، غير خافية لمن ألقى السّمع وهو شهيد، وهو صاحب كتاب: (الخميني.. الحلّ الإسلامي والبديل)، لم ينكر خياره ومضى فيه خلاف حركة الاتجاه الاسلامي بتونس (النهضة حاليا) التي عنونت في مجلتها المعرفة مقال: (الرسول ينتخب ايران للقيادة) وعبرت قياداتها  عن ابتهاجهم بالثورة الاسلامية الإيرانية، اثم سرعان ما تخلت عن موقفها.

الشقاقي اعتقل وسجن مرارا، ثم ابعد من فلسطين الى لبنان، إبّان الانتفاضة سنة 1988، ونظرا لما اعتبرته أمريكا والغرب والعدو الصهيوني بعد ذلك من خطر جدّي يمثّل وجوده، فقد بذلت مخابراتها قصارى جهودها، في جمع المعلومات عنه وتقصّي حركاته وتنقلاته، وتمكن الموساد الصهيوني بتاريخ 26/10/1996 من اغتياله في مالطا، وهو عائد من ليبيا بعد دعوة من قيادتها، وشيع في دمشق ودفن في مقبرة مخيم اليرموك.

بعد استشهاد مؤسس الحركة وأمينها العام، أخذ المشعل رفيق دريه الدكتور عبد الله رمضان شلّح، وقاد الحركة بكفاءة، وهو الذي يعتبر أحد أهمّ القادة المؤسسين لحركة الجهاد، الى جانب الشهيد الشقاقي، ولم تتأثر علاقة الجهاد الاسلامي بفقد قائدها الأول، بل زادت نموّا وتطوّرا، برعاية من الطرفين قادة إيران الإسلامية، وقادة الجهاد الإسلامي، بل إن ما تأسس من قيام الحركة، تأثرا بالثورة الاسلامية، قد أوجد معادلة مقاومة، وردع للعدو الصهيوني، لم يكن يتوقع قوتها وتأثيرها، في مجال الصراع الدّائر بفلسطين، وأهمّ أمثلة على ذلك، حزب الله 1985، وحركة حماس 1987، وحركة الصابرين 2014.

يوم السبت 6/6/2020 فجعت حركة الجهاد ومنتسبوها وعشّاقها، برحيل أمينها العام السابق الدكتور عبد الله شلّح، بعد صراع مع مرض عضال دام سنتين، مختتما بمعاناته الطويلة عطاء غزيرا للقضية الفلسطينية، ومقدّما مثالا للفلسطيني الصادق ولأحرار المسلمين، نموذجا لرجل فذّ شريف، ترك بصماته على صفحة النضال الفلسطيني، خبر محزن ولكن لا رادّ لقضاء الله، فكل نفس ذائقة الموت، ونعم أجر العاملين الصابرين في البأساء والضرّاء وحين البأس.

صفحة النضال ومقاومة العدوّ الصهيوني، التي فتحتها ايران بعنوانها الاسلامي، بعد فشل صفحة النضال بعنوانه العرقي القومي الضيّق، كبرت وتعاظمت على مدى سنوات تأسيسات حركاتها، ونتائجها أصبحت ملموسة، ولها أثرها البالغ في صناعة غد أفضل لفلسطين واعدا بالنصر، والقناعة التي عمّت الفلسطينيين، بأن طريق استعادة فلسطين من أيدي الصهيونية والاستكبار، لا يكون بالمفاوضات، ولا بالتنازل عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،  ولا بالعمالة للأعداء، بل بطريق واحد، وهو المقاومة المسلّحة ولا شيء غيرها، وهذا الطريق هو الذي دعا اليه الإمام الخميني، منذ انتصار ثورته الاسلامية، واعتبره خيارا وحيدا لحلّ القضية الفلسطينية.

ان الذين اجتمعوا في خندق معاداة ايران، لم يأتي اجتماعهم  صدفة، من دون ترتيبات مسبقة، والعالم كله شهد من حفر اخدوده، وحشر فيه من حشر من زبانية الشيطان، يوحي كبيرهم الى صغيرهم زخرف القول غرورا، اتفق جمعهم على ضرب مصداقيتها، بنشر أخبارا زائفة عنها، محاولة منهم في لإيجاد جدار فصل، بينها وبين بقية الدول والشعوب الاسلامية، يعرقل اي تواصل سياسي او اقتصادي او فكري معها.

ما يدفعني للحديث فيه هنا، دلائل اسهام النظام  الإسلامي في ايران، في مشروع تحرير فلسطين، وما قدّمته من جهود وإمكانات، من أجل أن تكون للشعب الفلسطيني المستضعف، القوّة والقدرة على مواجهة عدوّ شرس، لا يتزرّع عن ارتكاب أي نوع من الجرائم، لضمان بقائه على ارض فلسطين، ومع ذلك نرى أن هناك من بلغت به الخسّة والدّناءة، مبلغ تجريح ايران ومعاداتها، دون مراعاة لدورها وما تحمّلته من أجلها، من عقوبات قاسية لا تزال قائمة ضدها، مخيّرين الارتماء تحت أقدام الصهيونية والاستكبار العالمي، بمنتهى الذلّ والوقاحة.

المرحوم عبدا الله رمضان شلح، كان صريحا عندما قال: إنّ إيران تشكل عامل السلام والاستقرار في المنطقة.. معبّرا عن أسفه للجهود العربية المحمومة، التي تسعى لاعتبار إيران عدوّة لها، متوافقين في ذلك مع أعداء الإسلام.. نائحا باللائمة على انظمة وشعوب العالم العربي، التي لم تعد تعير فلسطين وشعبها المظلوم أي اهتمام. وقال : إن هناك مؤامرة تبذل فيها الجهود، لأجل نسيان فلسطين، وسوْق الجميع لمعاداة إيران. وإنّ حركة الجهاد الإسلامي تدرك هذه المؤامرة، وتشعر بالمسؤولية لدعم إيران، ولن تسمح  بحرف مسار مقاومة الكيان الصهيوني.

المرحوم رمضان شلح كان قد اعلنها مدوّية لمن ليس بأذنه صمم :إن الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة تستخدم أسلحة ايرانية الصنع ،أو تم تمويل شرائها بمال ايراني، في هجماتها على اسرائيل. (1)

وبينما تستمر ايران في مسيرتها الاسلامية لبلوغ هدفها الغالي ، الذي رسمه الامام الخميني، من اجل تحرير فلسطين، تستمر أبواق الدعاية المغرضة والتهريج ضد ايران، في تونس وفي غيرها من البلدان، ولولا قادة فصائل المقاومة، الذين ابدوا شكرهم وامتناهم الى القادة الايرانيين، على جهودهم وتضحياتهم ومساهماتهم، في صنع معادلة ردع لأعداء الامة، لاندثرت القضية الفلسطينية، ولذهبت حقوق الشعب الفلسطيني ادراج الرياح، قال تعالى: (قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً.) (2)

 

المصادر:

  • نشرة فلسطين اليوم الإخبارية نوفمبر 2012 العنوان رقم 19 ص13.
  • سورة الاسراء الآية 84

 

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024