يواجه الكيان الإسرائيلي الإستيطاني الغاصب أكبر عملية سقوط شاملة وفق كافة المعايير وعلى كافة المستويات الداخلية الخارجية, بعدما نالت عملية طوفان الأقصى من هيبته وسمعته العسكرية, فيما تكفلت ممارساته الإجرامية – الإرهابية ومجازره وجرائم الحرب والإبادة الجماعية على مدى /8/ أشهر للعدوان على قطاع غزة بإظهار وجهه الحقيقي, وأثبت أنه كيانٌ عصاباتي إجرامي احتلالي توسعي عسكري بإمتياز, يعتمد بشكل كلي على مؤسسته العسكرية التي قامت أساساً على تجميع مجرمي عصابات الهاغاناه وشتيرن وغيرها, وعلى تسليح المستوطنين, وبناء المغتصبات السكنية كقلاع محصنة, قادرة على خوض معارك الإعتداء والسرقة والقتل, وعلى تجنيد كافة مكونات المجتمع الإسرائيلي, أمورٌ بمجملها تؤكد حقيقة هذا الكيان وبأنه قاعدة عسكرية كبيرة, تم توظيفها كمخفر متقدم لخدمة قوى الشرّ والإمبريالية والصهيونية العالمية وتحديداً الغربية منها.
ولا نجد في هذا الكيان مشروعاً أو مجمعاً صناعياً أو منشأة وخلافه, دون أن يكون أساس إقامته حسابات عسكرية استراتيجية سواء كانت دفاعية أو هجومية أو قواعد إنطلاق عسكرية, وعلى هذا الأساس تم إنشاء الموانئ “الإسرائيلية على أنها قلاع وقواعد بحرية, لضمان توريد أو تصدير مختلف أنواع الأسلحة, والحركة التجارية – الإقتصادية المرتبطة ببقاء الكيان لمنحه القدرة والقوة الكافيتين لخوض معارك وصراعات الإحتلال والإستيطان والتوسع والهيمنة وتفكيك دول المنطقة.
ومن أجل ذلك ترتب على من يقفون وراء الكيان وداعميه, تأمين كافة متطلبات بقائه, وإحاطته برعاية وحماية عسكرية وسياسية كاملة, تضمن عدم خضوعه للقوانين الدولية وانتهاكها والإفلات من العقاب, على قاعدة أنه يحق “لإسرائيل” الدفاع عن نفسها, دون مراعاة المجازر والفظائع التي ترتكبها منذ قرن حتى اليوم بحق الفلسطينيين وسط صمت العالم, وبما يشكل دليلاً ساطعاً على سيطرة داعمي الكيان على المؤسسات والمنظمات الأممية, وإجبارها على اعتماد سياسة المعايير الدولية المزدوجة, بما يضمن تأييد السفاح الظالم على المظلوم.
وعلى الرغم من محدودية وصغر مساحة فلسطين المحتلة قياساً بغير دول, إلاّ أنها تمتلك موقعاً جغرافياً هاماً, يمنحها فرصة الوصول إلى غرب البحر الأبيض المتوسط, وإلى الجنوب الشرقي للبحر الأحمر, الأمر الذي يمنحها أيضاً القدرة على تطوير التجارة الخارجية وتكثيف نشاطاتها بإتجاهات مختلفة, وهذا بدوره ساعد على تعزيز قوة ووجودية وأمن كيان الإحتلال, وعلى صموده في الصراع العسكري – حتى الاّن -, وبالحصول على المساعدات الخارجية العسكرية والاقتصادية اللازمة.
وعليه تقوم المطارات والمعابر البرية مع بعض دول الجوار “الإسرائيلي”, بالإضافة إلى الموانئ – إيلات وأشدود وحيفا – بتوفير وتكثيف إمكانيات إتصال الكيان مع العالم الخارجي, وبالمقابل تعتمد الإستراتيجية العدوانية الإسرائيلية على تدمير وتخريب الموانئ الفلسطينية وإغلاق الحدود والمعابر البرية مع دول الجوار, وتطبيق الحصار الجائر والتجويع وبإرتكاب المجازر, بهدف إضعاف الفلسطينيين ووضعهم أمام خيارين إما الموت قتلاً وجوعاً أو الإستسلام والرحيل.
ومنذ عام 1948وإعلان قيام الكيان الغاصب, اعتمدت هيئة الأركان الإسرائيلية في كافة الحروب وجولات المعارك التي خاضتها, على تكتيكات الحرب الخاطفة قصيرة المدى, بالتوازي مع محاولاتها لتحصين الرخاء الإقتصادي والتحديث العسكري التكنولوجي الإسرائيلي، فضلاً عن إعتمادها على كافة أشكال الدعم الأمريكي الغربي, في الوقت الذي نراها اليوم وبإعتراف نتنياهو تسعى للسيطرة على جميع الأراضي “من الفرات إلى النيل”, بالإعتماد على تكتيك الحروب طويلة الأمد, وبعدم نيتها وقف العدوان الحالي قبل تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة.
ولا زال نتنياهو يمارس تعنته ورفضه قبول دعوات داعميه وحلفائه (الكاذبة) وأصدقائه وأعدائه, وكافة دول وشعوب العالم لوقف عدوانه, ولا يزال يعد ويتوعد بتحقيق إنتصاراتٍ كاملة, بما يؤكد انفصاله عن الواقع, وإثبات أنه “الدون كيشوت الإسرائيلي”, الواهم والحالم بالقضاء على المستحيل, فحماس وباقي فصائل المقاومة لا تزال قادرة على متابعة المواجهة بكل كفاءة وإقتدار، ولا تزال تكبد قوات الإحتلال خسائر عسكرية كبيرة ومؤلمة, ناهيك عما باتت تحظى به الحقوق الفلسطينية والمقاومة بدعم جميع الدول والشعوب حول العالم, ومع ذلك يستمر العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة, وتستمر مجازره في رفح وفي المناطق التي خدع العالم فيها وأعلنها مناطق اّمنة.
يخطئ من يعتقد أن الخسائر الإقتصادية الكبيرة التي لحقت بالكيان الإسرائيلي خلال /8/ أشهر للعدوان على غزة, كانت نتيجة العقوبات التجارية المحدودة التي فرضتها تركيا وبعض الدول, في حين أنها تحققت نتيجة الحصار الذي فرضه مقاومو حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر الأبيض المتوسط.
فالحصار بالمسيرات والصواريخ اليمنية, استطاع شل حركة ميناء إيلات والذي يعتبر البوابة البحرية الجنوبية للكيان الغاصب، والذي لطالما كان ضامناً رئيسياً للتجارة مع أستراليا ودول شرق آسيا (خاصة الصين والهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة)، ولوصول سفن التجارة الغربية عبر مضيق باب المندب، حصارٌ ثابت وحاسم أجبر سلطات العدو تعليق جميع عمليات التصدير والاستيراد عبر ميناء إيلات.
وبإعتراف المدير العام لميناء إيلات “جدعون غولبر”، لصحيفة جيروزاليم بوست، أن “حركة السفن التجارية إلى إيلات توقفت تماماً مع بدء الهجمات اليمنية”, وبوصول سفينتين فقط إلى الميناء منذ نهاية تشرين الثاني/2023, الأمر الذي انعكس على مصدر الدخل الرئيسي لحوالي 60 ألف مستوطن, يعمل الكثيرون منهم في الميناء, وبأن “الحكومة الإسرائيلية لم تعد قادرة على دعمه بما يكفي لدفع رواتب العاملين فيه”.
إن الخسائر المادية الشهرية التي لحقت بميناء إيلات منذ بداية العدوان على قطاع غزة, والتي تقدر بـ حوالي 3 مليون دولار, دفعت إدارة بايدن لتقديم 14 مليار دولار في تشرين الثاني/2023 على شكل مساعداتٍ عاجلة وفورية, كذلك تأمينها موافقة مجلس النواب الأمريكي لعام 2024, على مشروع قانون “المساعدة المنتظمة” بمبلغ يزيد على 26 مليار دولار، وبذلك تكون مجمل المساعدات الأمريكية المالية المعلنة للكيان حوالي 60 مليون دولار خلال /8/ أشهر للعدوان قطاع غزة.
مما سبق تتضح أهمية جبهة المساندة اليمنية, وكذلك جوهر الدعوة الإسرائيلية لحلفائها لتشكيل تحالف بحري لإستهداف اليمن ومقاومته, التي أثرت بشكلٍ فاعلٍ ومؤثر عبر حصار الكيان وإلحاق الخسائر المادية ليس بميناء إيلات فقط، بل بإلاقتصاد الإسرائيلي برمته.
لم ولن ينجح الأمريكيون بتشكيل تحالفهم البحري الخبيث, رغم الهجمات العدوانية الأمريكية والبريطانية المتكررة على اليمن, ولم يستطيع أحد التأثير على القرار اليمني وجبهة مساندته, خصوصاً مع تأكيد سماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي للأمريكيين بأن “صواريخكم لا تخيفنا” وبأننا مستمرون حتى “وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بشكلٍ دائم”.
كذلك لم تنجح الرواية الإسرائيلية – الأمريكية – البريطانية, ومن حذا حذوهم, بإقناع العالم أن اليمن يستهدف حركة الملاحة البحرية الدولية بتحريض ودفع مباشرين من جمهورية إيران الإسلامية, فقد أوضحت البيانات العسكرية للعميد يحيى سريع مراراً وتكراراً, كل ما يتعلق بالعمليات اليمنية من حيث طبيعة السفن المستهدفة – الإسم والجنسية-, وبأنها تستهدف السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية وأي سفن أخرى تحمل السلاح والدعم بإتجاه الموانئ الإسرائيلية فقط.
وبالرغم من بناء الإسرائيليين والكثير من الساسة والمراقبين والإعلاميين الأمريكيين والأوروبيين, خطاباتهم ومواقفهم على اساس المخالفة اليمنية لقانون البحار والملاحة البحرية العالمية, يبقى السؤال, لماذا لا تلجأ الحكومة الإسرائيلية وداعميها إلى القانون الدولي إن كانت محقة, وهل هي من الدول التي تحترم القانون الدولي وتقيم له أي إعتبار, وهل إحتلالها وعدوانها على غزة قانوني, كذلك وجودها ومستوطنيها وإحتلالها أرض فلسطين هو شرعي وقانوني, وهل هي بصدد وقف العدوان تنفيذاً لقرار محكمة العدل الدولية, وبصدد تسليم نتنياهو وغالانت بعد صدور قرار المحكمة ذاتها بإرتكابهما جرائم حرب للمثول أمامها, لقد أثبت الكيان الإسرائيلي وداعميه على مدار 75 عاماً, أنه كيانٌ مارق, لا يفهم إلاّ بلغة القوة والمقاومة الكفيلة بدحره وإزالته وتحويله إلى ذكرى “مشؤومة” .
* كاتب وباحث استراتيجي