الحياة أصبحتْ كالموت الأن، فنور الشمس وخرير الماء تبدلا فلم يكونا هما، فقد لوّث كلَّ شئ شرذمةٌ من أتباع إبليس من البشر، فكان النور لهيب الأجساد، والماء بحرٌ متلاطم غارقٌ للقلوب.حتى نجوم الليل طالتها آياديهم فخرج من قلوبها نورٌ أضاء لهم مسالكاً لهدم ضعفاء الأرض ومغيبى العقول، هدْمهم بمعاول أطماعهم وأهواءهم.
هم لا يألون جُهدًا فى فناء كل ما يستطيعون من الناس ليستحوذوا هم على منح الطبيعة، يجاهرون بألسنة كالحديد القاطع ويسرّون أحياناً أخرى بألسنة معسولة وقلوب كقلوب الحِرباء.
يعوون فى كل أرض، ويهلكون مالكيها بفحيحهم الأشبه بفحيح الأفاعى، تترامى سهامهم مصوبة على القلوب قبل الظهور، وتتكاثر قضبانهم وقيودهم من أجل أن يرتعوا رتعاً فى المُلك والسيادة وملذات نفوسهم.
وما زال الدم يقطر من أيديهم ولم ينتهوا، وما زالتْ طعناتهم تتوالى، وما زالتْ الصرخات تملأ الآفاق .ورسائل طبول الحرب محمولة للأسف .. للأسف بأرجل حمائم السلام ..فمعذرة أيتها الحمائم .. معذرة مرة أخرى .
إذن أين الحياة ؟!.
الحياة نجدها فى الخلاص منهم، ومن أجل ذلك فلابد أن نستنفر مكامن قوتنا أولاً، ثم نجعلها تذوب فى عزائمنا ثانيًا، ثم ترسم لها على طول طريقها محطات النضال سواء الكرّ منها أو الفرّ .
لابد أن ينبض قلب الحياة من جديد.لابد حتى نحافظ على ما تبقى من الضعفاء الذين لا يملكون ذرة أمل فى البقاء أو حتى ما تبقى من رماد أنفاسهم المتهالكة.
لقد عبثنا نحن المخلصون فعبثتْ بنا الأقدار، وتملكنا اليأس فخارتْ قوانا، فكان بيت العنكبوت أحصن من بيوتنا !، والبعوضة على مرأىً من العيون أكثر منا! وذاك لاننا ببساطة.. تلاشينا تمامًا.
لقد انفلتتْ نفوسنا بعد أن استسلمنا للأهواء، إنفلتتْ ولا رادع يردعها إلا بالعودة إلى قلوبنا البيضاء تلك التى لم تُدنس من قبل .
لقد آثرنا مضاجع النساء ولاكتْ ألسنتنا أطايب الطعام حتى تمكن أولئك الشِرذِمة من كل شئ، فأمسكنا الهوى وانفلتتْ من بين أرجلنا روح النضال.
يجب علينا أن نستفيق من سُباتنا الذى هبط مع هبوط الإنسان على الأرض، فلابد أن نكون صادقين أمام أنفسنا حتى نرى كل شئ على حقيقته، فيتبين الجمال من القبيح، والحق من الباطل، وتبعاً يستقيم الميزان فلا تميل إحدى كفتيه عن الأخرى، ونرى فى ثغره ضحكة راسخة لا تعبس أو تهتز أبداً.
ولابد أن نقتل الحقد ليتحرر الحب بداخلنا، وننكأ الأطماع حتى يتنفس السلام، ونزيل طغيان الأنانية حتى تنقشع منح الطبيعة .
نفعل كل هذا سِراعاً كالفهود، وخواطف كالرعد القاصف، فانْ لم نستطع وجب علينا انْ نتكأ على عِصىِّ إخلاص وعزيمة قلوبنا وأنْ كبونا ثم كبونا.
فلنركب خيول الحرب سائرة نحو حصون الشياطين، خيول يُسمع صهيلها من عزائمنا المنصهرة من ضمائرنا المستفيقة.
لنهدم بيوتات العنكبوت التى نصبوها فنحفظ الدماء، و نقطف رؤوس الأفاعى التى ما زالتْ تفح السموم، علينا بتلجيم عِواءهم الأشبه بالذئاب حتى تعود الأرض إلى أصحابها.
علينا بطمْس نِصالهم وسِهامهم حتى تخيب رميتهم ولا تصيب.
فإذا انتصرنا علي هذه الشياطين علينا بعدم ترك ظهور الجياد أبداً، لابد أن نُكسّر القضبان ونُذيب القيود ونُطلق أسيرا لظلم والطغيان.
وعلينا باحتضان أولئك الضعفاء الذين يحيون خلف أسوار الحياة، فإنْ وجدناهم مازالوا على قيد الحياة نفخنا عزيمتنا فى أرواحهم فيبرءوا، وعلينا بدفن موتاهم فلا نبكى ولا يبكون فعلينا بالعمل سريعًا حتى لا تنجح الشياطين فى تسديد رميتهم، ثم نؤازرهم ويؤازرونا باعتصام القلوب واصطفاف الأقدام. لابد أن نحيا ..نحيا من جديد.
فإن أبى قنوطٌ من الحياة دفعناه وأريناه الطريق الذى غدا ضحُوكاً، وقلنا له لقد عادتْ الطيور إلى أوكارها تغرّد كما غدا الماء يجرى صفوًا.
نبلل شفتيه بمحيّاه السلسبيل فنرويه من خريره الطروب، ونمسح بترياقه جبينه المكدود.
ونقول له هيا وكفى قنوطاً واثبت من رجفة الخوف وانهمار الدمع .
ونأخذ بناصيته من الرغام ونمسح جبينه من الذلة والعذاب، ننفث فى أُذنيه ونطلقه ممتطيًا جياد الحياة الجديدة.
وأخيراً …
علينا بتلثيم أرجل الحمائم اعتذاراً، ثم إرسالهم برسائل السلام من مواقع ظفرنا إلى مشارق الأرض ومغاربها لتنشأ الحياة الجديدة.
مفتاح استعاب المقال : المقال فيه فرق الناس الاتية …
الاولى : المخلّصون الذين انتبهوا.
الثانية : اتباع ابليس او الطغاة.
الثالثة : الضعفاء الذين خلف اسوار الحياة.