لا يمكن تجاهل إبعاد دولة اقتصادية عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية من أكبر تكتل تجاري في العالم، بلا التوقف عند مغزى ذلك، وخاصة أن إحدى الأطراف المشاركة في التكتل هي الصين، التي عانت من حرب تجارية مع أمريكا ومن نكث الأخيرة للعهود التجارية والهروب من المنظمات العالمية.
إصرار الصين -إحدى الدول الـ15 الآسيوية المشاركة بالاتفاق الاقتصادي الذي على أثره تم تشكيل أكبر منطقة تجارة حرة في العالم- على استبعاد أمريكا من المنظمة والذي وصف بأنه “انتقام صيني”، جاء ربما كرد على خرق واشنطن لقواعد التجارة الحرة التي وضعتها وفرضتها أمريكا نفسها على العالم، ثم انسحبت من أغلبها عندما خسرت بعض المصالح التي كان تستحوذ عليها احتيالاً على الدول الضعيفة، كما يأتي في إطار الرد الصيني على العقوبات الأمريكية والحرب التجارية التي رغم الاتفاق بين بكين وواشنطن إلا أن تبعاتها على الصين لا تزال مستمرة، لكن لا يمكن استبعاد أسبابها ونتائجها من التفكير السياسي الصيني في وضع قواعد جديدة في التعاطي المستقبلي مع أمريكا ومن يتبعها بعمى.
إن مناخ التعاطي الدولي مع واشنطن لم يتغير لدى الصين، حيث أن لا فرق عندها مابين جمهوري أو ديمقراطي في البيت الأبيض، فالصين على سلم الأولويات المستهدفة في الخطط الأمريكية في السياسات التي يتبعها ساكن البيت الأبيض أياً كان أو السياسات العدائية لـ”الدولة العميقة” من أجهزة المخابرات والأمن القومي و”لوبيات” الضغط الصناعية والسياسية، فالصين بسياستها تجاه أمريكا أصبحت أكثر وضوحاً من جهة الرد على التمادي الأمريكي بحق الصين في عدة ملفات تجارية وأمنية وخاصة قضية تايوان.
العالم يبدو وكأنه يتشكل في آسيا بلا الغرب الرأسمالي بمعايير تجارية وأخلاقية جديدة، بعيداً عن ضغوط الرأسمالية الغربية ومعاييرها المجربة على مدى عقود، والتي إثر التجربة تلك، وقع العالم في خيبات اقتصادية انعكست على الدول الأضعف والأفقر في حياة شعوبها كمجاعات وضعف في التنمية أخّر دخولها إلى القرن الحالي.
العالم الحر يعقد آماله على التحول الجديد في شرق آسيا، ويتوق إلى تجربة اقتصادية جديدة، تنفض عنه غبار التعب من العقوبات والاحتكار ومن سياسات الضغط والابتزاز الأمريكي.