لن يقدم بنيامين نتنياهو على الانتحار، ولن يضع بنفسه وبقرارٍ شخصي منه حداً لحياته ونهايةً لمسيرته، فهو أجبن من أن يواجه الموت بشجاعة، أو أن يُقبل على القتل بجسارة، أو أن يواجه خاتمته بنبلٍ ورجولة، تماماً مثل كثير من القادة والزعماء أمثاله، الذين قرروا إنهاء حياتهم بأيديهم، والفرار من خاتمةٍ تؤذيهم، والحفاظ على ما تبقى من سيرةٍ حسنة لهم بين مواطنيهم، إلا أن نتنياهو ليس مثلهم، فهو عاجزٌ عن مواجهة مصيره، ويتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعه، أو أن طاقيةً أسطوريةً تخفيه أو قدراً ينجيه، فهو يخشى الوقوف في قفص الاتهام، في المحكمة وأمام هيئة القضاة، لأنه يعرف ما اقترف ويدرك ما ارتكب، وله خبرة جيدة في معرفة الأحكام الشبيهة بحالته، وأمامه سوابق كثيرة في رؤساء الكيان والحكومة أمثاله.
إلا أنه فرحَ وسعدَ وإن كان قد تقدم ببلاغ لدى الشرطة الإسرائيلية، عندما وصلت إلى صندوق بريده رسالةٌ من مجهول، تحمل تهديداً له بالقتل، وتتضمن إلى جانب صورة حبل المشنقة المتدلي، دعوةً إلى المؤسسات الإسرائيلية للاستعداد لمسيرة جنازة نتنياهو وزوجته ساره وولده يائير، وتنظيم حركة السير لتسهيل سير سيارات الاسعاف التي تنقلهم، وقد أخذت الشرطة بشكواه، واعتبرتها تهديداً جدياً صريحاً له بالقتل، ودعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وطواقم حماية نتنياهو إلى أخذ الحيطة والحذر، وزيادة سبل السلامة ووسائل الحماية، لضمان الحفاظ على حياته، ومنع أي متطرفٍ من الاقتراب منه أو الوصول إليه.
صحيحٌ أن نتنياهو قد خاف وارتعب من الرسالة التي وصلته، وتحسس رأسه وأصابه جزعٌ شديدٌ على زوجته وولده، وخشي أن يصيبهما سوءٌ أو أن يلحق بهما ضرر، لكنه في الحقيقة ضحك وابتسم، ورقص قلبه وطرب، فهو يتمنى أن تنتهي حياته كإسحق رابين، فيقتل في ميدان عام، برصاصةٍ من مستوطنٍ متطرف، أو يميني متشدد، تضع حداً لحياته، لكنها تجعل منه بطلاً، وتحوله إلى ضحية يجتمع على مظلوميته اليهود، ويشارك في جنازته قادة العالم وزعماء اليهود وشعب إسرائيل، ويبنى له نصب تذكاري، ويحج إليه أتباع الديانة اليهودية من كل مكان، ويحيون ذكراه كل سنة، ويتلون في مقامه سيرة حياته ويعددون انجازاته، ويذكرون الأجيال بأمجاده، ويبرؤون ساحته من أي تهمة، ويلعنون من اتهمه وحاول تشويه سمعته وتلطيخ سيرته.
حجم الشامتين في نتنياهو يفوق بكثيرٍ حجم الشامتين بسلفه أيهود أولمرت وبالرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف، الذين سبقوه إلى السجن، رغم أنه قدم لشعبه وكيانه خدماتٍ جليلةٍ، تتعلق بسلب الحقوق واغتصاب الأرض، وسرقة المقدسات، وتهويد القدس وضم المناطق، ومنح ترامب السياسية له، واختراق الأنظمة العربية وبناء علاقاتٍ رسميةٍ سريةٍ وعلنية معها، واختراق القارة الأفريقية وبناء علاقة استراتيجية مع الهند، إلا أن هذا كله لم يشفع له عند شعبه البوَّاء، وعند خصومه غير الشرفاء، إذ أكثر من الأعداء، وجمع حوله السفهاء، وأحسن طرد الأصدقاء، وجارى زوجته في الأخطاء، وسكت عن تصرفات ابنه الرعناء، حتى وقع في شر أعماله وسوء أفعاله.
قد لا تكون هذه هي المرة الأولى التي يتلقى فيها نتنياهو تهديداً بالقتل والتصفية، إذ وصله الكثير قبلها، واحتاط وحراسه لمثلها، وقامت الشرطة والأجهزة الأمنية تجاهه بدورها، لكن أحداً من خصومه وكارهيه اليوم لن يقدم على قتل ميتٍ، أو بعث الحياة في ميتٍ سياسي، بل سيتركونه لقدره ومصيره، وحتفه وخاتمته، ولن يكونوا سبباً في تخليده وحفظ إنجازاته وتعداد مآثره، ولعلهم فعلاً بدأوا الاستعداد للمرحلة التي ستليه، وللزعيم الذي سيخلفه، تماماً كما دعا مرسل رسالة التهديد له، بوجوب الاستعداد لإغلاق الشوارع، وإطلاق الأبواق، وتسهيل حركة سيارات الإسعاف.
إذ لم يتبق من عمره السياسي شيء، وسنواته التي بقيت له في الحياة سيقضيها في السجون، إذ تجاوز السبعين وما بقي لن يسعفه كثيراً، ولن يتمكن بعد انتهاء فترة العقوبة من العودة إلى السياسة، أو الاعتداد بلسانه الذلق وخبرته الواسعة وعلومه الكثيرة، وإنجليزيته المتقنة، ولن تتعاقد معه الجامعات والمعاهد، والمؤسسات والمراكز، ولن يتقاض مائة ألف دولارٍ مقابل كل محاضرةٍ يلقيها كما كان يمني نفسه ويخطط له مدير أعماله، بل سيجد نفسه وحيداً معزولاً، كئيباً مفصولاً، كحال كل الظالمين أمثاله، والطغاة الفاسدين أقرانه، إلى أن تزل قدمه في حمامٍ فيموت، أو يسقط في حفرةٍ وينتهي أمره، أو يصاب بجلطة تقعده أو مرض آخر يميته.