قد يشاطرني الرأي كل من فهّم الثورة الإسلامية الإيرانية، بعدما تناول ملابساتها وفكرها بالدرس، وقد لا يشاطرني فيما سأكتبه في هذا المقال، من كان صاحب فكر معادٍ لها، أو من حمل تصوّرا مغلوطا عنها، انخذع به من خلال حملات دول الغرب وعملائها عليها فصدّقه، ومصْدره لو تمعّن فيه آتٍ من أعدائها أصحاب الأبواق الدعائية المغرضة، التي لم تنفك يوما بمناسبة أو بدونها، عن شنّها على نظامها الإسلامي، مستغلة وضعا هيأته ليكون مدخلا لتشويهها.
وكمناصر للثورة الإسلامية ونظامها الذي قام على أثرها، لم أكن متوقعا أبدا أن تندلع اضطرابات في مدنها بهذا المدد الغربي المكشوف، وتتواصل بصورة محدودة، في مناطق مختلفة منها، بأشكال مختلفة معبّرة عن مظاهر عدائية خطيرة، تجاوزت النظام الإسلامي ورموزه، إلى المساس بمقدسات الدين، كالمساجد والحوزات العلمية، واستهدفت في مقام أول حجاب المرأة، وزيّها الشّرعي الواجب ارتداؤه في الأماكن العامة، بأعمال تحريضية منظمة، في مظاهر تحدّ لم يسبق لها مثيل من قبلٌ.
أوّل ما يجب أن ألاحظه بشأن هذه الإضطرابات أنها جدّت في مناطق غير شيعية، بمعنى أخر أنها كانت محصورة في مناطق تغلغلت فيها الثقافة الغربية، وسيطرت مظاهرها على عقول من تأثّر بها، إلى حدّ أصبح يراها من اتّبع سلوكها المتحرّر من كل قيمة دينة، من مشمولات حرّيّتها الشخصية، وتقييدها – حسب القانون الإيراني- بالأحكام الإسلامية مساس صارخ، بها يجب أن يتوقّف، ليفسح المجال لتنطّعها كيفما يحلو لها، ولمن شاطرتها موقفها.
ولا يمكن أن نغفل عن خِطَطِ دول الغرب المتواصلة، في انتهاك حرمة وقداسة رموز الإسلام، بدأً من النبي صلى الله عليه وآله، بإغراء أتباعه من المتأسلمين بالكتابة والتأليف بشأنه، تشكيكا في سلامة سيرته واستقامة شخصه، بتعابير ساخرة شتى كالصور الكاريكاتورية، التي قامت بنشرها صحف أوروبية تباعا، ليس فقط تحدّيا للمسلمين في مشاعرهم كما تصوّر الكثيرون، ولكن من أجل خلق ثقافة مُهِينة، لا تقيم وزنا لأيّ مقدّس عند المسلمين المتغرّبين، وهذا مشروع الغرب الأساس، في إفراغ المسلمين جميعا من أيّ مقدّس عندهم.
عندما يكتب الإعلام الغربي موهما العالم، بأن الإيرانيين نزلوا إلى الشوارع بأعداد كبيرة في الإضطرابات الأخيرة، فذلك تضخيم وتهويل للإحتجاجات في مناطقهم، إذ أن الواقع الحاصل هناك، لا يتعدى تظاهر العشرات أو المئات على أقصى تقدير في مناطق محددة، معروفة بعدائها للنظام الإسلامي واجراءاته القانونية، التي هي من صميم الإسلام المحمّدي، وليست شيئا غريبا عنه، لمن عرف أحكامه الواقعية، ودعا إلى تطبيقه في مجتمعه.
إن نظاما قام على أثر ثورة شعبية عارمة، لم يسبق لها أن وقعت على الأقل في عصرنا الحالي، وبتأييد من عامة الشعب الإيراني، ولا استبعد أن يكون المسلمون السنة أكرادا كانوا أم بلوشا من أنصار هذا النظام، وشاركوا في فعالياته، وأن من ناهضه بالأمس واليوم، هم قلة قليلة من التأثرين بالثقافة الغربية، ومن غير الملتزمين بتعاليم الإسلام وأحكامه، دون أن ننسى أن الشعب الإيراني مؤلّف من عرقيات متعددة، مختلفة في عقائدها، متعايشة فيما بينها، لكنها لم تصل إلى حدّ التنافر والعداء، الذي يحاول توظيفه أعداء إيران نظاما وشعبا، وما ظهر هنا وهناك من مظاهر عدائية، لا يمكن تفسيرها أو ارجاعها إلى سبب داخلي، بقدر ما رجّح المطّلعون على الشأن الإيراني، ارتباط هذه الظاهرة بمخطط أمريكي غربي، متعلّق بتفتيت مكونه العرقي، إلى ثلاثة أو أربعة كيانات ضعيفة( كردستان/ بلوشستان/ الأهواز/ أذربيجان) يسهل عليه بعد ذلك احتواؤها واستغلالها من جديد.
هي حرب حقيقية، تحالفت عليها قوى غربيّة، متربصة بالنظام الإسلامي، تريد إنهاءه بأي طريق وبأيّ ثمن كان، وسوف تستمر في أعمالها العدوانية، ولن تتوقف بأيّ حال من الأحوال، يحملها الطمع وتسرح بها الأماني، بإسقاط المشروع الإسلامي في إيران، لعلّ ما حدث في بلدان الربيع العربي يتكرّر هذه المرّة، فيخلّص أمريكا والغرب من كابوس، يعتبرونه مصدر تهديد مشاريعهم الإستكبارية في المنطقة الإسلامية، وفي سائر بلدان العالم المستضعف.
لقد كان الامام الخميني رضوان الله عليه بصيرٌ بالقوى الغربية، تركيبة وتصنيفا وأهدافا، فلم يتردّد في وصف أمريكا بالشيطان الأكبر، نظرا لما اقترفته بحق شعوب العالم، وهي لن تتورّع عن ارتكاب أي جريمة، مهما كانت فظيعة بحق أي شعب، في سبيل السيطرة عليه واستغلال موارده، وقد قامت الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني، من أجل قطع دبر هذه الآفة التي أبتليت بها دولنا وشعوبنا، وقد تكررت نصائح هذا العالم الجليل، والفقيه العارف بزمانه في مناسبات عديدة، فاتح بها شعبه وباقي الشعوب الإسلامية، ودعاهم إلى ضرورة الإحتراز من هذا الشيطان، والتحسّب من فنون ألاعيبه السياسية، وخبائثه الإعلامية، وثقافته الزائفة، ومما جاء في وصيّته الخالدة:
(اليوم وبالإعلان رسمياً عن قيـام الجمهوريـة الإسـلامية، واستقرار هذه الأمانة الإلهية في إيران، وتحقق النتائج العظيمـة خلال مدة قصيرة، فإن من الواجب علـى الشـعب الإيرانـي خصوصاً، والمسلمين عموماً، استفراغ الجهد في حفظها، والسعي لإيجاد عوامل بقائها، وإزالة الموانع والعوائـق مـن طريقهـا، والمؤمل أن يسطع سنا نورها على جميـع الـدول الإسـلامية، ويتحقق الإنسجام بين جميع الدول والشعوب، على هـذا الأمـر المصيري فيكفّوا – وإلى الأبد – أيدي القوى الكبرى، والمستغلين ومجرمي التاريخ، عن المظلومين والمضطهدين.) (1)
ما يمكن قوله إثباتا بكونه حقيقة، تعوّد أعداء إيران التهرّب منها، أنّ هذا النظام القائم لم يأتي من فراغ، وهذا سبب مهمّ في تجذّره وإتّساع رقعة شعبيّته، ليتجاوز حدود إيران، إلى سائر البلاد الإسلامية، من مغتربين عن بلدانهم ومقيمين فيها، وهذا وحده سببا كافيا ليقضّ مضاجع أعدائه، وإن كانوا من القوى الكبرى، فينظروا إليه بعين الكاره لوجوده، والحاقد عليه بما في مضمونه من عناوين عادلة، لا ترى للظلم وقواه الشيطانية مكانا على وجه الأرض، وما وصلته إيران اليوم من تناسق أدوات حكم منتخبة، اعتمدت أحكام القرآن شريعة ودستورا، ومن تقدّم علميّ وتقني باهريْن، أعطاها قوّة إلى جانب قوة أخرى، خارجة من حساب الغرب وصهاينته، يستحيل عليهم فعل شيء من أجل تحييدها، وتلك هي قوةّ الله ومشيئته، بخصوص شعب قال نعم للإسلام، فأجابهم الله سبحانه بما رغبوا، طوعا وحبّا فيه، فمن يقدر على محو ذكر إيران بعد هذا؟
المراجع
1 – الوصية الإلهية الخالدة ص 44/ 50/51
https://image.alkawthartv.ir/innermedia/2022/06/02/637897782284926644.pdf