أن يعود قائد إلى وطنه بعد طول منفى – وهو عرضة للتهديد بالإغتيال – فيهبّ لاستقباله تلقائيا أكثر من أربعة ملايين ثائر إيراني(1)، التحموا به فكرا وروحا التحاما، شدّ إليه اهتمام العالم، ونمَتْ جموعه التي اجتمعت حوله، مقاسمة سرّاءه وضرّاءه بكل إيمان ويقين، بأنه الولي الناصح، الذي وهبهم الله إشراقة فكره، ونور روحه الطاهرة، لتقودهم بكل جدارة وثقة إلى حيث ينشدون من عدالة، وبسرعة تزايدت أعداد مواليه داخل إيران وخارجها، وشكلوا حوله ظاهرة فريدة من الوفاء والولاء، لتتواصل بأدائها المضحّي مسيرة العشق الإلهيّ، طاعة مطلقة في إطار من الانضباط ومضيّ واع إلى الأهداف التي أعلنها الإمام رضوان الله عليه، لم تمنعهم من تلبية نداءاته القرآنية اعتداءات أعدائهم، ولا أوقفت تقدّمهم نحوها عقوبات مشدّدة فرضها الشيطان الأكبر، تشكّلت في أدائها رمزية قداسة القائد، وانقياد أتباعه بكل إيمان به ملهِما، إلى اليوم الذي لبّى فيه الإمام الخميني رضوان الله عليه نداء ربه، فكان يوما فارقا عن غيره من الأيام، يوم أخرس ألسُن البهتان والتشويه، التي ما فتئ يشنها عليه وعلى ثورته، أعداء الإسلام من مستكبرين وصهاينة وعملاؤهم، يوم أثبت فيه الشعب الإيراني وفاءه لدينه ومبادئه، وشدّة تعلّقه بإمامه وقائد ثورته ومنجح مسيرته الإسلامية، فقد شارك في وداعه إلى مثواه الأخير أكثر من اثني عشر مليون عاشق، قدِموا من مختلف مناطق إيران، للقيام بواجب الوداع الذي هو أهله(2).
من تابع تلك الأيّام الحزينة، تولّدت لديه قناعة ثابتة، بأنه يشهد من داخل إيران برهانا جليّا، جسّد أنموذجا فريدا في عالم الدين والسياسة، لشعب خرج بتلقائية وكثافة إلى الشوارع، ليعبّر للعالم المتنكّر لقائده، عن مدى شعبيته للرّمز الذي أعطاه مقودة أموره مطمئنّا بسداد وصواب رأيه، وتجربته معه خلال فترة ثورته ومدة حكمه كافية لتمتّن العلاقة بين الرّعيّة والرّاعي، ردّ تلقائئ وعملي، على الحملات الهوجاء التي أطلقها أعداء الإمام الخميني رضوان الله عليه، ومن تابع أحداث يومي الإستقبال الذي حضي به الإمام الخميني رضوان الله عليه عند رجوعه إلى طهران، متحدّيا تهديدات حكومة الشاه بإسقاط طائرته، ما أعطى زخما ثوريا ومعنويّا لشعب، قرر التخلّص من تبعية غربيّة أرهقت جيلا كاملا من أهله.
ومن فاته زمنا يوم الإستقبال فلم يحظى برؤية مشاهده الكبيرة، فلا يمكن أن تغيب عنه مشاهد الوداع التي هبّ إليها الشعب الإيراني الوفيّ، صغارا وكبارا، شيبا وشباب، رجالا ونساء، ولأخذته دهشة السّيل العرِم من الإيرانيين، الذين سجلوا بحضورهم، مظهر حبّ ووفاء وتعلّق بقائدهم، أذهب زبد بهتان أعدائه وجعل كيدهم في تباب (3)، صور ومشاهد معبّرة عن شعب مؤمن بقيادته، وقائد لم يدّخر جهدا من أجل خدمة بلاده، أفنى عمره في علوم الإسلام، وقدّم نموذجا واقعيا وسليما لنظام حكم إسلامي، لم يكن ليرى نور الوجود لولاه، أثبت به بطلان مقولة الدين أفيون الشعوب، والاسلام دين بلا نظام حكم، وولاية الفقيه التي قدّمها لشعبه، وانضوى تحتها بتلقائية مقتنعا بها، تواصلت بعده في أدائها الحكيم النّاجح، سائرة على طريق الهدى، موفّقة في جميع ملفات استحقاقاتها الداخلية والخارجية، هذا هو الامام الخميني الذي اجتهد أعداءه في إخفاء مكانته، وإظهاره على عكس ما روّج عليه أعداء الإسلام المحمّدي، ومن تبعهم عليه من جهلة الأمّة أنار الله بصائرهم.
رحم الله رجل تجديد الدين واصلاح نظامه في زماننا، ورضي عنه بما قدّمه من فكر مستنير، في سبيل أن تكون كلمة الإسلام هي العليا، والمسلمين أعزّة ظافرين.
المصادر
1 – يوم انطلاقة النصر http://ar.imam-khomeini.ir/ar/n7234
2 – رحيل الإمام الخميني: وصال المحبوب وفراق الأحبة
https://alwelayah.net/post/38995
3 – خسران