لم يعد مفاجئا، أن يظهر رؤساء الدبلوماسية الغربية بمظاهر مزرية، تتناقض تماما وشعاراتهم في العدل والحرية والأخوّة التي اعلنتها الثورة الفرنسية، وأظهر بعد ذلك رؤساء فرنسا الالتزام بها، وتطبيقها بزعمهم ليس في بلدانهم فحسب، بل ونصبوا أنفسهم حماتها ورعاتها في العالم.
لكنه في كل فترة من الزمن، تنكشف حقيقة الغرب، وزيف عناوينه التي رفعها، خصوصا عندما غزا بلداننا، واحتلّ أراضينا بقوة عساكره، انتهك خلالها جميع حقوقنا، واستخفّ بمقدساتنا، ونالنا منه أذى كثيرا، لا يكفي الاعتذار منه.
بلدان الغرب الكبرى اليوم، تتنافس ودّيا بينها من أجل السيطرة على مقدّراتنا، والتحكم في سياسات بلداننا، بواسطة عملائها في بلداننا، بعدما هيّاتهم بكل الامكانات والوسائل المادية والمعنوية، ومن أجل الفوز بالسلطة، دخلوا علينا بلبوس الوطنية، فلما انخدع بهم الشعب وصوّت لهم، أصبحوا وكلاء الغرب وحماة مصالحه، مقدمة على مصالح شعوبنا، وتاريخ السياسات العربية مليء بالأمثلة السيئة، على نماذج هؤلاء العملاء، وبلداننا لم تتقدم خطوة واحدة في طريق بناء مستقبلها بسبب عمالتهم.
من أجل ذلك، لا تتوانى بلدان الغرب عن دعم وكلائها في بلداننا، وتسخّر جميع امكانياتها السياسية والاعلامية والصناعية والعسكرية، من أجل تثبيت عملائها، حتى لو تجاوزوا حدود القانون الدولي وخرقوا مواثيقه، فضيحة بيع الأسلحة الفرنسية والبلجيكية، واستنفار عدد من منظمات المجتمع المدني وبعض وجوه المعارضة في كل من بلجيكا وفرنسا من أجل فضح الصفقة ومنع شحنها، طفت على سطح الاحداث السياسية في كلا البلدين وفرضت نفسها اعلاميا الى جانب حراك الستر الصفراء المتواصل بفرنسا.
لقد نجحت الحملة الحقوقية في افشال شحن صفقة الاسلحة من ميناء لوهافر الفرنسي وخروج السفينة السعودية منه فارغة، ولا يزال الضغط الشعبي عن طريق هذه الحملات، متواصلا على السلطات الفرنسية والبلجيكية، من أجل وقف بيع الاسلحة الى النظامين السعودي والاماراتي
والمعيب على الدبلوماسية الفرنسية وزعيمها ماكرون ان يصر على موقفه في مواصلة بيع الاسلحة الى تحالف العدوان على اليمن، وتحديدا للنظامين السعودي والاماراتي رغم التقارير الثابتة التي أكّدت استعمالها ضد المدنيين، بادّعائه الكاذب أنه ضامن عدم استعماله ضد المدنيين، وهو يعلم جيّدا أنه استعمل، ولا يزال ضد المدنيين في اليمن، ودون اعتبار لأي قيمة دينية أو انسانية.
الرئيس الفرنسي بتصريحه يستبله شعبه من ناحية، كانه غائب عما يجري من عدوان على الشعب اليمني، وهو من أجل استمرار بيع مصانع بلاده مختلف انواع الاسلحة الى تحالف دول العدوان، يعمل على التغطية على جرائم تحالفه، بدعوى انهم حلفاء فرنسا في محاربة الارهاب وأي ارهاب يقصده ماكرون؟
لا اعتقد ان ماكرون جاهل لحقيقة ما يجري على الساحة اليمنية، من جرائم بحق الشعب اليمني، تقارفها يوميا طائرات تحالف العدوان، الذي يقوده النظام السعودي بمعيّة الإمارات منذ اربع سنوات ونيف، فمخابراته وخارجيته بأجهزتها العسكرية والمدنية، مطلعة على تفاصيل ما حدث ويحدث، ويحاط علما بها تباعا، وبما قدمته بلاده ولا تزال، من مساهمة في استدامة العدوان على اليمن.
وقاحة الرئيس الفرنسي، لا تختلف كثيرا عن وقاحة الرئيس الامريكي ترامب، فكلاهما من معسكر غربي يبدو موحّدا في إيذائنا، ادعى علينا طويلا، انه صاحب قيم انسانية يعمل على نشرها، والحال أنه ليس في تاريخه بقعة ضوء واحدة تؤكّد حسن نيّته، وما عرفناه عنه يكفي لكي نجزم، بأنه غرب معاد لنا، يعمل على تثبيت مصالح فينا، ولا يريد لنا أن نخرج من سيطرته.
ويبدو ان مصلحة فرنسا بالنسبة لماكرون وغيره من رؤساء الغرب، فوق كل اعتبار، حتى لو كان في ذلك خرق للقوانين الدولية، وتعد صارخ لحقوق الانسان، المهمّ عندهم ان لا يكون هذا الانسان من ذوي الأصول الغربية، التي تدعي التفوّق العرقي، امام تدنّي قيمة الشعوب المخلّفة عن ركب التطوّر المدني الغربي، والتي يراها الساسة الغربيين، طوع أمر دوله في التحكم فيها واستنزاف مواردها.
فرنسا ودول الغرب التي ترفع شعارات تنادي باحترام حقوق الانسان، وتتمظهر بالدفاع عنها، في سجلها آلاف الجرائم بحق الشعوب التي استعمرتها، لذلك فهي بنظر العارفين بحقائق هذه الدول الاستعمارية، اخر من ينتظر منها ان تقوم بمبادرة حقيقية للدفاع عن حقوق الانسان، وهي تنتهك من طرف عملائها هنا وهناك، خصوصا تحالف العدوان على اليمن، الذي يقوده النظام السعودي.
لا اعتقد ان صفقات الاسلحة المباعة الى السعودية والى الامارات العربية ستتوقف، بل سوف تتواصل بنفس الوتيرة، وما يروجه الغرب عن انسانيته تجاه هذه القضايا، لا يتعدّى كونه دعاية تصب في الحفاظ على ماء الوجه الغربي، القبيح بسوء افعاله، المنافية للإنسانية التي يدّعيها.
إن من سيقرر وقف هذه الشحنات، هي مقاومة الشعب اليمني لقوى العدوان، وانتقاله من حال الدفاع عن نفسه الى الهجوم، وهذا ما بدأ يحصل هذه الايام، بسيطرة القوات اليمنية المشتركة على 17 نقطة حدودية في جيزان، التي اغتصبها النظام السعودي مع نجران وعسيران من اليمن، مستضعفا أهله سنة 1934.
التطوّر النوعي الذي شهدته قوات الدفاع اليمنية، في امتلاك الاسلحة المتطورة، واستعمالها ضد اهداف محددة في العمق السعودي والاماراتي، كضرب انابيب النفط السعودية وتعطيل ضخها، تعدّ سابقة لها وزنها، في لجم تهوّر قوى العدوان على الشعب اليمني وشرعيته الثورية، وأعتقد أن قادم الايام ستكشف لنا مزيدا من التّوفيقات اليمنية، طالما أنهم اصحاب حق يراد طمسه.