قنبلة أخرى يفجرها موقع (نورديك مونيتور) الاستقصائي السويدي، حول مسار العلاقة المشبوهة بين السلطات التركية وتنظيم (داعش) الإرهابي. تصريحات مهمة أدلى بها إلى الموقع، عبد القادر ماشاريبوف، وهو أحد منتسبي التنظيم الإرهابي، ومنفذ الهجوم على ملهى ليلي في احد ضواحي إسطنبول، في ليلة رأس السنة عام 2017، مما أسفر حينها عن مقتل 39 شخصًا، أفاد في هذه التصريحات، أن السلطات التركية طلبت منه بشكل صريح، أن يدلي باعترافات تفيد بعلاقته وعلاقة التنظيم الذي ينتمي إليه، بحركة فتح الله غولن، مقابل تحسين ظروف معيشته داخل السجن.
أكد هذه المعلومات، سجين سابق في سجن (سيليفري) في اسطنبول، كان رهن الاعتقال لفترة وجيزة، في زنزانة انفرادية مجاورة للزنزانة التي كان معتقلاً بها ماشاريبوف. حيث أفاد هذا السجين أن ماشاريبوف أخبره واخبر سجناء اخرين، أن الضباط الذين استجوبوه وحققوا معه، طلبوا من أن يعترف بأن من حرضه على مهاجمة ملهى إسطنبول الليلي هو حركة فتح الله غولن، وذلك مقابل أن يتم نقله إلى زنزانة أفضل، وقد أقر هذا السجين السابق، أن هذه المعلومة معروفة للقاصي والداني داخل السجن.
مصادر موقع نورديك مونيتور، أفادت أن ماشاريبوف، الأوزباكستاني الجنسية، كان قابعاً في الحبس الانفرادي منذ إلقاء الشرطة التركية القبض عليه، وكان شبه متأكد أنه سيتم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، نظراً لطبيعة الجريمة التي أرتكبها، وعدد الضحايا الكبير، وبالتالي لعبت السلطات التركية على هذا الوتر، من أجل إغرائه بتحسين ظروف معيشته داخل السجن، مقابل أن يدعي زوراً أن حركة فتح الله غولن هي المحرضة على هجوم 2017 الإرهابي، لكن تشير المعلومات المتوفرة، أن ماشاريبوف رفض العرض التركي، من زاوية أنه يعتبر الانتماء لهذه الحركة أو الادعاء بذلك هو إهانة، لأن التنظيمات الإسلامية الراديكالية بشكل عام تناهض هذه الحركة.
سابقاً كان موقع نورديك مونيتور، قد نشر مقتطفات من مذكرات رجل أعمال تركي مؤيد لحركة غولن، تم سجنه في المغرب مع سجناء ينتمون لتنظيم داعش، أكد فيها أن سجناء التنظيم تعاملوا معه على أنه كافر، وأن التنظيم ينظر لكل المنتمين إلى حركة فتح الله غولن على أنهم مارقون وكفار.
بشكل عام، تشير المعلومات التي نشرها موقع نورديك مونيتور، أن محاولات السلطات التركية استغلال الهجمات الإرهابية التي تحدث على أراضيها، من أجل إلصاق تهم إرهابية بحركة فتح الله غولن، تكررت خلال الفترة السابقة، فقد أشارت بعض المقالات الصحفية التي تم نشرها عقب هجوم 2017، أن الحكومة التركية اعتزمت استخدام هذا الحادث كأداة لتحميل حركة غولن المسؤولية عن هذا الهجوم من جهة، ومن جهة أخرى تسويق هذه الرواية دولياً، وبالتالي دعم الصورة الاستعراضية التي تسوقها أنقرة، بشأن صراعات أجهزة الأمن التركية مع أنشطة داعش على الأراضي التركية.
من أمثلة هذا التوجه، ما تم نشره في الخامس من جانفي 2017، على صفحات جريدة (أكيت)، ذات التوجهات المعادية للسامية والمناهضة للغرب، حيث روجت عبر عدة مانشيتات، إلى فرضية أن هجوم 2017، تم تنفيذه بالتعاون بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الموساد الإسرائيلي، ومنظمة فتح الله غولن، دون أدنى ذكر للدور الرئيس لتنظيم داعش في هذا الهجوم.
صحيفة (ستار) اليومية المقربة من الحكومة التركية، قالت في عناوينها الرئيسية، أن حركة غولن متورطة في الهجوم على الملهى الليلي، وادعت أن الحراس الذين كانوا متواجدين على مداخل الملهى، كانوا من أتباع الحركة، وأن اثنين من عملاء المخابرات (في إشارة إلى الموساد الإسرائيلي والسي أي أيه)، وفروا الأسلحة التي تم استخدامها في هذا الهجوم، علماً أنه لم يتم اعتقال أو محاكمة أية حارس من حراس هذا الملهي، على خلفية هذا الهجوم. يضاف إلى ذلك ما كتبه الصحفي محمود أوفور، الكاتب في صحيفة (صباح) اليومية، المقربة من عائلة أردوغان، وأفاد فيه أن منفذ الهجوم على الملهى الليلي، كان على أتصال مع ضابط برتبة عقيد، مرتبط بحركة فتح الله غولن، دون أن يذكر بشكل محدد أسم هذا الضابط.
صحيفة (يني شفق) اليومية، نشرت من جانبها بعض المقالات، التي تروج فيها لفكرة أن حركة غولن نشرت معلومات خاطئة عن هوية منفذ الهجوم، خلال بحث الشرطة عنه، وقد تجاهلت الصحيفة حقيقة أن وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية، نشرت خلال الساعات التي تلت الهجوم، صوراً وقصصاً إخبارية غير صحيحة عن منفذ الهجوم، في محاولة منها لتبييض صفحة شرطة إسطنبول، من تهمة التقصير في أداء مهامها، خاصة أن جهاز الشرطة تعرض لانتقادات عنيفة، بسبب عدم اتخاذه الاحتياطات الأمنية اللازمة خلال احتفالات رأس السنة عام 2017، وعدم تمكنه من اعتقال الجاني بشكل سريع، رغم وجود تسجيلات مصورة من كاميرات المراقبة، كشفت عن هويته ومسار هروبه.
جدير بالذكر أنه الشهر الماضي، اعترف أحد زعماء العصابات التركية، ويدعى سيركان كورتولوش، بعد القبض عليه في الأرجنتين بموجب نشرة حمراء من الإنتربول، أن بعض المسؤولين في الحكومة التركية، قاموا بتجنيده للاعتداء على القس الأمريكي والسجين السياسي السابق أندرو برونسون، الذي أدانته محكمة تركية في وقت سابق بتهم متعلقة بالإرهاب. وقال كورتولوش خلال مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، أجرتها معه داخل السجن في الأرجنتين “حتى قبل محاولة الانقلاب عام 2016، بدأت الحكومة التركية في أتهام القس برونسون أنه جاسوس داعم للإرهاب، وقد طلبوا مني أن أجد من يقتله، ومن ثم يتم ألقاء اللوم في هذه الجريمة على أحد أتباع حركة غولن.
في نفس هذا السياق، صاغت السلطات القضائية الموالية للحكومة التركية، لائحة الاتهام الخاصة بالتحقيقات في مقتل السفير الروسي في تركيا أندريه كارلوف، تنص على أن حركة فتح الله غولن ومنتسبيها، هم المشتبه به الرئيسي في القضية. ومع ذلك، اتضح أن مولود ميرت ألتينطاش، ضابط الشرطة الذي قتل السفير، كان من مؤيدي جبهة النصرة في سوريا الموالية لتنظيم القاعدة، والتي كانت خلال الفترات السابقة مدعومة من جانب حكومة أردوغان، كما أن ألتينطاش قد استقى توجهاته المتطرفة، من نور الدين يلديز، وهو أحد الشيوخ المقربين من عائلة أردوغان، والضيف الدائم في كافة الفعاليات الشبابية التي ينظمها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، والمؤتمرات التي تنظمها مؤسسة شباب تركيا، التي تديرها عائلة أردوغان بشكل مباشر.
في نهاية المطاف، وكما كان متوقعاً، حكمت إحدى محاكم اسطنبول في الرابع من سبتمبر 2020، على ماشاريبوف منفذ هجوم 2017، بالسجن مدى الحياة، وأضيف إلى هذا الحكم نحو 40 حكماً بالسجن المؤبد دون إمكانية الإفراج المشروط، وأحكام بالسجن يصل مجموعها إلى 1368 عامًا. رغم هذا لم تجد المحكمة أي صلات بين ماشاريبوف وحركة غولن، ولم تتم محاكمة أي شخص من المنتمين إلى الحركة في هذه القضية، كما أن ماشاريبوف نفسه عاد ونفى اعترافاته السابقة للشرطة، التي أفاد فيها بمسئوليته عن هجوم الملهي الليبي، وادعى خلال المحاكمة أنه ليس الشخص المسلح الذي ظهر في تسجيلات كاميرات المراقبة الخاصة بالملهي الليلي خلال الهجوم عام 2017.