لاحظ الجميع خلال الأيام القليلة الماضية أن بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني وهو وزير الحرب في الوقت نفسه، شن ثلاث عمليات عدوانية عسكرية متتالية، واحدةً فوق الأراضي السورية، واثنتين في الأراضي اللبنانية فوق ضاحية بيروت الجنوبية وأخرى في بلدة قوسايا البقاعية، وحَمَل- قبل وبعد تنفيذ هذه العمليات- على إيران وزعم أنها كانت تنوي تنفيذ عمليات إغارة بطائرات مسيّرة فوق الكيان الصهيوني، وأنه بعدوانه على قرية عقربا أفشل هذه الغارة. والسؤال الذي يطرحه معظم المحللين السياسيين المختصين بشؤون الشرق الأوسط هو: ما الذي يريد نتنياهو تحقيقه من هذه العمليات قبل أسبوعين تقريباً من موعد الانتخابات؟
الحقيقة الواضحة أنه لن يحقق شيئاً حتى لو افترضنا أنه يريد بوساطة هذا العدوان على جبهة الشمال جلب المزيد من أصوات أنصار اليمين المتشدد الذي تتنافس أحزابه فيما بينها، لأن مغامرته هذه بدأت تجعل الكثيرين يخافون من نتائج تصعيده والتسبب بحرب شاملة أو حرب محدودة الزمن تتساقط فيها صواريخ جبهة الشمال على المستوطنات الشمالية قبل موعد الانتخابات.
لكن نتنياهو برغم ذلك نفذ عدوانه الثاني فوق الأراضي اللبنانية بسلاح الجو الإثنين الماضي (26 آب الجاري) قرب قرية قوسايا، أي بعد أن أعلن سماحة السيد حسن نصر الله قبل يوم من هذا الاعتداء عن البدء بالتصدي لأي طائرة إسرائيلية تشنّ غارة على الأراضي اللبنانية لإسقاطها، فهل أعد نتنياهو نفسه وكيانه لتحمل رد المقاومة اللبنانية، أم يظنّ أن الرد لن يحدث في هذه الأيام المقبلة؟
يبدو أن نتنياهو وجد نفسه في هذه الأوقات في مأزق صعب بين سقوطه في الانتخابات ومحاكمته وإدانته بالاختلاس والرشوة وبين استهداف الجبهة الشمالية بتصعيد أو حرب شبه مكثفة تؤدي إلى إلغاء الانتخابات نهائياً، فيحافظ على بقائه رئيساً للحكومة ويكسب المزيد من الوقت بانتظار موعد يمتد شهوراً كثيرة.. وإذا لم يصح مثل هذا الاحتمال فإنه يكون قد قام بمغامرة بل مقامرة ستقلب الوضع كله في المنطقة خاصة لأن جبهة الشمال قادرة على الصمود والرد على أي تصعيد متسارع أو حرب مكثفة شبه شاملة، لأن الجميع يدرك أن قوى جبهة الشمال لن تكتفي هذه المرة بالتصدي الدفاعي لطائرات العدو فقط بل ستنفذ عمليات مكثفة لإطلاق الصواريخ التي لن تتوقف عن السقوط على مستوطناته وبلداته ومدنه. والسؤال الملح في هذه الحال هو: هل سيكون في مقدور واشنطن إيقاف النار مثلما فعلت في حرب تموز عام 2006 في جنوب لبنان لإنقاذ الكيان الصهيوني بعد 34 يوماً من عجز جيشه عن ايقاف صواريخ المقاومة؟
والسؤال الآخر الاستراتيجي في ظل الوضع الراهن الآن هو: هل وافقت إدارة ترامب لنتنياهو على شن الحرب أو التصعيد أو وعدته بالمشاركة فيها وتحمل نتائجها المتوسعة في كل الاتجاهات في المنطقة؟
يرى ايال زيسير البروفيسور الصهيوني في العلوم السياسية والمتخصص بشؤون سورية والمنطقة في محاولة رده على هذا السؤال في صحيفة «يسرائيل هايوم» في 25 آب الجاري أن «العمليات العسكرية التي نفذها نتنياهو بدأت تثير خوف الأميركيين الموجودين في العراق وسورية مما يمكن أن تحمله من مضاعفات عليها» على حد قوله حرفياً، والسبب واضح هو أنهم قد يصبحون أهدافاً لهذه الحرب في حين إن الجيش الصهيوني لن تطأ أقدامه الأرض السورية أو العراقية بل سيبقى في داخل كيانه، وهذا ما حذّرت منه صحيفة «هآريتس»حين حملت عنواناً مثيراً يقول إن «تل أبيب كسرت قواعد اللعبة مع حزب الله وستعيش في خوف مما سينتظرها من رد».
وعلى الجبهة العسكرية الصهيونية، كشفت أنباء وسائل الإعلام في الكيان أن الجيش حرك عدداً من منظومات القبة الحديدية إلى مناطق قريبة من جبهة الشمال وتجنب الإعلان حتى الآن عن أنظمة الاستعداد التي يتعين على المستوطنين اتباعها، لكن قيادة الجبهة الداخلية اجتمعت برؤساء مجالس المستوطنات ونقلت لها التعليمات من دون تعميمها في هذه الأوقات بانتظار ما قد يحدث.
ويبدو أن الوضع وصلت تطوراته إلى درجة لن تقبل معها قوى جبهة الشمال الوضع الراهن الذي يحمل معه نتائج مفتوحة على كل الاحتمالات، لأن قوى هذه الجبهة منتصرة وقادرة على انتزاع المزيد من الانتصارات من هذا الكيان وحلفائه في هذا الوقت وفي كل الأوقات.